تحرير: نهى النحاس
مباشر: بعض المستثمرين يشعرون بالقلق من أن تراكم الديون العالمية الضخمة منذ الأزمة المالية قبل عقد من الزمن لا يمكن أن يكون مستداماً.
ويشير تحليل نشرته "بلومبرج أوبنيون" إلى أنه في الوقع فإنه يمكن للديون الضخمة أن تكون مستدامة لفترة أطول، ولكن فقط وفقاً لمخاطر حدوث مزيد من التصحيح الأكثر حدة في المستقبل.
ويأتي هذا مع حقيقة أن هذه الدورة الائتمانية ربما لا تكون نموذجية، حيث أن السياسة هي التي تقود التوسع الحالي.
وشجعت الحكومات والبنوك المركزية نشاط الاستهلاك والاستثمار الذي يقوده الديون، من أجل تحفيز النمو الاقتصادي.
وسمحت السيولة الوافرة ومشتريات البنوك المركزية للديون ومعدلات الفائدة الصفرية أو السالبة لمستويات الديون المرتفعة بأن تكون مستدامة ويمكن سداد تكاليف خدمتها.
تغيرات كبيرة
وتغير تلك السياسات على نحو أساسي آليات أسواق الائتمان، وعلى سبيل المثال فإنه مع وجود معدلات الفائدة السالبة فإن المقترضين يمكنهم التخلف عن السداد إذا فشلوا في سداد مبلغ الدين الأصلي فقط، لأن مدفوعات الفائدة المطلوبة صغيرة أو غير موجودة.
وفي اليابان، فإن ضعف الربحية من معدلات الفائدة السالبة ثبطت البنوك عن المحاولة لتحصيل الديون الرديئة، وبدلاً من ذلك اعتمدت على الفوائد السالبة للسماح بالشركات المفلسة "الزمبي" للاستمرار في العمل عن طريق إمدادها بالقروض.
وتتضمن الإشارات الناجمة عن محنة الديون تدهور جودة الائتمان وضعف إمكانية خدمة الديون إلى جانب زيادة عدد القروض المتعثرة، وهي الأمور التي لا تثير قلقاً كبيرأً في الوقت الحالي.
البنوك أقل أهمية الآن
وفي الوقت نفسه، فإن التحول الأقل إثارة للاهتمام في أسواق الائتمان يجب أن بمثابة صافرات تحذير، حيث أصبحت البنوك أقل أهمية كموفر للديون منذ 2008، ويعكس ذلك زيادة متطلبات رأس المال، وتراجع الرافعة المالية داخل القطاع المصرفي.
واستبدل المستثمرون البنوك ليس فقط بموفري الديون التقليديين مثل شركات التأمين وصناديق المعاشات، ولكن بمشاركين جدد مثل صناديق الاستثمار والصناديق المتداولة أو صناديق التحوط والمستثمرين الأجانب.
وعلى سبيل المثال، تضاعفت حيازات الصناديق المتداولة في البورصة لسندات الشركات منذ 2009 إلى نحو 20 بالمائة من إجمالي السندات المطروحة.
وتراجعت حصة البنوك الأمريكية في ديون الرافعة المالية إلى نحو 8 بالمائة، في حين زادت التزامات القروض المضمونة والتي تدار بمدراء صناديق متخصصين بنحو 60 بالمائة من إجمالي الإصدارات.
ويمتلك المستثمرون الأجانب حالياً نحو 30 بالمائة من سوق سندات الشركات الأمريكية.
وتهدد مساهمات المستثمرين المرتفعة في أسواق السندات بجعل أي دورة هبوطية أكثر تفاقماً، لأن المستثمرين ليس لديهم رأس المال الكافي لتخفيف حدة الخسائر.
وعلى عكس الحالات التي يكون فيها البنك هو المقرض، فإن الخسائر ستنتقل على الفور إلى المستثمرين النهائيين، وسيسرع ذلك من تأثير أي تدهور في شروط الائتمان.
وعلاوة على ذلك فإن العديد من صناديق الاستثمار تمارس عملها مع وجود حالة من عدم التطابق بين الأصول والخصوم، والمستثمرون يمكنهم استرداد قيمة السند في فترة قصيرة ولكن عادة ما تتضمن أصول الصندوق محفظة أوراق مالية طويلة الآجل.
