كتب : سماح عبدالعاطى: منذ 21 دقيقة
أوراق وملفات، مطبوعات ومخطوطات، رسومات وصور، كتيبات ومجلدات.. بعضها يرجع تاريخه إلى آلاف السنين، والبعض الآخر لم يمر عليه أكثر من عام واحد. منها ما هو معروض للباحثين يجدونه حينما يطلبونه، ومنها ما هو محرّم على الجميع، فيصنّف تحت بند «سرى للغاية». عرفت التكنولوجيا الحديثة طريقها إليه، فنُقل عدد منه إلى الأقراص الصلبة والمدمجة، فى حين ظل عدد آخر لا يُستهان به على حاله، وكأن الزمن لم يمر عليه. يرقد جزء منه داخل دار الوثائق القومية بمنطقة رملة بولاق على كورنيش النيل بالقاهرة، بينما لا يزال جزء آخر رهين محبسه فى دار المحفوظات المصرية بالقلعة. تتشابه الأوراق، وتتعدد المصادر، ويظل كنز الوثائق المهمة الذى تملكه دار الوثائق القومية شاهداً حياً على تاريخ مصر.
المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق صرح أن مصر لم تكن لتستعيد طابا لولا وجود دار الوثائق القومية
ورغم أن عدداً كبيراً من الوثائق المصرية كان موجوداً فى الأصل فى الدار التى أنشأها محمد على باشا بدايات القرن التاسع عشر، ومنحها اسم «الدفتر خانة»، فإن عدداً آخر نقل فى نهايات القرن العشرين إلى الدار التى أنشأها «مبارك» وسماها «دار الوثائق القومية».
وحسب الباحثة عزة عبدالله، فإن الوثائق المحفوظة فى الدار قد حظيت بتنظيم قديم لم تشذ عنه إلا بعد أن نُقلت إلى أقراص مدمجة وصلبة، فقد قُسّمت إلى خمسة أقسام رئيسية أولها: قسم الوثائق السيادية، التى تضم ديوان المعية السنية، وديوان الخديو والجهادية والحرية والحقانية، ومجالس الاستئناف، والفرمانات الشاهانية التى كان يرسل بها السلطان لمحمد على، وكذلك كل محاضر المجالس الابتدائية. ومجلس بلاط الملك.
أما القسم الثانى فيُطلق عليه قسم الوثائق الخاصة، وهو الذى يضم الحُجج الشرعية، ووثائق خاصة بديوان الروزنامة -المالية حالياً-، ووثائق إرساليات الحجاز الخاصة بشئون الحج، والأوامر الخديوية، ووثائق الثورة العرابية، وكذلك وثائق الحملة الفرنسية على مصر، ووثائق الأزهر، بالإضافة إلى وثائق السلاطين من المماليك والعثمانيين، ومذكرات وخطابات الزعماء من أمثال محمد فريد وسعد زغلول. يأتى بعد ذلك القسم الثالث للوثائق كما كانت تصنّف منذ سنوات فى دار الوثائق، وهو وثائق الخدمات، التى تضم الوثائق والمكاتبات الصادرة من محافظات مصر المختلفة، وديوان الداخلية. يليها القسم الرابع المعروف بقسم المحليات، الذى يضم كل ما يتعلق بالقناطر الخيرية، ومصلحة خفر السواحل، وديوان المدارس، وديوان المرور، والأشغال، ومجلس عموم الصحة، والكوبانية العزيزية، وديوان الترسانة، والدائرة البلدية. أما القسم الخامس والأخير فيطلق عليه قسم وثائق الإنتاج، وهو يحتوى على كل ما له علاقة بالصناعة والتجارة فى مصر، فيضم وثائق ديوان الأخشاب، ومجلس تجار مصر، وديوان الإيرادات، والدائرة السنية، وديوان التجارة والمبيعات.
وثائق قصر عابدين تحتوى على قصاصات الصحف التى كانت تعرض على الملك.. وعدد منها خاص بمكاتباته للدول الأجنبية
وبالإضافة إلى التصنيف القديم، فإن دار الوثائق تمتلك مجموعات أخرى من الوثائق المهمة، كما تقول الدكتورة منى على أستاذة التاريخ بكلية البنات جامعة عين شمس، على سبيل المثال قسم وثائق وزارة الخارجية، الذى ينقسم بدوره إلى قسمين: أولهما من بداية القرن الثامن عشر حتى قيام ثورة يوليو عام 1952، والثانى منذ فترة حكم محمد نجيب، حتى عام 1973، وهو آخر عام أفرج الإفراج عن الوثائق فيه، إذ إن قرار رئيس الجمهورية الذى يحمل رقم 472 لسنة 1979، حدد المدة الزمنية التى يُسمح فيها بإتاحة الوثائق للباحثين بمرور فترة تتراوح بين 30 و50 عاماً، حسب أهمية كل وثيقة، وسريتها. وعلى هذا فإن وثائق كثيرة لم ترَ النور حتى الآن رغم مرور سنوات كثيرة عليها، خصوصاً ما يتعلق منها بالأمن القومى، كما أن عدداً لا يُستهان به من الوثائق يندرج تحت بند «سرى للغاية»، والأخير يتطلّب من الباحثين الحصول على موافقة أمنية قبل الاطلاع عليه، وربما أيضاً يتطلب الحصول على موافقة من وزارة الخارجية، وهناك من الوثائق ما لا يُسمح بالاطلاع عليه إلا للباحثين العسكريين، لما له من خطورة قصوى.
