كتب : أحمد الطاهري منذ 19 دقيقة
على بعد أمتار من الجامعة الأمريكية في العاصمة الأمريكية واشنطن، وبينما يتابع العالم أخبار سيناء وجنود مصر المختطفين من قبل عناصر إرهابية، أبت الإدارة الحاكمة أن تصفهم بهذا الوصف.. كان لـ"الوطن" حوار مع أكاديمي أمريكي مرموق من أصول عربية، وهو الدكتور محمد أبونمر، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في واشنطن ورئيس مركز السلام والتنمية للدراسات السياسية بالجامعة الأمريكية وأحد أصحاب الفكر والرأي داخل بيوت التفكير الأمريكية، وإلى تفاصيل الحوار:
س ـ من واقع درايتك بالعقلية السياسية الأمريكية كأكاديمي ورئيس أحد أهم المراكز البحثية في الولايات المتحدة، كيف تقيم سلوك الإدارة الامريكية تجاة الربيع العربي والمتغيرات التي طرأت على تفاعلها مع التغيير في المنطقة؟
ـ أعتقد أن التعامل الأمريكي مع الربيع العربي الأن "متخبط" إلى حد ما.. لكن التغيير الذي حدث في مرحلة مابعد الربيع العربي، هو أنه أصبح هناك قبول للتعامل مع الاسلام السياسي وحركات الإخوان المسلمين في المنطقة، وهذا التيار والحركات السياسية كان التعامل معها قبل الربيع العربي يتم من خلف الأبواب الرسمية وداخل الغرف المغلقة، لكن الآن أصبح لهم شرعية معينة لدى الأمريكان لا تعكس في جوهرها قبول أيدلوجيا، لكن تستطيع أن تسميها شرعية برجماتية، فلا يمكن أن تستمر السياسة الأمريكية في الشرق الاوسط وتحافظ على مصالحها بدون أن تتعامل مع الإسلام السياسي. لكن من المؤسف هو أنه لاتوجد معايير واضحة لكيفية تعاملهم مع قوى الإسلام السياسي في المنطقة.
س ـ كيف ؟
- ستجد تعاملهم مع الإسلام السياسي في تونس مختلف عن منهجهم في مصر وكذلك في سوريا أو في اليمن، هناك تخبط واضح وظاهر الآن، لكن أعتقد أنه خلال السنوات القليلة المقبلة سيخلق توجهًا معينًا داخل السياسة الأمريكية سيكون أكثر وضوحا وفهما وتعمقًا أكثر لطبيعة هذه الأنظمة السياسية الإسلامية.
س ـ من أين ينبع هذا التخبط؟
ـ هذا التخبط ينبع من كون الإخوان في تونس ومصر وسوريا أو حتى حركة حماس، لم يخرجوا حتى الآن بمفهوم سياسي واضح لكيفية تعاملهم مع القضايا السياسية الخارجية، وهو ما يجعل التخبط أمرًا مزدوجًا بين الطرفين.
س ـ هل عدم استقبال الرئيس الأمريكي أوباما لنظيره محمد مرسي حتى الآن في البيت الأبيض يأتي في إطار هذا التخبط، رغم مرور عام على حكم الرئيس المصري؟
- بالطبع.. لأن الأمريكيين لم يفتحوا أبوابهم بشكل كامل لقبول الحقيقة على أرض الواقع، وهي أن التغيرات في المنطقة أفرزت قوى سياسية إسلامية، ورغم معرفتهم وإقرارهم بهذا الواقع إلا أنهم لم ينفتحوا عليها بشكل كامل، هم يتعاملون ببراجماتيه في مسائل المتعلقة مثلا بالنفط والغاز والحرب على القاعدة، لكننا لا نعرف رؤية كاملة تجاه مسائل أخرى، وقرار الانفتاح الكامل على هذه الأنظمة لم يتخذ بعد لعدة أسباب.
س ـ وماهي هذه الأسباب؟
ـ الإخوان وحركات الإسلام السياسي نفسها لم تفرز ولم تطرح حتى الآن منظورًا واضحًا ومفصلًا لكيفية تعاملها مع قضايا حقوق الإنسان، ومع قضايا الأقليات والأمن وملف تسوية السلام في الشرق الأوسط والوضع بين فلسطين وإسرائيل. كل هذه قضايا حتى الآن يتعامل معها الإسلام السياسي بشكل يومي فقط.
