سجّل الكاتب الصحفي الراحل، مصطفى أمين، ما مرّ به خلال سجنه في المعتقل السياسي عبر 9 كتب، أبرزها «سنة أولى سجن»، مجموعة من الرسائل التى كتبها من خلف القضبان، واصفًا فيها معاناته التى عاشها داخل محبسه، مسجلاً تجربة سجنه كاملة.
يقول أمين في كتابه: «عندّما جاءوا للقبض عليا في منزلي بالإسكندرية، ورأيت الحُراس يملأون حديقة المنزل، تصورت أن الرئيس جمال عبد الناصر قد حضر لزيارتي، ثم تصورتُ بعد ذلك أنه انقلاب، وأن رجال الانقلاب الجُدد جاءوا يقبضون على، لأنني واحد من المتصلين بالرئيس جمال عبد الناصر، وقد سبق وأن قُبض علىّ في أول الثورة، ومرة أخرى بعد بضعة شهور منها، بدون علم جمال عبد الناصر، وعندما علم مرتين بأمر القبض علىّ أنا وأخي، أمر بإطلاق سراحنا، ولكن عندما رأيت أن القوة اصطحبت معها مصورًا، تأكدت أن المسرحية مدبرة».
وفي روايةٍ أخرى، قال الفريق محمد رفعت جبريل، رئيس جهاز الأمن القومى الأسبق، والذى عُرف بلقب «الثعلب» في حوار سابق، نُشر على جريدة «المصري اليوم»: «مصطفى أمين كان كاتباً عظيماً وسيبقى كذلك، وهو من العلامات البارزة في الإعلام المصرى والعربى.. وكانت له شخصية محببة للجميع.. وإن كانت له سقطة وحيدة وهى تعامله مع المخابرات الأمريكية وقبوله التجسس ضد بلده مصر».
وبصفته من سجّل لقاءات مصطفى أمين مع مندوب CIA، ومن قبض عليه واستجوبه لعدة أيام في مبنى المخابرات العامة وحتى خروجه للمحاكمة، وكان يقيم في حجرة خاصة تتبع مكتبه، ولم يمسه أحد بأذى طوال وجوده بالمخابرات، هكذا قال «جبريل».
وأكمل: «الحقيقة أن أمين قد لا نستطيع إطلاق مصطلح جاسوس عليه بمعنى الكلمة، ولكن الاتصال بعدد من ضباط المخابرات الأمريكية المقالين في مصر والاجتماع بهم سراً هو ما يقربنا كمحترفين لهذا المعنى، إضافة إلى أننا قمنا بتسجيل اجتماعاته هذه بالصوت والصورة، وهى تتضمن إعطاءه بعض المعلومات الخطيرة، وهو ما يشتهر في عرف العمل الجاد في المخابرات بـ(التجسس) حتى لو تم هذا بغطاء أنه صحفى، أو ادعائه أنه مكلف من الرئيس عبدالناصر بإتمام هذه الاتصالات».
قيل أن الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، كان على علم بتجسُس مصطفى أمين، ويؤكد «جبريل»: «هذا الكلام عار تماماً عن الصحة، فلقد أرسلنا إلى الرئيس عبدالناصر ما قمنا برصده لعملية مصطفى أمين، وأرسل لنا أنه تم التنبيه على مصطفى أمين من قبل وطلب منه قطع علاقته بهذا الضابط، ثم حددنا للرئيس الوقت والتاريخ اللذين قام فيهما أمين بذلك».
وأضاف: «ألقينا القبض عليه بعد تنبيه وتعليمات رئاسة الجمهورية بقطع علاقته بالـ CIA بسنوات، ولقد سجلنا له أكثر من مقابلة مع الضابط المسؤول عن تجنيده، وقال وقتها في إحدى المقابلات (لو ضغطوا على الدول التي تعطى القمح لمصر في ذلك الوقت ستكون مصر في مجاعة).. وسجلت أنا ومن معى هذه الجملة، وجمعنا صحفيين ليسمعوا صوته حتى لا يقال إن أمين (مُفترى عليه)».
ورغم ذلك، كان الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، مقتنعًا أنه مُدان، لذلك أفرج عنه افراجًا صحيًا حيث كان مريضًا بالسكر، وأمر السادات في اليوم نفسه، بالإفراج عن عميل إسرائيلى تم القبض على مصطفى أمين في نفس وقت إلقاء القبض على هذا الجاسوس، وعن ذلك، قال «جبريل»: «السادات أخرج مصطفى أمين إرضاءً لمطالبات محلية وعربية وأمريكية عديدة أشهرها توسط السيدة أم كلثوم لدى السيدة جيهات السادات، وأرضى ضميره في الوقت نفسه بإخراج مصطفى أمين من السجن بقرار عفو صحى وليس بقرار عفو عام، وللعلم فإن السادات لم يكن مقتنعاً ببراءة مصطفى أمين، وسمعت أنه طلب ملف القضية كاملاً وقرأه قبل إصدار قراره».
وعن مذكرات مصطفى أمين عن السجن، والتى دونّها في كتابيه «سنة أولى سجن» و«سنة تانية سجن»، شكّك «جبريل» في صحتها، قائلاً: «كيف يتم تعليق شخص بحجم ووزن مصطفى أمين بقيود حديدية أمريكية مثل السيف دون أن تقطع يديه أو تترك أثراً؟، وتحديت أن يكون الجهاز قد قام بتعذيب عميل واحد أثناء فترة صلاح نصر».
مضيفًا: «أتحدى كذلك أن أكون قد قمت بتعذيب أي إنسان في قضية توليتها، فلماذا أقوم بذلك ولدى الأدلة الكافية التي تدين أي عميل؟ فالتعذيب وسيلة العاجز الذي لا يملك دليلا على شىء ولدى الأمثلة على ذلك، فكانت هناك شبكة مكونة من 22 عميلاً في الإسكندرية، ومن بينهم أحد العملاء الذي لم يعترف إطلاقاً حتى موعد محاكمته وحكم عليه بـ15 عاماً، واكتفيت بهذا لأن لدى شهوداً بأنه كان ممولاً لهؤلاء العملاء، واعترافه تم دون تعذيب، فلا توجد قضية في المخابرات العامة استخدمنا فيها التعذيب كأسلوب للاعتراف».
المصدر : المصري لايت