وتتفاقم المشكلة لأن البحث عن العائد شجع الصناديق على الاستثمار في بيئة مخاطر أعلى وأصول أقل سيولة، والتي من المحتمل ألا يكونوا قادرين على تحقيق أرباح سريعة منها بالشكل الكافي من أجل الوفاء بعملية الاسترداد.
وهناك مشكلة أخرى تنشأ عندما يتم تمويل الاستثمارات بقروض الرافعة المالية، حيث أنه إذا انخفضت قيم الأصول، فقد تضطر الصناديق إلى بيع أصول طويلة الأجل، وغالبًا ما تكون غير سائلة لتغطية تكلفة الشراء بالهامش.
وهذه الصناديق لديها عمومًا احتياطيات سيولة محدودة للسحب منها بدلاً من ذلك، وعلى عكس البنوك فإن هذه الصناديق لا يمكنهم الوصول إلى تسهيلات مقرض الملاذ الأخير.
ويتبع المستثمرون استراتيجيات معتمدة على قواعد، وغالبًا ما يتسبب تخفيض التصنيف إلى ما يتجاوز الحدود المنصوص عليها أو انخفاض كبير في الأسعار، في ضرورة تصفية الصندوق أو يؤثر على التشغيل.
ومعظم ديون الشركات في الوقت الحالي تتنوع بين تصنيفات ائتمانية عند (BBB) أو أعلى، أو عند درجة غير استثمارية عند مستوى (BB) أو أقل.
وزادت حصة الديون المصدرة ذات الدرجة الاستثمارية (-BBB) حوالي 4 أمثال حجمها منذ 2009، وأي تخفيض سينتج عنه عمليات بيع قسري حيث أن المستثمرين المقتصرين على سندات من الدرجة الاستثمارية سيكونوا بحاجة إلى الخروج.
بينما البنوك التي بحوزتها قروض حتى فترة الاستحقاق، أقل تأثراً بمثل تلك التغييرات.
والمشاركة المرتفعة من جانب المستثمرين الأجانب تفرض مشاكل مختلفة، ومن المحتمل أن يحتاجوا لتعديل استثمارتهم فجأة استجابة إلى تقلبات العملة وتكاليف تحوط العملات الأجنبية الأعلى، بالإضافة إلى تخفيض التصنيف الائتماني.
خطورة الأزمة القادمة
وفي النهاية فإن المستثمرين غير مؤهلين للتعامل مع الأزمات المالية، فالبنوك يمكنها العمل مع المقترضين أو إعادة هيكلة الإلتزامات أو تحويل القروض إلى حقوق ملكية لتقليل الخسائر.
وعلى النقيض فإن الكثير من المستثمرين سيكونوا مجبرين في بعض الأحيان على بيع حيازتهم عند أسعار أقل من قيمتها الحقيقية.
واتخذ المنظمون والأسواق خطوات لتعزيز النظام المصرفي منذ الأزمة العالمية، ولكن المشكلة أنه عند أي هبوط ائتماني في المستقبل فإن أدوات كبح الأزمة التي يمكن أن تطبقها البنوك سيكون لديها تأثير أقل مما كان موجوداُ من قبل، وسيتسبب ذلك في زيادة التقلب وتفاقم أي أزمة مالية مقبلة.
ومن أجل معالجة تراجع طلب المستثمرين والبيع القسري المحتمل، يتعين على صانعي السياسة زيادة تدخلهم في الأسواق من خلال فرض حد أدنى من احتياطيات رأس المال والسيولة، لتكون مثل تلك المطبقة على البنوك.
إذا لم يفعلوا ذلك فسيخاطرون باستخدام الأموال العامة لإنقاذ المستثمرين لمنع حدوث أزمة مالية كبيرة.
وتوضح المعضلة جانبًا أساسيًا من جوانب الأسواق: لا تختفي المخاطر أبدًا، بل تنتقل فقط إلى الزاوية الأقل تنظيمًا التي يمكن أن تجدها.