كيف سقط الاقتصاد الأسرع نمواً في كابوس الركود التضخمي؟
مباشر - سالي إسماعيل: قبل عامين مضوا، كان رئيس وزراء الهند "ناريندرا مودي" يقوم بمساعدة الاقتصاد لكي ينمو بنسبة 8 بالمائة، الأمر الذي أثار التفاؤل بأن الهند كانت تتجه لتصبح محرك رئيسي للنمو العالمي.
ويتساءل الكاتب الاقتصادي "أنيربان ناج" في رؤية تحليلية نشرها موقع "بلومبرج" الأمريكي، عن كيفية وقوع الاقتصاد الأسرع نمواً في العالم في حالة من الركود التضخمي؟
والركود التضخمي أو stagflation هو حالة يشهد خلالها الاقتصاد تباطؤ النمو الاقتصادي مع ارتفاع معدلات البطالة مصحوباً بزيادة في أسعار المستهلكين، وهي الحالة التي أثارت جدلاً واسعاً بين المدارس الاقتصادية قبل مئات السنين.
الآن، يلوح الركود التضخمي في الأفق مع اتجاه اقتصاد الهند إلى أبطأ وتيرة نمو في أكثر من عقد، كما أن التضخم يتسارع أعلى مستهدف البنك المركزي في البلاد مدفوعاً بارتفاع أسعار الغذاء.
وتُعد الاضطرابات الاجتماعية ضد القيود الجديدة لقانون المواطنة بمثابة تحدي آخر في البلاد.
وهناك عدد قليل من الخيارات الجيدة للتعامل مع تباطؤ النمو الاقتصادي.
وفي حين أن الإيرادات الحكومية الآخذة في التراجع والموازنة التي تشهد اتساعاً بالفعل تحد من المساحة أمام الدعم المالي، إلا أن القفزة الصادمة والبالغة 7.35 بالمائة في تضخم أسعار التجزئة خلال شهر ديسمبر/كانون الأول إضافة إلى خطر ارتفاع أسعار النفط يعني أنه ليس هناك مساحة لتنفيذ مزيد من خفض معدلات الفائدة.
وبعد إعلان بيانات مؤشر أسعار المستهلكين في الهند، فإن أسعار السندات السيادية تراجعت كما أن العائد على الديون الحكومية لآجل 10 سنوات ارتفع بنحو 10 نقاط أساس ليصل إلى 6.7 بالمائة في تعاملات الثلاثاء الماضي، وهو أكبر مستوى منذ 5 ديسمبر/كانون الأول. (توجد علاقة عكسية بين أسعار السندات والعائد على تلك الديون الحكومية)
وكما تظهر البيانات الصادرة مؤخراً، فإن تضخم أسعار الجملة تسارع لأعلى مستوى في سبعة أشهر مسجلاً 2.59 بالمائة في الشهر الماضي.
إذن؛ ما الخطأ الذي حدث؟، في قلب مشاكل الهند يوجد ركود في الاستهلاك على خلفية مجموعة من قرارات السياسة الخاطئة بدايةً من القرار غير المسبوق بشأن سحب فئات الأوراق النقدية ذات القيمة المرتفعة من التداولات بنهاية عام 2016 وحتى التنفيذ الفوضوي لضريبة موحدة على السلع والخدمات في العام التالي.
وأعقب ذلك بفترة وجيزة ضائقة ائتمانية، والتي تسببت في أزمة بين مقرضي قطاع الظل المصرفي والذي كان يُعد ممولاً رئيسياً للقروض الصغيرة إلى مئات الملايين من المستهلكين والشركات.
تقلبات النفط
يشكل الاستهلاك ما يصل إلى 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في الهند، كما أن الإنفاق قد تراجع مع تقليص الشركات للوظائف وتأجيل خطط الاستثمار.
ولا تزال معنويات المستهلكين في حالة ضعف، كما أن التقلبات الأخيرة في أسعار النفط يمكن أن تمثل عائقاً آخر أمام الإنفاق.
ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي للهند في العام المالي الذي ينتهي في 31 مارس/آذار المقبل إلى 5 بالمائة، والتي من شأنها أن تكون أضعف وتيرة نمو في أكثر من عقد من الزمن.
