في سابقة تعد الأولى من نوعها منذ أول انتخابات تشريعية أجريت في العراق عام 2005 عقب الغزو الأميركي للبلاد، حققت المرأة العراقية تقدما كبيرا في الانتخابات التشريعية التي أجريت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، والتي أعلنت مفوضية الانتخابات عن نتائجها الأولية قبل أيام.
ينص الدستور العراقي المقر عام 2005 على أن تتولى النساء ما لا يقل عن 25% (83 مقعدا) من مجموع مقاعد البرلمان العراقي (329 مقعدا)، وهو ما حدث فعليا في 4 دورات برلمانية سابقة.
تجاوز الحصة
رغم كثير من المفاجآت التي تمخضت عن النتائج الأولية للانتخابات، فإنه يبرز دور المرأة السياسي وما حققته في الانتخابات الأخيرة، إذ -عبر الصفحة الرسمية للأمانة العامة لمجلس الوزراء- هنأت دائرة تمكين المرأة المرشحات الفائزات بانتخابات مجلس النواب.
وقالت مديرة عام الدائرة يسرى كريم محسن إنه بحسب التحليل الأولي لنتائج الانتخابات، فإن المرأة العراقية تمكنت من الفوز بـ97 مقعدا بزيادة 14 مقعدا عن الكوتا (الحصة) المخصصة للنساء، في حين أظهرت النتائج الأولية فوز 57 امرأة بقوتهنّ التصويتية.
وبحساب مجموع عدد المقاعد التي حصلت عليها النساء، يرتفع تمثيلهن النيابي من 25% في الدورات الماضية إلى 30% إذا ما اعتمدت النتائج الأولية.
وعن ذلك تقول رئيسة شبكة النساء العراقيات هناء أدور إن "8 من النساء حصلن على أكثر من 20 ألف صوت لكل منهن، وأن 33 امرأة حصلت على المراتب الأولى في دوائرهن الانتخابية في 13 محافظة عراقية".
وتتابع أدور -في حديثها أن محافظة السليمانية بمحافظة كردستان العراق تضم 18 مقعدا نيابيا، وأن من بينهم 11 امرأة فازت بمقاعد برلمانية، مما يشير إلى الثقة الكبيرة التي باتت تحظى بها النساء في العراق.
وتعلق أدور "كان للنساء 32 مقعدا من حصة التيار الصدري الذي فاز بـ73 مقعدا، أما تحالف تقدم الذي حصل على 37 مقعدا، فكان للنساء فيه 18 مقعدا. والحزب الديمقراطي الذي نال 32 مقعدا كان للنساء فيه 12 مقعدا، و7 مقاعد للنساء في كتلة الفتح من بين قرابة 16مقعدا، وهكذا".
وعن مدى مقبولية عدد النساء في البرلمان في الانتخابات الأخيرة، تكشف أدور أن شبكة النساء العراقيات (منظمة غير حكومية) بعد أن دققت في النتائج الأولية التي أصدرتها المفوضية -بما يتسق مع قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2020- وجدت أن عدد النساء الفائزات في البرلمان يضاهي 115 مقعدا وليس 97، وأن الشبكة بانتظار إعلان النتائج النهائية للاستفسار عن ذلك من المفوضية العليا للانتخابات، وفق قولها.
وتعزو أدور ذلك إلى أن هناك 22 امرأة فازت بالانتخابات، إلا أنهن لم تحتسبن ضمن حصة النساء في البرلمان، وبالتالي ستطالب الشبكة المفوضية بتوضيحات للآلية التي اعتمدت عليها في حساب مقاعد النساء الفائزات بالبرلمان.
أسباب الفوز
في غضون ذلك، ترى سروة عبد الواحد الفائزة في الانتخابات الأخيرة والحاصلة على أعلى أعداد مصوتين على مستوى النساء في العراق (28.9 ألف صوت) أن المجتمع العراقي بدأ يدرك أن المرأة تمتلك قدرة كبيرة في العمل السياسي ومنافسة الرجل في ذلك.
وفي حديثها، تضيف سروة عبد الواحد أن 4 من مجموع 9 مقاعد حصلت عليها حركة الجيل الجديد التي تنتمي إليها كانت للنساء، مما يشير إلى قوة النساء داخل المجتمع، بحسب تعبيرها.
