أخبار عاجلة

لماذا أصبحت التوقعات الاقتصادية أكثر صعوبة على الجميع؟

مباشر - سالي إسماعيل: شهد الاقتصاد الأمريكي أدنى وتيرة تعافي من ركود في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وكلما طال أمد هذا التعافي الضعيف كلما كان هناك المزيد من الأدلة بأن النماذج الدورية الطبيعية مفقودة، وفقاً لتحليل نشرته وكالة "بلومبرج أوبينيون" للكاتب "أندي موخيرجي".

ويعني غياب تلك النماذج أن المشاركين في السوق لا ينبغي أن يعتمدوا عليها من أجل التهكن بمستقبل الاقتصاد.

وبالنظر في عدد هائل من التطورات نجدها غير مألوفة أو حتى تخالف السلوك الطبيعي في السوق الاقتصادي والمالي.

وتحول بنك الاحتياطي الفيدرالي من تيسير ظروف الائتمان إلى تشديدها في أعقاب فترات الهبوط الاقتصادي، مع ارتفاع مستهدفه بشأن معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية في غضون عام أو نحو ذلك من أدنى مستوى في فترة الركود الاقتصادي مما عجل في نهاية المطاف بحدوث الانكماش الاقتصادي القادم.

ولكن في هذه المرة، أبقى البنك المركزي معدل الفائدة عند أدنى مستوى في فترة ركود اقتصادي والبالغة "صفر" حتى ديسمبر/كانون الأول عام 2015، أي بعد حوالي 78 شهراً من دخول منطقة التعافي.

وبعد أن نفذ المركزي الأمريكي 9 زيادات في معدل الفائدة بنحو 25 نقطة أساس قام بعكس مساره في عام 2019 عبر خفض الفائدة ثلاث مرات.

وبعيداً عن المخاوف الطبيعية للفيدرالي بشأن الاقتصاد القوي وتسارع التضخم، فإن البنك المركزي يتخوف من أن المستهلكين المنخفضة أو حتى الآخذة في الانخفاض قد تؤدي لإثارة التوقعات الانكماشية للأسعار.

وسيحجم المستهلكون عن الشراء على أمل انخفاض الأسعار، وستتراكم المخزونات والطاقة الإضافية مما يجبر الأسعار على الهبوط.

وستؤكد تخفيضات الأسعار تلك الشكوك ما يؤدي لتأخر عمليات الشراء أكثر، الأمر الذي يثير دوامة انكماشية.

ومن الأمثلة الصارخة في هذا الشأن هي اليابان، حيث شهدت انكماشاً للأسعار في السنوات الأخيرة في غضون آخر عقدين مع وتيرة نمو سنوية ضئيلة في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والبالغة 1.1 بالمائة.

وكذلك، رغم التراجع في معدلات الرهن العقاري الثابتة لمدة 30 عاماً من 6.8 بالمائة في يوليو/تموز عام 2006 إلى الوتيرة الحالية البالغة 3.7 بالمائة، فإن عمليات البدء في بناء منازل الأسر، وهو المؤشر الحساس للفائدة، قد ظلت خافتة.

وتراجعت عمليات البدء في المنازل من وتيرة سنوية تبلغ 1.8 مليون وحدة في يناير/كانون الثاني 2006 إلى 350 ألف وحدة في مارس/آذار 2009، بسبب انهيار سوق الرهن العقاري الأساسي لكنه تعافي فقط إلى 940 ألف وحدة حالياً.

وتعرضت معايير إقراض الرهن العقاري للتشديد، ولم يكن لدى مشتري المنازل في المرحلة الأولى من قرض الرهن العقاري شرط الدفعات المقدمة.

وتراجع صافي ثروة الأسر في الفئة العمرية بين 18 إلى 34 عاماً من 120 ألف دولار في عام 2001 إلى 90 ألف دولار في 2016، وهو ما يمثل حوالي 44 بالمائة انخفاض مع استبعاد أثر للتضخم.

كما تعلمت الأسر في الولايات المتحدة من الركود الاقتصادي الأخير أنه لأول مرة منذ ثلاثينيات القرن الماضي يمكن أن تنخفض أسعار المنازل في جميع أنحاء البلاد.

وفي فترات التعافي الاقتصادي الماضية، تراجع معدل إدخار الأسر الأمريكية مع نمو إنفاق المستهلكين بوتيرة أسرع من الدخول.

لكن في فترة التوسع الحالية حدث العكس، حيث قفز الإدخار من 4.9 بالمائة إلى 7.9 بالمائة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ليتراجع الإنفاق الاستهلاكي.

وتسببت فترات الركود الاقتصادي السابقة في فترة ما بعد الحرب في ظهور مشاكل مالية، لكن ليس هناك شيئاً يشبه أزمة عام 2008.

وكان رد فعل قوياً بنفس القدر حينما تم إصدار قانون "دود-فرانك" عام 2010 وغيره من اللوائح الصارمة للمؤسسات المالية والتي بدأ فقط الآن تخفيفها تدريجياً.

وفي طفرات دورات الأعمال السابقة، كان من شأن هبوط معدل البطالة من 10 بالمائة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2009 إلى المعدل الحالي البالغ 3.5 بالمائة، أن يخلف تضخماً كبيراً في الأجور.

