كتب : رويترز منذ 11 دقيقة
"طابور الخبز" مكان محفوف بالمخاطر في مصر، سقط فيه قتلى ويشوب الفساد معظم جوانب قطاع إنتاجه وبيعه.
تقول جماعة الإخوان المسلمين إن المشكلات التي تكتنف القطاع هي التي دفعتها لأن تسلك مسلكا جديدا في توصيل الخبز من المخابز إلى المنازل.
محمد جابر ناشط من جماعة الإخوان المسلمين، يقود مشروعا لتوصيل الخبز في منطقة القباري القديمة المتهالكة من الإسكندرية، حيث قتل شخصان من بين خمسة أشخاص قتلوا في الإسكندرية أثناء مشاجرات على الخبز في أغسطس الماضي، يقول "لا أعمل في إنتاج الخبز لكني خصصت وقتي له نظرا لأهميته".
قد يثمر المشروع نتائج أخرى أيضا، فالحكومة المصرية تفقد الدعم الشعبي، وتقول جماعات المعارضة إن الرئيس محمد مرسي وحكومته لا يملكون الكفاءة لإدارة الاقتصاد ولا ينشغلون سوى بترسيخ نفوذهم.
في الوقت نفسه، يشكو الإخوان علنا من العراقيل التي تضعها مؤسسات الدولة والبيروقراطيون، وفي مواجهة العجز عن تغيير النظام من الداخل بدأ الإخوان نشر عمال في الشوارع لمعالجة المشاكل اليومية التي يعاني منها الملايين.
والحملة الرامية لتحسين قطاع الخبز مهمة شاقة باعتراف الإسلاميين أنفسهم، يقول أحمد عيسى المسؤول في حزب الحرية والعدالة، إن نحو 500 منظمة غير حكومية بدأت توزيع الخبز خلال الشهور الماضية، ليس كنوع من العمل الخيري لكن للتحايل على المشكلات في النظام القائم.
وليس هناك معلومات مفصلة عمن يدير هذه المنظمات، لكن إن اتخذنا مدينة الإسكندرية الساحلية كمثال فالهيمنة للإخوان المسلمين، وذكر مسؤول في الحرية والعدالة بالإسكندرية إن الحكومة أصدرت تراخيص لخمسين منظمة غير حكومية لتوزيع الخبز المدعم بالمدينة، وأن نحو نصف هذه المنظمات ترتبط بعلاقات وثيقة مع الإخوان.
الأمر لا يتعلق بالخبز وحسب، فقد أرسل حزب الحرية والعدالة أيضا متطوعين للتأكد من توزيع الوقود المدعم ومراقبة محصول القمح.
ورغم أنه يمكن لأي منظمة غير حكومية المشاركة.. تلعب المبادرات على نقاط قوة الإخوان: العمل التطوعي الذي تقوم به الجماعة منذ عقود، والقدرة على العمل المنظم في الشوارع أكثر مما يستطيع خصومها، ويقول منتقدون إن المبادرة تبرز قصور الإخوان في الحكومة وتهدف إلى إخفاء إخفاقاتها.
يقول خليل العناني الأكاديمي في جامعة دورهام بإنجلترا والخبير في شؤون الجماعة "الإخوان واقعون تحت ضغط الفشل في إدارة مصر، ويحاولون التغلب على ذلك من خلال التركيز على مشكلات الحياة اليومية".
ويضيف "لا يثقون في مؤسسات الدولة. يعرفون أن هناك نوعا من المقاومة لذلك يفضلون التصرف بأنفسهم للحفاظ على شعبيتهم".
ولأن واحدا من بين كل أربعة مصريين يعيش تحت خط الفقر على أقل من 1.65 دولار في اليوم، يعتمد الملايين على الخبز المدعم الذي يباع بخمسة قروش للرغيف، وهو سعر حددته الدولة ولم يتغير منذ 1989، ويساوي اليوم سُبع التكلفة الحقيقية.
المبادرات تلعب على نقاط قوة الإخوان: العمل التطوعي الذي تقوم به منذ عقود.. والقدرة على العمل المنظم في الشوارع
والخبز أيضا مصدر دخل لكثير ممن يتزاحمون خارج المخابز عند الفجر. فالآلاف يعيدون بيع كميات من أرغفة "العيش البلدي" في السوق السوداء كما تباع كميات منه لأصحاب المراعي الذين يجدون فيه غذاء لماشيتهم أرخص من العلف.
وفي حي القباري بالإسكندرية، حيث بدأت المنظمة غير الحكومية التي ينتمي إليها جابر في توزيع الخبز في أبريل، تمكنت عائلة من السيطرة على إنتاج مخبز افتتحته الحكومة عام 2010، وكان هذا مثالا صارخا على المشاكل التي تواجه هذا القطاع المشوب بالفساد.
