مباشر- أحمد شوقي: وسط تحذير البنك الدولي من موجة ديون هائلة تتصاعد في جميع أنحاء العالم، لا يبدو واضحاً من سيكون الأكثر تضرراً.
ولكن إذا لم تتصرف الدول الأكثر عرضة لبطش موجة الديون، من المملكة المتحدة إلى الهند في أقرب وقت، فقد تواجه أضرارًا اقتصادية شديدة، بحسب "كيوشيك باسيو" الاقتصادي السابق في البنك الدولي عبر تحليل نشره "بروجيكت سينديكيت".
وعلى مدار العقد الماضي، شهد الاقتصاد العالمي تراكمًا مستمراً للديون لتبلغ الآن 230 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع حقيقة أن موجات الديون الثلاث الأخيرة قد تسببت في ركود اقتصادي كبير في جميع أنحاء العالم.
الماضي الكارثي للديون
وكانت موجة الديون الأولى في أوائل الثمانينات، حيث أنه بعد 10 سنوات من تكاليف الاقتراض المنخفضة والتي مكنت الحكومات من توسيع ميزانياتها العمومية إلى حد كبير، بدأت معدلات الفائدة في الارتفاع، مما جعل خدمة الديون غير مستدامة على نحو متزايد.
وكانت المكسيك الضحية الأولى، حيث أبلغت الحكومة الأمريكية وصندوق النقد الدولي في عام 1982 أنه لم يعد بإمكانها سداد ديونها.
وكان لهذا تأثير الدومينو، حيث قامت 16 دولة من أمريكا اللاتينية و 11 دولة من أقل الدول نمواً خارج المنطقة بإعادة جدولة ديونها في نهاية المطاف.
وفي التسعينيات، كانت معدلات الفائدة منخفضة مرة أخرى، ليرتفع الدين العالمي مجدداً.
وجاء الانهيار في عام 1997، عندما شهدت اقتصادات شرق آسيا سريعة النمو ولكن سريعة التأثر مالياً - بما في ذلك إندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وتايلاند - تباطؤًا حادًا في النمو وانخفضت أسعار عملاتها، ومن ثم تمددت آثار ذلك لجميع أنحاء العالم.
ولكن ليست الاقتصادات الناشئة وحدها عرضة لمثل هذه الانهيارات، وهو ما أثبتته أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة عام 2008.
وبحلول الوقت الذي اكتشف فيه الجميع ماذا تعني أزمة الرهن العقاري، كان بنك الاستثمار الأمريكي "ليمان براذرز" قد انهار، مما تسبب في حدوث أسوأ الأزمات والركود منذ الكساد العظيم.
الموجة الرابعة للديون
وحذر البنك الدولي مؤخراً من أن موجة الديون الرابعة قد تتجاوز في وقتها الثلاث موجات الأولى، حيث أن الاقتصادات الناشئة التي بلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي فيها مستوى قياسي عند 170 بالمائة أصبحت معرضة للخطر بشكل خاص.
وكما في الحالات السابقة، تتزايد أزمة الديون بسبب انخفاض معدلات الفائدة، في حين سيبدأ القلق بمجرد أن تبدأ الفائدة في الارتفاع.
والحقيقة أن آليات مثل هذه الأزمات ليست مفهومة جيداً، لكن بحثاً أجراه "ستيفن موريس" و"هاون سونج شين" في عام 1998 حول الأصول الغامضة لأزمات العملة، وكيفية انتقالها إلى الاقتصادات الأخرى، يظهر أن "تسونامي مالي" يمكن أن يجعل الوضع يتجاوز مصدر الأزمة.
وتم توضيح كيف يمكن أن يتلاشى مصدر الأزمة المالية في القصة القصيرة المبهجة "رنام كرتفا" للكاتب الهندي الشهير "شيبرام تشاكرابورتي".
وفي هذه القصة، يطلب "شيبرام" اليائس من صديق قديم في المدرسة "هارشا" أن يقرضه 500 روبية (7 دولارات) يوم الأربعاء مع وعد بتسديد المبلع يوم السبت التالي.
لكن "شيبرام" يهدر المال، لذلك عندما يأتي يوم السبت لا يكون أمامه خيار سوى مطالبة صديق آخر في المدرسة "جوبار" بقرض قيمته 500 روبية، لتسديده يوم الأربعاء القادم.
