تمويل المشروعات القومية الكبرى يثير القلق بشأن اقتصاد إندونيسيا
تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: لم تكن إندونيسيا أبداً حريصة على أن تكون جزءاً من مبادرة الصين تحت اسم الحزام والطريق، لكن هذا لم يمنعها من تبني الطريقة الصينية عندما يتعلق الأمر بتمويل الطرق والسكك الحديدية.
وتخطط حكومة الرئيس جوكو ويدودو لإنفاق أكثر من 400 مليار دولار لتمويل بناء مطارات ومحطات طاقة وبنية تحتية أخرى في غضون الخمس سنوات المقبلة، بحسب ما قاله وزير التخطيط في البلاد "بامبانج بروجونيجورو".
ويعتبر هذا المبلغ أكبر من الرقم القياسي لإندونيسيا والبالغ 350 مليار دولار والذي استهدفه جوكووي، كما هو معروف، خلال فترة ولايته الأولى، كما نقلت رؤية تحليلة نشرتها وكالة "بلومبرج أوبينيون" الأمريكية.
والسؤال يكمن في كيفية تمويل خطط طموحة كهذه، خاصةً وأن إندونيسيا تعاني من عجز مزدوج في التجارة والموازنة كما أن الحكومة كانت حريصة على إبقاء الأخير في نطاق 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو المعيار الدولي للحذر المالي.
ووجدت إندونيسيا نموذجها في الصين، حيث تتحمل الشركات المملوكة للدولة الكثير من العبء.
وكانت خطة إندونيسيا لعام 2016 لتسريع 245 مشروعاً استراتيجياً وطنياً تفترض أن 30 بالمئة من تلك المشروعات سيتم تمويلها من قبل الشركات المملوكة للدولة، وهو أكثر بمقدار الضعف مما تساهم به الدولة.
وباتت الشركات المملوكة للدولة منتشرة في إندونيسيا أكثر من أي بلد أخر باستثناء الصين، بحسب مسح حديث أجرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي أقل من عقد من الزمن، تحولت الميزانيات العمومية للشركات المملوكة للدولة في إندونيسيا من كونها تتمتع بديون محدودة للغاية لتصبح ذات تصنيف ائتماني غير استثماري (خردة).
وفي عام 2011، كان بمقدور متوسط الشركات المملوكة للدولة تسديد كافة ديونها من خلال أرباح عام واحد فقط قبل خصم الضريبة، لكن اعتباراً من نهاية عام 2017 فإن هذا الأمر أصبح بحاجة إلى أربعة أعوام ونصف العام، حسب تقديرات وكالة التصنيف العالمي "ستاندرد آند بورز".
وبالنظر إلى "بي.تي واسكيتا كاريا" وهي إحدى أكبر شركات المقاولات المدرجة بالبورصة والمملوكة للدولة، فإنها تتمتع بأكبر قدر من التعرض للعقود الحكومية، وأعباء ديونها تفاقمت منذ تولي جوكووي منصبه.
ويعكس هذا الأمر التكلفة الأولية للحصول على عقود حكومية، والتي تتطلب من الشركات المملوكة للدولة ربط مليارات الدولارات برأس المال العامل.
وفي الغالب، فإن المقاولين لا يحصلون على أموالهم حتى يتم إتمام المشروع بنسبة 100 بالمئة، والأصول لا تشهد تدفقات نقدية جيدة حتى يتم تشغيلها لمدة سنوات.
وفي بعض الأحيان، يتم التراجع عن العملية، فعلى سبيل المثال تأخر خط السكك الحديدية فائق السرعة المثير للجدل والذي يربط بين "جاكرتا وباندونغ" لأكثر من عامين بسبب قضايا الاستحواذ على الأراضي.
وتعتبر شركة "بي.تي جاسا مارجا" أكبر مشغل للطرق التي يتم تحصيل عليها رسوم في إندونيسيا بمثابة مثال جيد، حيث تحتاج الشركة إلى 35.1 تريليون روبية إندونيسية (2.4 مليار دولار) إضافية من رأس المال لمضاعفة شبكة الطرق الخاصة بها في نحو عامين، بحسب تقديرات المحلل في بلومبرج إنتليجنس "تشارلز شوم".