وتقول الاقتصادية في شركة "نيرمال بانج" للأسهم الخاصة في مومباي "تيريزا جون" إنه من المرجح أن يكون التعافي تدريجياً للغاية كما أن سيناريو الركود التضخمي أمر محتملاً.
ويشير الركود التضخمي إلى حالة من تسارع التضخم مع ضعف وتيرة النمو الاقتصادي.
ولم تنجح كثيراً خطوات البنك المركزي المتمثلة في خفض معدل الفائدة 5 مرات في العام الماضي وضخ سيولة بمليارات الدولارات في الأسواق المالية، لتحفيز الإقراض.
ويرجع ذلك إلى البنوك المركزية بالفعل مثقلة بواحدة من أسوأ نسب الأصول مقارنة بالإلتزامات والقروض الممنوحة في العالم، كما أنها لا تقدم الكثير من القروض ولا تقلص معدلات الفائدة على المقترضين.
ونسبة الأصول المجهدة أو stressed-asset ratios عبارة عن مجموع الأصول المتعثرة بالإضافة إلى القروض المعاد هيكلتها مقسوماً على إجمالي الأصول التي يحتفظ بها النظام المصرفي الهندي.
ماذا يقول الاقتصاديون في بلومبرج؟، تعافي اقتصاد الهند لا يزال يشهد تعثراً، حيث أن متتبع الناتج المحلي الإجمالي التابع للوكالة أظهر أن النمو بدأ ينعكس بقوة خلال نوفمبر/تشرين الثاني عقب تعافياً في أكتوبر/تشرين الأول، بعد التعديل وفقاً لآثار التضخم قبل عام مضى.
وتكمن رؤية خبراء الاقتصاد بالوكالة في أن الحكومة والبنك المركزي بحاجة لزيادة التحفيز الاقتصادي.
وقامت الحكومة باتخاذ خطوات لإعادة تنشيط الاقتصاد لكنها لم تجني الثمار بعد.
وخفضت وزيرة المالية في الهند "نيرمالا سيتارمان" الضرائب على الشركات بما قيمته 20 مليار دولار، كما قامت بدمج البنوك الضعيفة التابعة للدولة بأخرى أكثر قوة بالإضافة لتخفيف قواعد الاستثمار الأجنبي.
كما ستقوم الحكومة ببيع أصول الدولة في أكبر حملة خصخصة فيما يزيد عن عقد من الزمن.
ويقول الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عن العام الماضي "أبهيجيت بانيرجي" في تعليقات ذكرها خلال هذا الشهر في مومباي: "نحن قريبون للغاية من نقطة يمكن أن ننزلق خلالها في حالة من الركود الاقتصادي الكبير".
ويضيف: "المشكلة الهامة في الاقتصاد الهندي هي الطلب، وأنت بالتأكيد بحاجة لتحفيز الطلب"، كما حث السلطات على التخلي عن أهداف التضخم وعجز الموازنة.
وتشير التوقعات إلى أن العجز المالي سوف يتسع إلى 3.8 بالمائة نسبة للناتج المحلي الإحمالي في العام المالي الحالي مقابل المستهدف الذي يبلغ 3.3 بالمائة.
وهناك بعض الإشارات المبكرة على أن الاقتصاد ربما قد وصل إلى أدنى مستوياته وبالتالي فإنه قد يتجه للصعود خلال الفترة المقبلة.
وتظهر أحدث مؤشرات مثل مديري المشتريات الصناعي والخدمي أن الأنشطة تتعافي.
كما أن الإنتاج الصناعي والنفقات الرأسمالية شهدت تحسنت في في أواخر العام الماضي.
ويتوقع خبراء الاقتصاد تعافياً في النمو الاقتصادي للهند إلى 6.2 بالمائة في العام المالي الذي ينتهي في مارس/آذار 2021، رغم أن ذلك سوف يعتمد على مدى سرعة تعافي الطلب العالمي والإنفاق المحلي.
وقال الأستاذ في جامعة نيويورك وأحد الاقتصاديين المتشائمين "نورييل روبيني" المندوبين خلال مؤتمر في مومباي في الأسبوع الماضي، إنه لا يرى أيّ دليل حتى الآن على أن النمو الاقتصادي سوف يشهد تعافياً في العام المالي الحالي.
ويشير إلى أن اهتمام صناع السياسة ينبغي أن يتركز على الاقتصاد بدلاً من الأمور السياسية.