ويستخدم "شيبرام" المال لسداد ديونه لـ"هارشا"، لكن عندما يأتي يوم الأربعاء لا يكون لديه أي طريقة لسداد دين "جوبار"، لذلك يقوم يتذكير "هارشا" أنه سدد ديونه في موعدها وبالتالي يقترض منه مرة أخرى.
ويصبح هذا أمرًا معتادًا مع اقتراض "شيبرام" مرارًا من صديق لسداد ديونه للآخر، ثم يصطدم "شيبرام" بكل من هارشا" و"جوبار" يومًا ما.
وبعد لحظة من القلق، يقترح "شيبرام" فكرة هى كل يوم أربعاء يجب على "هارشا" إعطاء "جوبار" 500 روبية، وفي كل يوم سبت يجب على الأخير إعطاء نفس المبلغ للأول.
ويؤكد "شيبرام" لأصدقائه السابقين في المدرسة أن هذا سيوفر عليه الكثير من الوقت ولا يغير شيئًا بالنسبة لهم، ويختفي في حشود مدينة "كولكاتا" في الهند.
المملكة المتحدة والهند نموذج للأزمة
إذن من هم "هارشا" و"جوبار" المحتملان في موجة ديون اليوم؟ وفقًا للبنك الدولي، يمكن أن يكونوا أي دولة بها نقاط ضعف محلية وموازنة عمومية مالية كبيرة وسكان مثقلون بالديون.
وهناك العديد من الدول التي تناسب هذا الوصف وتواجه خطر أن تصبح القناة التي تحمل موجة الديون الرابعة للاقتصاد العالمي.
ومن بين الاقتصاديات المتقدمة، تعد المملكة المتحدة مرشحًا واضحًا، وفي عام 2019 تجنبت بريطانيا بالكاد الركود الاقتصادي لتسجل أضعف وتيرة نمو في أي فترة لم تشهد ركوداً منذ عام 1945.
كما وعد المحافظون في بريطانيا بحدوث زيادات كبيرة في الاستثمارات التجارية، وهذا غير مرجح، لكن بدلاً من ذلك ربما ستكون موجة ديون.
وبين الاقتصادات الناشئة، فإن الهند عرضة للخطر بشكل خاص، حيث أنه في الثمانينيات من القرن الماضي كان الاقتصاد الهندي محميًا إلى حد ما، وبالتالي لم يكن لموجة الديون في ذلك الوقت تأثير يذكر.
وفي وقت أزمة شرق آسيا في عام 1997، كانت الهند قد بدأت للتو الانفتاح وبالتالي شهدت بعض التباطؤ في النمو.
وبحلول وقت موجة الديون في عام 2008، كانت البلاد قد أصبحت متكاملة عالمياً وتأثرت بشدة، لكن اقتصادها كان قويًا وينمو بمعدل 10 بالمائة تقريبًا سنويًا، واسترد عافيته خلال عام.
ولكن يواجه اقتصاد الهند اليوم واحدة من أعمق الأزمات خلال الثلاثين عامًا الماضية، مع تباطؤ النمو بشكل حاد والبطالة عند أعلى مستوى خلال 45 عامًا وعدم وجود نمو تقريباً للصادرات على مدى السنوات الست الماضية وتراجع نصيب الفرد من الاستهلاك في القطاع الزراعي على مدى السنوات الخمس الماضية.
أضف إلى ذلك بيئة سياسية شديدة الاستقطاب، وبالتالي لا عجب أن تتراجع ثقة المستثمرين بسرعة.
ولم يفت الأوان بعد على الدول لبناء "جدران" للحماية من تسونامي الديون، في حين أن المشكلات السياسية في الهند ستستغرق وقتًا لحلها، فإن الموازنة الجديدة قد تكون فرصة لاتخاذ إجراء وقائي.
ويجب السيطرة على العجز المالي على المدى المتوسط، لكن الحكومة ستكون حكيمة في تبني سياسة مالية توسعية الآن، مع توجيه الأموال لدعم البنية التحتية والاستثمار، وإذا تم إدارته بشكل صحيح، يمكن أن يعزز الطلب دون زيادة الضغوط التضخمية وتعزيز الاقتصاد من أجل مواجهة موجة الديون.