تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: عندما ترشح لإعادة انتخابه، شدد رئيس الوزراء الهندي "ناريندا مودي" ووزراءه على أنه في ظل إدارته باتت نيودلهي الاقتصاد الأسرع نمواً بين الكبار حول العالم.
لكن هذا لم يكن إنجازاً كبيراً، حيث كانت الصين في خضم تباطؤ اقتصادي كبير حتى قبل الحرب التجارية، بحسب رؤية تحليلة نشرتها وكالة "بلومبرج أوبينيون".
ولكن حتى هذا لم يعد يبدو صحيحاً، فبحسب البيانات الصادرة مؤخراً عن الإحصاءات الحكومية، شهد الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 5.8 بالمئة في الربع المالي الأخير من السنة المالية (2018-2019)، وهو أقل من وتيرة نمو اقتصاد الصين خلال نفس الفترة والبالغة 6.4 بالمئة. (العام المالي للهند يبدأ في شهر أبريل/نيسان)
ويعتبر هذا الربع الثالث على التوالي الذي يشهد تباطؤاً في النمو، من 8 بالمئة في الفترة بين أبريل/نيسان حتى يونيو/حريزان 2018 إلى 7 بالمئة في الفترة بين يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول ثم إلى 6.6 بالمئة في الربع الثالث من أكتوبر/تشرين الأول وحتى ديسمبر/كانون الأول.
ومن الصعب رؤية هذه الأرقام على أنها أيّ شيء آخر غير التباطؤ الاقتصادي، وهو الأمر المتوقع حالياً لبعض الوقت.
وبالفعل يتم طرح العديد من التساؤلات باستمرار بشأن أرقام النمو الاقتصادي في الهند، لكن حتى في حال عدم مصداقية الأرقام فإن مسار التباطؤ يبدو واضحاً.
ويبدو أن وزارة المالية في الهند متأكدة من أسباب التباطؤ الاقتصادي: الاستهلاك الخاص والاستثمار والصادرات تنمو بأقل من المتوقع.
وكان آخر اثنين - الاستثمار والصادرات - تعاني من مشاكل لسنوات.
وتبدو الأرقام الاقتصادية للهند أفضل مما كانت عليه لأن الاستهلاك بدا وكأنه يتصاعد.
وفي الوقت الحالي، بدأت مؤشرات متعددة تظهر قليلاً من الأزمة في الإنفاق الاستهلاكي كذلك.
وعلى سبيل المثال، تراجعت مبيعات سيارات الركاب بنحو 17.1 بالمئة خلال أبريل/ نيسان الماضي وهي أسوأ وتيرة هبوط شهري منذ أكتوبر/تشرين الأول 2001. (انخفضت المبيعات بنحو 26 بالمئة خلال مايو/آيار 2019)
وترسل شركات السلع الاستهلاكية الكبيرة تحذيرات للمستثمرين بشأن تباطؤ الطلب.
وهذه المسألة كان من السهل التنبؤ بها: لا يمكن لأي اقتصاد أن يستمر في النمو بالاعتماد على طلب المستهلكين فقط.
وفي الوقت نفسه، لدى الهند وزيرة مالية جديدة "نيرمالا سيتارمان" والتي انتقلت من وزارة الدفاع.
وسيتارمان لديها أداءً أقل داخل الحكومة، فبصفتها وزيرة للتجارة سابقاً كانت مسؤولة عن سنوات من الصادرات الهندية الهشة، كما بدأت فترة ولايتها بمراجعة الاتفاقيات التجارية الهندية فضلاً عن إلغاء جميع معاهدات الاستثمار الثنائية للهند.
ومن شأن ذلك أن يكون خطأ فادحاً، حيث عانت كل من الصادرات والاستثمار بسبب هاجس حماية السوق المحلية للهند والاعتقاد بأن الشركات والمستثمرين سيتدفقون للهند بغض النظر عن سلوك الحكومة.
والحقيقة هي أن الهند عاشت 5 سنوات من الفرص الضائعة، واليوم من النادر أن ترى الشركات التي ترغب في مغادرة الصين الهند كاختيارها الأول.
وفي الواقع، فإن العديد من المنتجين الهنود أنفسهم الذين يريدون البقاء على تواصل بالسوق العالمية يبحثون بهدوء في تحويل الإنتاج إلى الخارج.
وهذا على الرغم من التحسينات الفعلية لأمور مثل البنية التحتية والتواصل الداخلي على مدى السنوات القليلة الماضية.
ومن الواضح أن النهج المتبع خلال فترة ولاية مودي الأولى - التركيز على البنية التحتية وزيادة الإيرادات الحكومية وتعزيز الإنفاق في القطاع العام وحماية الصناعة الهندية ومحاولة الحصول على ائتمان لأولئك المستبعدين سابقاً من النظام المالي - غير كافي لدفع النمو الاقتصادي للهند.
أما حالياً وبعد انتهاء الانتخابات، اعترفت الحكومة أخيراً بأن نهجهها أدى إلى أكبر أزمة بطالة في الهند منذ سبعينيات القرن الماضي.
لكنها حتى الآن لم تعترف بأن ثقتها المبالغ فيها بالنهوض الحتمي للهند جزء من المشكلة.
وبالفعل أن الهند دولة كبيرة لكن الإنتاج لسوقها الداخلي لن يكون كافياً لتطوير اقتصادها، ومثلها مثل أيّ دولة تسببت في إنشاء طبقة وسطى مستدامة، فإن نيودلهي تحتاج كي تقوم بالإنتاج من أجل العالم.
ويعني ذلك الحصول على الأساسيات المناسبة: لوائح تنظيمية واضحة وشفافة وموثوقة، إضافة لتسوية النزاعات على الصعيد العالمي فضلاً عن أسواق مرنة فيما يتعلق بالأرض والعمل.
كما ستحتاج الهند للاستثمار في قوتها العاملة، حيث أن العمال الذين يرغب أصحاب العمل في تعيينهم مكلفون للغاية عند المقارنة بأقرانهم من الاقتصاديات مثل بنجلاديش كما أن البقية ليسوا ماهرون بالقدر الكافي.
كما أن التعليم الأساسي والصحة في حاجة للتحسين إذا أرادات القوى العاملة الهندية المنافسة.
ولا يمكن للهند أن تتجاهل الاتفاقيات التجارية واللوائح التنظيمية المحلية التي ستكون مطلوبة لجذب سلاسل التوريد العالمية.
ولسوء الحظ، هناك القليل من الدلائل على وجود سعي حثيث لمعالجة أياً من هذه القضايا، والتي كانت معروفة بأنها عوائق أمام الاقتصاد الهندي منذ تولي مودي السلطة في عام 2014.
وأعلنت الحكومة أنه تم تشكيل لجان وزارية للتعامل مع الاقتصاد والبطالة، لكن خلفاء مودي حاولوا تنفيذ شيئاً مماثلاً أيضاً دون نجاح.
وبدون تغيير طريقة التفكير ومزيد من التواضع، لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه سيكون أمام مودي حظاً أفضل.