س ـ كيف عاشت أمريكا تقدم نفسها كنموذج للحرية في العالم وعندما أقدم العرب على التغيير جاء الانحياز الأمريكي لصالح القوى الراديكالية والتيارات المحافظة المنغلقة ولم تدعم القوى الليبرالية والحركات التقدمية في هذه المجتمعات ؟
ـ هذا راجع من منطلق المنظور البراجماتي للسياسة الخارجية الأمريكية، فمثلاً في الساحة المصرية، وجدنا أن الإخوان تصدروا المشهد في الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية واستفتاء الدستور. كانوا هم المجموعة الوحيدة المنظمة واستحوذوا على الانتحابات بغض النظر عن الأساليب التي استخدموها.. وعندما تنظر كأمريكي بغض النظر عن الأيدلوجية، ما الذي يجب عليك أن تفعله أن تتعامل مع القوى التي ستربح الانتخابات وتستحوذ على المجالس النيابية والرئاسة، أو تتعامل مع معارضة مفتتة وغير منظمة وليس لديها قدرة أو لم تظهر قدرة على القيادة في تلك الفترة. بالتأكيد ستنحاز لمصالحك وإن كنت تختلف مع الإخوان أيديولوجيا.
أمريكا اضطرت للتواصل مع الإخوان لعدم وجود البديل "المدني"
س ـ إذن نحن لسنا أمام تحالف أو علاقة عميقة؟
ـ هذا مؤكد.. نحن لسنا أمام زواج أيديولوجي بين الجانبين، أو حتى قبول شرعية مستقبلية للإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين. وأعتقد أن الجميع هنا في أمريكا يراهن على أن تفرز الأوضاع نموذجًا شبيهًا بحزب "العدالة والتنمية" التركي، والذي يمكن تصنيفه كإسلامي وأيضًا ليبرالي يراعي مصالح أمريكا في الشرق الأوسط في تعامله مع إسرائيل.
س ـ من خلال اطّلاعك على مايدور في مراكز الأبحاث وبيوت التفكير الأمريكية.. هل ترى أن أمريكا اقتربت من بلورة رؤيتها وأنها ستسعى لفرض النموذج التركي؟
ـ أمريكا لن تسعى لفرض النموذج التركي، لكن النموذج التركي هو الأسهل في التعامل بالنسبة لأمريكا، مقارنة بالنموذج "الحمساوي" أو حتى النموذج المصري، لهذا رأينا أن راشد الغنوشي "رئيس حزب النهضة التونسي" استقبلته واشنطن، فيما لم يتم استقبال الرئيس المصري بسبب تفاوت هذه الحركات الإسلامية في أدائها، والسؤال المطروح حاليًا: هل هذه الحركات ستفرز برنامجًا سياسيًا يمكن لأمريكا أن تتعامل معه على غرار التعامل مع النموذج التركي، هذا التعاون الذي لا يخلو من الخلافات. لكنه يصون المصالح الاستراتيجية بين الجانبين. وعلى الأنظمة "السنية" الجديدة في مصر وتونس وحماس إفراز تموذج يجلعنا نستطيع التعامل معهم. هذا النموذج الذي لم يتضح بعد لأي من هذه الأنظمة.
واشنطن لم تفتح أبوابها أمام مرسي لأنها لا تجد مؤشرات واضحة لنموذج الحكم الإخواني
س ـ لكن الأمر ليس كلاسيكيًا؛ لأنه يمس أهم حليف لأمريكا في الشرق الأوسط، وهي أهم مناطق الاهتمام الخارجي للولايات المتحدة، وأعني هنا "مصر"، هل ستتحمل الولايات المتحدة تبعات حالة السيولة المصرية على مصالحها في المنطقة؟ وهل ستقبل بوجود نموذج مصري مشابه لإيران في الحكم؟
ـ أعتقد أن هذه نقطة أساسية. أمريكا تحاول أن تبتعد بأي نموذج سني جديد عن النظام الإيراني، وتنتظر أن تفرز حركات الإسلام السياسي، النموذج الذي تستطيع التعامل معه، وهل هذا النموذج سيراعي حقوق الإنسان والأقليات والنفط وإسرائيل والمصالح الأمنية الأمريكية، وهل سيكون نموذجًا تركيًا أم نموذجًا إيرانيًا أم نموذج مصري له خصائصه، نحن ننتظر، لكن المؤشرات ليست مبشرة إلى حد ما خاصة في مصر بعكس تونس.
س ـ كيف؟
ـ الغنوشي أكثر فاعلية من مرسي في إصدار قوانين تراعي حقوق الإنسان، وكذلك خطاب الغنوشي وإعلانه أنه سيحارب عناصر القاعدة في المنطقة الجنوبية من تونس وأنه ضد الإرهاب واستعمل مصطلحات واضحة في خطابه من اختطاف الإسلام واستعماله من قبل الأرهابيين، مصطلحات ملفتة من قيادة إخوانية، عكس خطاب محمد مرسي وتعامله مع أزمة الجنود السبعة المختطفين في سيناء لهذا أقول: "إن أمريكا لا تجد مؤشرات واضحه لنموذج الحكم الإخواني في مصر"، وهذا أمر شديد الأهمية للأمريكان لأن مصر تاريخيًا تمثل الكثير للولايات المتحدة، ولديها قناعة بأن مايحدث في مصر سيكون هو المثل لكل ماسيحدث في المنطقة خلال العقد المقبل. مصر دائما قائدة. أمريكا تدرك ثقل مصر ولا تختزله في حمايتها للخط الجنوبي الإسرائيلي، ولهذا الجميع ينتظر شكل وقرارات الإخوان في مصر حول قضايا الأقليات وحقوق المرأة، ورؤية تعبر عن مفهومهم للأمن الاقليمي، لهذا عندما غازل النظام المصري النظام الإيراني وضعت أمريكا أولى علامات الاستفهام على النظام المصري واستتبعت هذه المغازلة قلقًا أمريكيًا على مصالحها في المنطقة.