وحتى وقت قريب كان النظام المتبع هو أن تسلم المطاحن الحكومية أجولة الدقيق المدعم لمخابز القطاع العام والخاص على أن يستخدم هذا الدقيق في إنتاج خبز رخيص بجودة معقولة.
لكن كان الحال ينتهي ببيع معظم الدقيق في السوق السوداء. وشكا أصحاب المخابز من أنهم يخسرون ما بين 10 و15 جنيها مصريا في كل 100 كيلوجرام من الدقيق الذين يستخدمونه في إنتاج الخبز بسبب تكاليف الوقود والأيدي العاملة، وهو ما يفوق ما يكسبونه من بيع الخبز والحوافز التي تدفعها الدولة.
وتواجه الشرطة صعوبة في التعامل مع المشكلة.. فأصحاب المخابز ينتجون نوعية رديئة يستخدمون فيها كميات أقل من الدقيق، ومفتشو الحكومة الذين يتقاضون أجورا زهيدة يفتقرون للدافع الذي يحفزهم لمكافحة بيع الدقيق في السوق السوداء.
يقول أحمد عيسى مسؤول حزب الحرية والعدالة الذي يشرف على جهود النهوض بقطاع الخبز، "إن الدولة تفقد 50 % من الدقيق المدعم". ويقول برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة إن خسائر الخبز المدعم في مصر تصل إلى 30 %.
وتحاول وزارة التموين تغيير الأمور بأسلوب الثواب والعقاب. وتقدم الحكومة حاليا حوافز أكبر للمخابز التي تنتج الخبز المدعم، لكنها تهدد أيضا بتغريمها دفع سعر جوال الدقيق بأسعار السوق الحرة بالكامل لأي كمية دقيق يتم ضبط بيعها في السوق السوداء.
وهي تهدف أيضا للحد من هيمنة المخابز على مبيعات الخبز وتوكل مهمة التوزيع إلى إدارات محلية في بعض أجزاء البلاد، وتتطلع إلى المنظمات غير الحكومية في المناطق التي لا تستطيع الإدارة المحلية أن تقوم فيها بالمهمة.
والمنظمة التي ينتمي إليها محمد جابر هي الوحيدة التي تتولى توزيع الخبز في حي القباري. وبدأت المهمة في أبريل.
وانضم جابر للإخوان عام 1989 وهو يتطلع لتركيا وقطر، حيث عاش عشر سنوات، كنموذج لما يجب أن تصبو إليه مصر.
وتأسست جمعية نور مصر التي ينتمي إليها عام 2011 ضمن جهود الإخوان المسلمين للفصل بين نشاطها السياسي وعملها الاجتماعي.
ويضحك قائلا "خيل لي أن توزيع الخبز سيكون أسهل من ذلك" مشيرا إلى سرقة الخبز والترهيب والإساءات التي واجهها في أول شهرين.
يبدأ جابر يومه بلقاء عدائي من زمرة من النساء يتزاحمن خارج أحد المخابز التي يزورها فريقه للحصول على الخبز منه وتوزيعه. يقول جابر الذي يرتدي الجينز وقميصا مفتوحا ويحمل هاتفين محمولين إن هذا عادة هو الجزء الأكثر توترا في اليوم.
تصرخ أم أحمد وهي أم لخمسة أبناء "سيقطعون رزقنا". وتقول إن أسرتها تعتمد على الهامش الذي تتقاضاه نظير توزيع الخبز. وتصيح أخريات انضممن إليها "لا نريد مرسي".
قال جابر وهو ينتظر أن يفرغ فريقه من تحميل الخبز على عربات نقل مكشوفة تستخدم في التوزيع "هناك مافيا تبيع الخبز لإطعام الحيوانات في حين أن هناك أناسا في فقر مدقع"، وبعد خمسة أسابيع من بدء البرنامج أصبح لدى جابر 650 "مشتركا". بعدها يتوجه الفريق إلى حي القباري. يطلق الفريق صافرة لإخطار المشتركين باقترابهم. وتتدلى السلال بحبال من النوافذ استعدادا للحصول على الخبز.
ويدفع المشتركون ثمن الخبز ورسوم التوزيع الشهرية التي تقل عن دولار واحد. وتغطي الرسوم تكاليف التوزيع ومرتبات فريق المشروع المكون من سبعة أفراد.
وسمحت الحكومة لجابر وفريقه بتوزيع عشرة آلاف رغيف يوميا. لكنه يقول إن استمرار الفساد يمنعه من الحصول على المزيد، وإن لديه قائمة انتظار تضم 200 أسرة.