ولكن في الوقت الحالي، فإن معدل الأجور الحقيقية، بعد استبعاد أثر التضخم، لايزال مسطحاً.

وتسببت العولمة في نقل العديد من وظائف القطاع الصناعي ذات الأجور المرتفعة إلى الصين.

ومع تنامي الاقتصاد القائم على الطلب - مثل أوبر تكنولوجيز - فإن العديد من الأشخاص فضلوا مقايضة التمتع بالمرونة في ساعات العمل مقابل القبول بأجر منخفض.

وفي الغالب، فإن الوظائف التي يتم توفيرها تكون في الغالب في القطاعات ذات الأجور المنخفضة مثل تجارة التجزئة والاستجمام والضيافة.

وكانت السياسة الخارجية تقوم على طرفين لسنوات، كما اعتبرت مسألة توسيع التجارة بمثابة أمراً مرغوب فيه للغاية.

التطورات الأخيرة غيرت الكثير

لكن تعرض مؤيدي العولمة في الوقت الحالي إلى هزيمة في ظل الداعمين للحمائية، مدفوعين بأصوات الناخبين الغاضبين من ركود القوة الشرائية وعدم المساواة الآخذ في الزيادة فيما يخص الدخل والأصول في دول مجموعة السبع "G-7".

وكانت انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد عام 2016 إلى جانب البريكست لخروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي من بين النتائج.

وأعقب ذلك أيضاً إلغاء صفقات التجارة العالمية، والتي يتم استبدالها باتفاقيات ثنائية أو بدون اتفاقيات على الإطلاق.

ومن المؤكد أن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين سوف يستمر بسبب أن بكين، مع القوى العاملة الآخذة في الهبوط نتيجة لسياسية الطفل الواحد السابقة، تحتاج إلى تقنيات غربية كي تنمو وتحقق طموحاتها القيادية في كافة أنحاء العالم.

لكن الولايات المتحدة تعارض عمليات نقل التكنولوجيا التي تريدها الصين.

وساهم تراجع الدولار في الفترة من عام 1985 حتى عام 2007 في تشجيع الصادرات الأمريكية والحد من الواردات وتعزيز أرباح الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات.

ومنذ ذلك الحين، ارتفع مؤشر الدولار بنحو 33 بالمائة وسط الطلب العالمي على أصول الملاذ.

ومن المتوقع أن تستمر الورقة الخضراء في هذا الاتجاه الصاعد، نظراً لنمو الاقتصاد الأمريكي الأسرع نسبياً، وأسواقها المالية الضخمة والحرة والمفتوحة إضافة إلى الافتقار لبدائل فعالة للدولار.

وساد تراجع معدل التضخم منذ عام 1980 لكن معدل الفائدة الحقيقي (الفائدة الاسمية – معدل التضخم) كان في النطاق الإيجابي حتى العقد الماضي.

لكن لمدة 10 سنوات حتى الآن، ظلت العوائد الحقيقية لسندات الخزانة لآجل 10 سنوات ثابتة عند مستوى الصفر.

ودفع ذلك بالإضافة إلى منحنى العائد الثابت صناديق المعاشات التقاعدية الحكومية والمستثمرين الآخرين إلى الدخول في الأصول الخطرة بحثاً عن عوائد حقيقية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسهم إلى مستويات عرضة للخطر.

وفي وقت سابق، كان الفيدرالي يرأسه أستاذ حاصل على درجة الدكتوراة ممن تمسكوا بالنظريات الشائعة على الرغم من عدم نجاحها.

ولكن يثبت رئيس الفيدرالي الحالي "جيروم باول" أنه عملي بصورة أكبر بكثير، حيث يتراجع عن سياسات الاحتياطي الفيدرالي الجامدة مثل هدف التضخم البالغ 2 بالمائة ومعدل الفائدة عند الحد الأدنى الذي يمكن خفضها بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية غير الناجحة.

متى ينتهي التعافي؟

وفي هذا المناخ الاقتصادي المختلف، من الصعب تحديد وقت نهاية التعافي الحالي.

ومع ذلك، فإن المؤكد أن ينتهي هذا التعافي، إما بسبب التشديد النقدي المبالغ فيه من قبل الفيدرالي أو بسبب أزمة مالية مثل أزمة انفجار فقاعة "دوت كوم" عام 2000 أو انهيار قروض الرهن العقاري خلال عامي 2007 و2009.

وفي عالم يسوده فائض كبير للمعروض وتخمة من المدخرات وتباطؤ حاد للتضخم، فمن المحتمل أن يظهر الركود الاقتصادي بسبب صدمة قبل أن يقوم الفيدرالي بتشديد موقفه النقدي بدرجة كبيرة.

ولا توجد أزمات مالية تلوح في الأفق، لكن هناك احتمالات مثل الديون المفرطة في الصين ولدى الشركات الأمريكية، إضافة لتصعيد الحرب التجارية، وتقليص الاستهلاك الناجم عن انكماش الأسعار واسع النطاق، والأرباح المخيبة للآمال للشركات مقارنة مع أسعار أسهمها المرتفعة.

وعليك مراقبة الاختلالات المحددة وليس النماذج السابقة المعتادة.

مباشر (اقتصاد)