س ـ هناك طرف شديد الأهمية في المعادلة المصرية، وهو المؤسسة العسكرية، والآن هناك رغبة لدى قطاع عريض في الشارع المصري تطالب الجيش بإنقاذ الدولة من الانهيار، السؤال هو هل ستقبل أمريكا حدوث انقلاب عسكري في مصر؟
ـ لا أعتقد أن القرار سيكون من أمريكا بهذا الشكل. لكن القرار سيكون من إفرازات المجتمع والشارع المصري والساحة السياسية المصرية، وأعتقد أن رد الفعل الأمريكي من نزول الجيش لن يكون العنصر الأساسي في هذا الموضوع، لكن إذا قلبنا السؤال وقلنا إذا مانزل الجيش المصري وسيطر على الدولة هل ستتدخل السياسة الخارجية الأمريكية لمعارضة هذا الوضع أو عدم الاعتراف بهذا النظام؟ إجابتي هي لا.. لا أعتقد بل في اللحظة التي سيسيطر فيها الجيش، أمريكا ستتعامل بشكل براجماتي مع أي تغيير سيفرضه الشارع في مصر، أمريكا لديها مصالح لن تسمح لها أن تتدهور ويهمها الحفاظ على استقرار مصر لسلامة جيرانها مصر وسلامة المنطقة بشكل عام ونحن نعلم أن تأثر الأوضاع في مصر بشكل كبير انعكاساته تتعدى حدود مصر إلى الدول الأخرى.
س ـ فيما يخص أمن اسرائيل هناك رأيان، البعض يقول إن الربيع العربي ليس في مصلحة إسرائيل والبعض الآخر يرى أن إسرائيل الآن في أفضل وضع استراتيجي لها في ظل ماحدث من قبل للجيش العراقي، وتفكك جيش سوريا الآن وحالة السيولة التي تشهدها مصر وغياب الدولة في ليبيا.. كيف ترى الأمر؟
ـ أعتقد أنني أوافق ماذكره خبراء الأمن الإسرائيليين في مؤتمر استراتيجي وأمنى في تل أبيب الشهر الماضي، بأن هذه المرحلة الحالية لايوجد خلالها أي تهديد لإسرائيل على أي من حدودها والوضع في سوريا يخدم إسرائيل. لكن يجب التوقف ووضع هذه القراءة في حجمها؛ حيث إنها تشكل وضعًا سيستمر بضع سنوات، وبعدها ستكون هناك عملية نضج للأنظمة في المنطقة وتمرس للسياسة، ما يجعلها تشكل ورقة ضغط على إسرائيل للتعامل بشكل أكثر تفاوضي لا سيما وأن هذه الأنظمة ستكون ديمقراطية حقيقية. إذن سيكون هذا متغير عن الأنظمة العسكرية القديمة في المنطقة، وإسرائيل نفسها اعترفت أن مايحدث في سوريا وفي مصر وفي البلدان العربية يشكل وضعا مريحا لها على مدار سنوات تشكل لها فسحة من الوقت إلى أن تتشكل أنظمة في هذه الدول.
الوضع الحالي في المنطقة يخدم إسرائيل لكنه "مؤقت" لحين تكوين أنظمة ديمقراطية حقيقية أحمد الطاهري
س ـ معنى كلامك أنه لن يكون هناك حديث عن مفاوضات سلام بين الفلسطينين والإسرائيليين قبل فترة لن تقل عن 10 سنوات؟
- هذا على أقل تقدير، وحاليًا إسرائيل تنفذ كل مشاريع الاستيطان وهناك تكثيف لهذه المشاريع وتستغل فسحة الوقت التي وفرتها لها الربيع العربي في تنفيذ كافة خطط اليميين الإسرائيلي وتهرب من استحقاق السلام وهي لا يقع عليها الآن أي ضغط من أي نوع من أجل أن تصل لتسوية مع الفلسطينين، فمصر لن تشكل خطرًا على إسرائيل، وسوريا خرجت من المعادلة وحزب الله لن يتمكن من مهاجمة إسرائيل وأيضا الأردن بطبيعتها لا يمكن أن تضع أي ضغوط على إسرائيل وبالطبع أمريكا لن تضغط على إسرائيل في ظل هذه المعادلة، فلماذا ستذهب إسرائيل اذن للمفاوضات. بناء الدول المجتمعات العربية من الداخل سيكون افضل داعم للقضية الفلسطينية في المستقبل بمنظور مختلف.
أخبار متعلقة :