تحرير: أحمد شوقي
مباشر: قبل عقد من الزمن، كنا نظن أن الأزمة المصرفية قد انتهت وأن التوسع الظاهر بالفعل في الاقتصادات الناشئة سوف ينتشر إلى العالم الصناعي.
وبالفعل حدث تعافي اقتصادي، لكنه كان بطيئًا بشكل محبط.
وخفض صندوق النقد الدولي تقديراته للنمو العالمي خلال العامين الحالي المقبل، ويبدو أن كل البيانات تجلب أخبارًا قاتمة.
ويرى تحليل لـ"ميرفن كينج" محافظ بنك إنجلترا السابق عبر وكالة "بلومبرج" أنه إذا كانت المشكلة قبل الأزمة المالية تتمثل في الاقتراض أكثر مما ينبغي والإنفاق الزائد، فالمشكلة اليوم تتمثل في الاقتراض الزائد والإنفاق القليل للغاية.
والسؤال هنا، لماذا الاقتصاد العالمي عالق في فخ النمو المنخفض؟
وأعقب فترة الكساد العظيم في عام 1930 ثورة سياسية وثورة فكرية في الاقتصاد، وهذه المرة برزت الاضطرابات السياسية ولكن لا يوجد سؤالاً مماثلاً حول الأفكار التي تقوم عليها السياسة الاقتصادية، وهذا يحتاج إلى التغيير.
ويعمل صناع السياسة الاقتصادية الحديثة في عالم يخيم عليه حالة عدم اليقين، حيث أنه لا يعرفون ما يمكن أن يحدث بعد ذلك - وفي ظل هذه الظروف، يجب النظر إلى النماذج الاقتصادية بشكل جديد.
فالسؤال ليس ما إذا كانت النماذج الاقتصادية صحيحة أم خاطئة، ولكن السؤال يجب أن يكون هل هي مفيدة أم لا، واليوم فإن السمات الرئيسية للنماذج القياسية تقودنا إلى الخطأ في الحكم على كيفية إخراج الاقتصاد العالمي من مصيدة النمو المنخفض، وكيفية الاستعداد للأزمة المالية التالية.
ومنذ ست سنوات، أعاد "لاري سامرز" (وزير الخزانة الأمريكي السابق وكبير الاقتصاديين في البنك الدولي) تقديم مفهوم "الركود المزمن" أي الركود طويل الآجل إلى النقاش الاقتصادي.
وترجع الحكمة التقليدية هذا النمو البطيء المستمر- الذي يطلق عليه الركود العظيم - إلى حد كبير إلى عوامل العرض، ويبدو أن هذا مناسب لأن النمو الأساسي للإنتاجية قد انخفض.
ولكن قصة جانب العرض مناسبة أيضًا بشكل مثير للشك، لأن البديل - الركود المزمن الذي يقوده الطلب - يتماشى بشكل غير مريح مع النماذج السائد للسياسة النقدية.
ويجد هذا النموذج صعوبة في قبول فكرة أن الاستثمار المطلوب لتحفيز الإنتاج قد يعيقه عدم اليقين الشديد، ونتيجة لذلك فإنه يقبل بسهولة فكرة أن اقتصادات السوق تستقر ذاتياً.
لذلك فإن الهروب من فخ النمو المنخفض الناجم عن حالة عدم اليقين لا يشبه الخروج من "الضعف وفقاً للنظرية الكينزية" والتي تستخدم حوافز نقدية أو مالية مؤقتة تعيد الطلب إلى مسار الاتجاه.
ويتطلب الأمر بدلاً من ذلك إعادة تخصيص الموارد من عنصر طلب إلى آخر، ومن قطاع اقتصادي إلى آخر، ومن شركة إلى أخرى.
وفي بعض الحالات، كان العالم يستثمر بشكل مبالغ فيه، فالصين وألمانيا على سبيل المثال استثمرا في التصنيع من أجل التصدير، في حين في كان الاستثمار غير كاف في قطاعات أخرى - في البنية التحتية للعديد من الاقتصادات المتقدمة على سبيل المثال.
وبالإضافة إلى ذلك ستحتاج قيم الأصول في العديد من القطاعات إلى خفضها إلى مستويات أكثر واقعية، ويجب إعادة رسملة بعض الوسطاء الماليين، وتمثل هذه نقاط الضعف الهيكلية وسيكون هناك خطر حدوث أزمة مالية أخرى ما لم يتم الانتباه إليها.
والعلاج لا يتمثل في السياسة النقدية، ولكنه يبرز في إتخاذ تدابير لدعم إعادة تخصيص الموارد اللازمة حيث يجب أن تكون أسعار الصرف، والإصلاحات في جانب العرض، والسياسات لتصحيح معدلات الادخار الوطنية غير المستدامة جزءًا من هذا الإطار.