ويحتوى قسم وثائق وزارة الخارجية على كل مكاتبات القنصليات المصرية فى الخارج، وبعض مكاتبات قنصليات الدول الأجنبية فى مصر، كذلك كل ما يتعلق بالجاليات المصرية فى الخارج، ونشاطها، وكل ما يمس علاقات مصر الخارجية من أيام محمد على، حتى وقتنا الراهن.
كنز آخر محفوظ بدار الوثائق، وهو جميع محاضر ومضابط جلسات مجلس الشعب منذ كان اسمه مجلس النواب فى بدايات القرن العشرين، وكذلك مجلس الشيوخ الذى تحول إلى مجلس الشورى، بالإضافة إلى أعداد مجلة «الوقائع المصرية» التى أنشأها محمد على لتكون الجريدة الرسمية لأكثر من مائتى عام. بالإضافة إلى سجلات الغرف التجارية فى القاهرة والإسكندرية، وكل ما يتعلق بحركة التجارة فى مصر لسنوات طويلة. وهناك أيضاً سجلات المواليد والوفيات منذ بداية القرن العشرين، والأخيرة لا يزال جزء كبير منها محفوظاً فى دار الوثائق بالقلعة.
وبعد قيام ثورة يوليو ضُم أرشيف سراى عابدين إلى دار الوثائق، والذى كان يضم قصاصات من ورق الصحف كانت تُعرض بشكل يومى على الملك، كما كان يضم قسماً خاصاً بجمع المعلومات فى كل المجالات ليسهل التوصل إليها لو حدث وطلبها ساكن السراى، كما احتوت على عدد كبير من المكاتبات لرؤساء وملوك الدول المختلفة، وهو ما يمكن تصنيفه تحت بند الوثائق الخارجية.
قسم آخر للوثائق كان يتعلق بالأمن الداخلى المصرى، وهو عبارة عن تقارير البوليس السياسى عن العناصر التى كان يتابعها، ومعظمها تقارير أمنية سرية، على سبيل المثال هناك تقارير لنظارة الداخلية -كما كانت تسمى فى ذلك الوقت- مرفوعة إلى السلطان حسين كامل الذى تولى حكم مصر فى عام 1917، تتحدث عن نشاط بعض الجماعات المعادية للسلطان.
القانون يتيح الاطلاع على الوثيقة بعد مرور فترة زمنية تتراوح من 30 إلى 50 سنة.. وبعض الوثائق لا يمكن الاطلاع عليها أبداً لخطورتها القصوى
على أن أشهر الوثائق المحفوظة فى الدار هى ما تتعلق برسم حدود مصر منذ آلاف السنين، وهى الوثائق التى صرّح المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق أكثر من مرة، أنه لولا وجودها فى دار الوثائق ما استطاعت مصر أن تثبت أحقيتها فى استرداد طابا عام 1988، بعد أن تخلت إسرائيل عن كل المدن والقرى فى شبه جزيرة سيناء عقب إنهاء احتلالها، ورفضت تسليم المدينة بدعوى إن حدود مصر تنتهى غرب مدينة طابا، إلا أن الوثائق التى استعان بها رجال القانون المصريون أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن حدود مصر تنتهى شرق مدينة طابا، وهو ما حدث فعلاً واستعادت مصر الأرض كما قيل وقتها «دون نقطة دماء واحدة».
أخبار متعلقة:
57 ألف وثيقة تواجه "التزوير والإخفاء والضياع"
العاملون: وثائق الدار "أمن قومي" وخوفنا عليها يزداد يوماً بعد يوم
رئيس «الكتب والوثائق» السابق: وزير الثقافة ينفذ مخططاً لتدمير الدار.. وقرارته "اعتباطية"
خالد فهمي: سيطرة الإخوان على دار الوثائق تهديد لتراثنا الإسلامى
أخبار متعلقة :