وقال "تتعامل مع أناس لديهم مصالح خاصة ونكشف أمورا لا يريدون كشفها".
ويسوق أصحاب المخابز أسبابهم الخاصة في عدم التعاون. يقول أحدهم ويدعى عصام خليفة إنه يخشى من غضب الزبائن الذين يصطفون في الخارج.
ويقول آخر يدعي حمدي حامد إن الإخوان قد يتخلون عن هذا المشروع بعد الانتخابات المقبلة، المرجح أن تجري نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، "الكل يعتقد أن سبب المشروع هو الانتخابات". كما يشكو من أن الحوافز الجديدة التي تقدمها الدولة لا تزال أقل مما يحتاجه أصحاب المخابز لتغطية التكاليف وهو ما يرجح بقاء السوق السوداء.
تقول الحكومة إن السياسة الجديدة تشكل جزءا من إصلاحات أوسع تهدف إلى الحد من الهدر والفساد في نظام الدعم الذي يلتهم 25 % من إجمالي الإنفاق الحكومي ويذهب الجزء الأكبر منه إلى قطاع الوقود.
وتعتزم الحكومة إدخال نظام البطاقات الذكية لتسجيل استهلاك الوقود والمواد الغذائية المدعمة. أما بالنسبة للخبز فستقوم بمراقبة عدد أرغفة الخبز التي تبيعها المخابز وتقيد أيضا العدد الذي يمكن أن يشتريه الفرد.
أحد سكان حي القباري: الإخوان يعرفون كيف يمدون أيديهم مثل الأخطبوط في كل المواقع والأماكن
ويقود وزير التموين والتجارة الداخلية باسم عودة، هذا الجهد منذ يناير ورغم أن فكرة توصيل الخبز تسبق حكم مرسي يعزو العاملون مع وزير التموين الفضل له في تطبيق هذا النظام وغيره من التغييرات.
لكن مسؤولين في المعارضة يشكون من أن الإخوان يستخدمون موارد الوزارة للحصول على ميزة غير عادلة قبل الانتخابات.
ويقولون إن الطلبات التي تقدمها جمعيات ترتبط بالإخوان لتوزيع الخبز تحظى بالأولوية مقارنة بطلبات منظمات أخرى. وفي مايو اتهم محافظ الإسكندرية نائبه حسن البرنس بمحاباة الجمعيات غير الحكومية المرتبطة بالجماعة.
وفجرت الشكوى احتجاجا في الإسكندرية ضد محاولات مزعومة "لأخونة" الإدارة المحلية. ولم يعلق البرنس على الاتهام ولم يتسن الاتصال به للتعقيب.
وقال أحمد سلامة الناشط في حزب التجمع إن الإخوان أكبر من التصدي لهم. وأضاف سلامة "لا نستطيع المنافسة لأننا نفتقر للإمكانيات".
ويرفض محمد خليفة الموظف بوزارة التموين المسؤول عن الإسكندرية، الحديث عن أن إدارته تتعرض للتسييس، وقال "لا أتعامل مع الإخوان لكني أتعامل مع الأوراق".
ولكن حتى في القباري، معقل الإسلاميين حيث هيمن الإخوان على الانتخابات في عهد مبارك، هناك مؤشرات على استياء وريبة، ويقول شعار كتب على أحد الجدران "الإخوان كاذبون".
يقول محمد حبيب أحد سكان حي القباري "يعرفون كيف يمدون أيديهم مثل الأخطبوط في كل المواقع والأماكن"، ويصف وهو يميل من نافذة بيته بينما تمر عربة جابر لتوزيع الخبز هذه الخدمة بأنها "خدعة".
لكن هذا لم يمنع شقيقته من الاشتراك في الخدمة التي أنقذتها من الاصطفاف للحصول على الخبز من الساعة السادسة صباحا.
ويقول بعض المسؤولين في الحرية والعدالة، إنه يجب منح المراقبين المتطوعين سلطة اعتقال من يفسد هذه المنظومة.
ويسخر جابر من الانتقادات قائلا "الناس تتحدث كثيرا. أخطبوط أو غيره.. المهم في نهاية اليوم هو ما تم إنجازه".
وفي مكتبه، يخرج ملفا للأوراق اللازمة للحصول على التصريح الرسمي لتوزيع الخبز، وهي عملية استغرقت شهرين وشملت جمع طلبات موقعة من جميع مشتركيه وصورا لبطاقاتهم الشخصية.
يقول جابر "ليس هناك ما يخجل في أننا عملنا باجتهاد. هذه ليست مسألة احتكار بل مسألة عمل".
أخبار متعلقة :