ويعادل هذا حوالي خمسة أعوام ونصف العام من الأرباح التشغيلية، مما يعرض "جاسا مارجا" لخطر انتهاك اتفاقيات الديون.
ومن أجل تمويل تلك المشاريع، فإن شركات البناء المملوكة للدولة قاموا ببيع الديون للمستثمرين الأجانب وحصلوا على قروض من الصين.
وعلى سبيل المثال، فإن شركة "بي.تي ويجايا كاريا" جمعت حوالي 400 مليون دولار في شهر يناير/كانون الثاني 2018 عبر بيع سندات "كومودو" وهي الأوراق المالية المقومة بالروبية والتي تم بيعها في السوق الخارجي.
كما حصلت على قروض قيمتها 80 تريليون روبية في هيئة قروض من بنك التنمية الصيني، وهو المصرف المملوك للدولة.
ومع ذلك، فإن كلا الطريقين محفوفان بالمخاطر المحتملة.
وبسبب تصنيفهم ذات الدرجة الاستثمارية (أو الخردة)، فإن شركات البناء المملوكة للدولة يمكنهم فقط إصدار أذون قصيرة الآجل، ما يعرضهم لمخاطر إعادة التمويل عند تنفيذ مشاريع على المدى الطويل.
وفي الوقت نفسه، فإن القروض الرخيصة من بكين أصبحت ذات حساسية من الناحية السياسية، حيث تزايد الشعور المعادي للصين خلال محاولة جوكووي الحصول على فترة رئاسية ثانية.
ونتيجة لذلك، فإن غالبية التمويل جاء من البنوك الخاصعة لهيمنة الحكومة الإندونيسية، تماماً مثل الوضع في الصين.
وتضخمت القروض المصرفية للشركات غير المالية والمملوكة للدولة إلى 8 بالمئة من إجمالي القروض بعد أن كانت 3 بالمئة فقط قبل عقد من الزمن، بحسب ما توضحه بيانات بنك إندونيسيا.
ومن غير شك، فإن هذا قد تم عبر شروط مواتية، حيث أن العائد البالغ 6.7 بالمئة على القروض الصغيرة للقطاع الخاص يعتبر أعلى بكثير من المقدم للشركات المملوكة للدولة.
وفي شهر مارس/آذار، فإن شركة "جاسا مارجا" انتتهكت الاتفاقيات تتعلق بتسهيلات القروض المرتبة من قبل "بنك منديري".
وكان هذا الأمر ذو تداعيات محدودة مع حصول الشركة على بيان تنازل من الدائنين خلال شهر ديسمبر/كانون الأول.
وتعلم البنوك المملوكة للدولة أن القطاع الخاص النشط في إندونيسيا يوفر فرص إقراض أكثر ربحية.
ويهدف "بي.تي بنك باكيات إندونيسيا"، وهو أكبر مقرض مملوك للدولة، إلى زيادة نسبة القروض الصغيرة إلى 40 بالمئة بحلول عام 2022 بدلاً من 35 بالمئة حالياً.
لكن من غير الواضح الكيفية التي سينفذ بها البنك هذه الزيادة.
وعند 91 بالمئة، فإن معدل القروض إلى الوادئع تقترب من الحد القانوني، وبالتالي يجب أن يقوم المقرض الإندونيسي إما بتقليص حجم القروض الممنوحة للشركات المملوكة للدولة أو أن يتخلى عن خطة التوسع الخاصة به.
ويُعد جوكووي محقاً في الاعتماد على البنية التحتية للوصول إلى مستهدف نمو الناتج المحلي الإجمالي في البلاد البالغ 7 بالمئة والذي حدده عندما تولى المنصب في عام 2014.
وإندونيسيا في حاجة لوسائل نقل أفضل وإمدادات للطاقة كما أن مشاريع كهذه تحقق فوائد اقتصادية على المدى الطويل.
ولكن في الوقت نفسه يجب أن يكون جوكووي قلقاً حول كيفية قيام إندونيسيا بتمويل مثل هذه المشاريع.
وربما لا تكون الصين هي الدولة الوحيدة في آسيا التي تحتاج إلى القلق بشأن "لحظة مينسكي" المحتملة.