وبالنظر إلى أوروبا، قد يساعد المزيد من التيسير النقدي وضعف اليورو في تعافي دول جنوب القارة، لكنه سيزيد من تشويه هيكل الاقتصادات في دول الشمال، وإلى أن تتمكن فرنسا وألمانيا من حل خلافاتهما حول الإصلاحات الهيكلية للاتحاد النقدي، فإن التحفيز النقدي على نطاق أوسع لا يخفي المشاكل بشكل مؤقت فحسب ولكن يعمقها أيضاً.
وهناك حاجة أيضًا إلى تفكير جديد عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأزمة المالية، حيث أن الأزمة الأخير أدت إلى الركود العظيم وكان من الواضح أنه كان مكلفاً من حيث الإنتاج المفقود، لكنه كان مكلفًا أيضًا من الناحية المالية.
ووجدت دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي أن تكلفة التدخلات، بما في ذلك الضمانات لدعم المؤسسات المالية بين عامي 2007 و2017 في 37 دولة بلغت 3.5 تريليون دولار، كما أصبح الضخ غير المسبوق للسيولة مبدأً توجيهيًا لإدارة الأزمات.
وإذا كان من المحتمل أن تضطر الحكومة لضمان جميع الديون التي يصدرها القطاع المالي في أزمة ما، فإن القضية ليست ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي أو البنوك المركزية الأخرى ستكون قادرة على تقديم هذه الضمانات؛ ولكنها تتمثل في ابتكار تسوية سياسية يتم بموجبها قبول حدود تغير تاريخ الاستحقاق للقطاع الخاص في المقابل، نحن نتحدث فعلياً عن ضريبة على تغير الاستحقاق (قيام المؤسسات المالية باقتراض الأموال لآجال قصيرة مقارنة بإقراضها على آجل طويل)
ومن الضرورة إنشاء إطار مسبق لتوفير سيولة البنك المركزي، هذا لأنه من المستحيل معرفة متى يمكن أن تتحول حريق صغير ربما يكون قادر على تدمير مؤسسة أو أكثر إلى حريق يهدد النظام بأكمله.
وبمجرد وقوع الأزمة، قد يكون فات الأوان خلق شرعية سياسية للاستجابة اللازمة في حالات الطوارئ.
لقد كبح الكونجرس قدرة وزارة الخزانة والاحتياطي الفيدرالي على مواجهة الأزمة المقبلة، ولا ينبغي أن يكون هذا مفاجئًا، لأن الإجراءات التي اتخذت خلال الأزمة لم تكن جزءًا من نظام وافق عليه الكونجرس مسبقًا.
وكما قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق ومسؤولون آخرون، فإن هذه القيود غير مرغوب فيها - لكن سيتم إزالتها فقط في سياق إطار عمل مسبق واضح يجعل البنوك ومؤسسات تحويل الاستحقاق الأخرى جزءًا من نظام تأمين يتم قبوله بشكل جيد.
وسوف يتحسن الاقتصاد السياسي لبنوك الإنقاذ إذا كان من الواضح أن البنوك قد اشتركت في الأوقات الجيدة في نظام تأمين يحق لها الاقتراض في الأوقات العصيبة.
بالإضافة إلى ذلك، عدم اليقين الشامل يعني أن سيولة أصول معينة في بعض الأزمات المستقبلية ستكون غير معروفة، وهذا ما يدعو أيضًا إلى وجود نظام تأمين - يضمن أن يتم تغطية جميع الالتزامات القابلة للتشغيل - بدلاً من التنظيم لضمان أن السيولة كافية.
وتجمع الاستجابة للأزمة المالية التنظيم المفصل للغاية مع الحث على مزيد من الحريات لمؤسسات الإنقاذ، وهذا غير مستحب.
ويفرض التنظيم المعقد تكاليف غير ضرورية للامتثال ويعطي إحساسًا خاطئًا بالأمان، وغياب إطار مسبق تم الاتفاق عليه يتطلب موارد غير محدودة تقريبًا بدون السلطة السياسية المناسبة.
ويحتاج الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى إلى مساعدة المشرعين لمعرفة مدى ضعف النظم المالية في حالة حدوث أزمة في المستقبل.
وفي المرة القادمة، سيواجه الكونجرس اختياراً بين حدوث "يوم قيامة على المستوى المالي" أو تعليق القواعد التي أدخلها بعد الأزمة الأخيرة للحد من قدرة الاحتياطي الفيدرالي على الإقراض.
وتجنب هذا الخيار يتطلب تفكيرًا جديدًا جذريًا حول مقرض الملاذ الأخير - ويفضل قبل أن تصبح الحاجة إلى "الملاذ الأخير" حقيقة واقعية.