وفي هذه الحيثية، تعلق الصحفية والناشطة في مجال حقوق الإنسان سهى عودة بقولها "نتائج الانتخابات أعطت دليلا على أن الشارع العراقي ليس متعصبا ضد النساء، وأن الناخب العراقي بدأ يشعر باليأس من الفساد الذي كان في كثير من الأحيان ناتج عن مسؤولين من الرجال".
وتعزو عودة ذلك التوجه إلى أن كثيرا من النساء الفائزات حصلن على أصواتهن من الرجال، وبالتالي بدأت المرأة تنافس الرجال في استحصال أصوات الناخبين من كلا الجنسين.
وتنفي المحامية والناشطة النسائية رشا وهب الأسباب السابقة، حيث ترى أن زيادة مقاعد النساء في البرلمان ترجع إلى قانون الانتخابات رقم 9 لعام 2020 الذي اعتمد لأول مرة في الانتخابات الأخيرة، ولا سيما أن القانون الجديد قسم العراق لـ83 دائرة انتخابية مما نتج عنه زيادة فرص النساء بالفوز بالمقاعد النيابية، وهو ما استثمرته الأحزاب في ترشيح النساء (المؤثرات) في الدوائر التي يمتلكون نفوذا كبيرا فيها.
الدور المستقبلي
تثار تساؤلات عدة عن دور المرأة المستقبلي بعد فوزها بـ30% من مقاعد البرلمان العراقي، وفي ذلك، ترى وهب -في حديثها للجزيرة نت- أن دور المرأة المستقبلي يعتمد بالدرجة الأولى على قدرة كل امرأة بما تملكه من مؤهلات.
أما عن دور النساء في الدورات البرلمانية السابقة، فتعلق وهب "لم تشهد الدورات البرلمانية السابقة تأثيرا كبيرا للنساء في القوانين والتشريعات، سيما تلك المتعلقة بالنساء والأطفال، وأن أسباب ذلك ترجع للكتل البرلمانية التي تنضوي تحتها النائبات في البرلمان، واللاتي غالبا ما يكنّ محكومات بالرأي السياسي للكتلة أو الحزب".
وتتابع أنه من غير المؤمل أن تشهد الدورة البرلمانية القادمة تغييرا كبيرا، لا سيما أن النواب من الرجال ورؤساء الكتل لا يزالون يتحكمون في الوضع السياسي في البلاد، بحسب تعبيرها.
من جانبها وتعليقا على دور البرلمانيات العراقيات، تعتقد مديرة منظمة آيسن لحقوق الإنسان أنسام سلمان أن العبرة في العمل البرلماني يعتمد على النوع لا الكم، وهو ما ينطبق على النساء في البرلمان، مشيرة إلى أن دور المرأة سيعتمد بالمطلق على مدى ثقافة النائبة ومدى فاعليتها ودورها في تقديم الخدمات والتشريعات للنساء والأطفال، إضافة إلى دورها العام في مراقبة الأداء الحكومي.
وتقول أنسام سلمان "عمل المرأة في البرلمان العراقي لا يزال صعبا، وأن الدورة البرلمانية المنحلة اتسمت بدور نسائي شبه معدوم مع إخفاقها في تشريع العديد من القوانين المتعلقة بمناهضة العنف الأسري وحماية قانون (57) من التعديل، وهو القانون المتعلق بحضانة الأطفال وانتزاعهم من حضن الأم المطلقة في حال زواجها".
أما رئيسة شبكة النساء العراقيات فلديها رأي آخر، إذ تؤكد أن ما وصفته بـ"الاختراق النسائي الكبير" للبرلمان لن يكون ذا فائدة ما لم يتمم بفاعلية النساء النواب في التشريعات ومراقبة السلطات التنفيذية، وذلك من أجل إثبات جدارة المرأة العراقية سياسيا وتشريعيا.
على نقيض ذلك، تبدو الصحفية العراقية سهى عودة متشائمة حيال دور المرأة المستقبلي في البرلمان، إذ توضح أن غالبية الفائزات في الانتخابات الأخيرة يتبعن كتلا سياسية وأحزابا، وأن نشاطهن سيكون محكوما بالتوجه السياسي لهذه الكتل والأحزاب مع عدم وجود كتل سياسية ترأسها النساء.
هي تعقيدات كبيرة تكتنف دور المرأة العراقية داخل البرلمان، ورغم كل الاختلافات في الكيفية التي سيكون عليها هذا الدور مستقبلا، فإن الجميع يرى أنها حققت اختراقا كبيرا في البرلمان العراقي خلال الانتخابات الأخيرة.
أخبار متعلقة :