كتب : محمد منصور منذ 13 دقيقة
تحويل مجرى نهر النيل الأزرق، كإجراء هندسى تقليدى لمتابعة بناء سد النهضة الإثيوبى، أثار قضية نهر النيل وأمن مصر المائى لتبرز على السطح وتحظى باهتمام بالغ يفوق الاهتمام بالصراعات الداخلية بين القوى السياسية المختلفة.
«الوطن» حاورت الدكتور حلمى شعراوى، الرئيس السابق لمركز الدراسات الأفريقية، لبحث آثار إنشاء السد الإثيوبى على مصر، وكيفية حل المشكلة، وأكد أن الأزمة بدأت منذ سنوات طويلة وتفاقمت مع طموح الرئيس الإثيوبى الراحل «زيناوى» واستمرت حتى الآن، معتبراً أن النظام الحالى «منبطح» ولن يستطيع حل المشكلة.. وإلى نص الحوار.
* كيف بدأت المشكلة المصرية الإثيوبية؟
- هذا الموضوع ليس جديداً بالمرة، لأن مسألة توزيع مياه النيل كانت مسارا للمباحثات منذ إنشاء مبادرة مياه النيل عام 1997، وكانت جميع الأوساط المصرية وقتها تؤكد أن المشروعات يشرف عليها البنك الدولى، والذى تولى الإشراف عليه وقتها الدكتور محمود أبوزيد وزير الموارد المائية الأسبق الذى كان يؤكد أن «الموضوع فى إيده».
* لماذا يشرف البنك الدولى على مشروعات توليد الطاقة فى دولة مثل إثيوبيا ويهمل بقية دول حوض النيل؟
- هذا المشروع كان من المخطط تنفيذه فى حوض نهر الكونغو، وكانت معلوماتنا تقول إن السد المزمع إنشاؤه هناك سيمد منطقة الشرق الأوسط بالطاقة الكهربائية، غير أن تحول وجهات نظر البنك الدولى جاء عندما وجد أن إثيوبيا صالحة للزراعة الحيوية التى تحتاجها أوروبا، فالقارة العجوز تحتاج إلى زراعة أراض خارج أراضيها المتخمة بالسكان، ومن ثم فضلت اللجوء إلى الأرض الواعدة فى القرن الأفريقى ووقع الاختيار على إثيوبيا لتكون مرتعاً للخطط الجهنمية.
الحاكم الذى يلهث وراء دولة صغيرة مثل قطر لا يستطيع أن يتعامل مع دولة بحجم إثيوبيا
* فى الأساس.. لماذا يشرف البنك الدولى على مثل هذه المشروعات؟
- لأن العالم الرأسمالى الدولى مهتم بإنتاج الطاقة، وقضايا إشكاليات المياه على مستوى عالمى، وطبيعى أن يهتم بنهر النيل كمصدر بكر لمثل هذه المشروعات.
* ماذا فعلت مصر منذ بدء الأزمة وحتى الآن؟
- لم تفعل شيئاً، فقط حضرت مجموعة من المؤتمرات فى «كنشاسا» وأشرفت على مؤتمر آخر فى «شرم الشيخ»، وطوال الوقت كان الدكتور «أبوزيد» المسئول عن الملف يؤكد أنه لا مشكلة، حتى جاء الموعد الذى انتهت فيه المبادرة عام 2012 وبدأت إثيوبيا فى السعى لدى دول حوض النيل فى غياب كامل للدبلوماسية المصرية.
منظر الرئيس فى إثيوبيا وتصريحات السفير إرهاصات ستؤدى لفشل المفاوضات
* ما الهدف الرئيسى لبناء سد النهضة الإثيوبى؟
- التنمية بالطبع.. فالرئيس الإثيوبى الراحل «زيناوى» أراد صناعة نهضة اقتصادية ونقلة نوعية فى إثيوبيا، ووجد أن الإغراءات تتمثل فى بناء السدود، حيث إن الاستثمار فى هذا المجال يمكنه جذب رؤوس الأموال بمنتهى البساطة والسرعة، إثيوبيا تستثمر دون مراعاة لجيرانها، فمنذ عدة سنوات كادت الحرب أن تنشب بينها وبين كينيا بسبب مشروع شبيه على حدود كينيا، ويجب أن نعلم أن مشروع سد النهضة غير موجه لمصر ولا توجد أى نظرية مؤامرة، إثيوبيا تسعى لمصالحها حتى لو هلك جيرانها.
* ما الأطراف التى تستثمر فى بناء السدود الإثيوبية؟
- علاوة على البنك الدولى، هناك إيطاليا والصين وتركيا والهند، فضلا عن العديد من الدول العربية مثل السعودية وقطر، وهذا أمر يدعو للاستغراب، فكيف لدول «صديقة» أن تستثمر مئات المليارات فى دولة تريد إلحاق الضرر بمصر.
* هل هناك جهود دبلوماسية مصرية للسعى لدى إثيوبيا لوقف المشروع؟
- أساساً إثيوبيا تتهم الدبلوماسية المصرية بالسعى لدى المستثمرين لتعويق مشروعاتها التنموية، لا ثقة بين الجانبين، يجب علينا دراسة الموضوع بكل عناية ودون حساسيات للوصول إلى حالة من التوافق مع الجيران لعمل تنمية متكاملة تربط الإقليم المصرى السودانى الإثيوبى لتحقيق المنفعة للجميع، إثيوبيا تشعر بقلق من الموقف المصرى شبيه بقلق المسئولين المصريين من الموقف الإثيوبى.
* ما الهيئات المصرية المسئولة عن قضايا المياه؟
- أزعم أن الهيئات المصرية المعنية بمثل هذه القضايا متنوعة بشكل مؤسف ما بين الدفاع والخارجية ومراكز البحوث ومؤسسة الرئاسة ووزارة الرى التى لا تعرف الكثير عن الأضرار، وأنا أتهم الجميع بأن هناك تضاربا فى الفهم سيؤثر بالسلب على قضية أمن مصر المائى، علاوة على أن هذه المؤسسات تحجب المعلومات الأساسية عن بعضها البعض، هذا غير التضارب فى التصريحات التى تنال من قضية المياه، فعندما يُصرّح رئيس دولة ويقول «ندعو الله وستزيد المياه» ويخرج المتحدث الرسمى ليقول «لا مخاطر» ثم تؤكد وزارة الرى أنها تنتظر تقرير اللجنة الثلاثية ويخرج علينا سفير مصر بأديس أبابا ليقول نحن نعلم كل شىء عن هذا الموضوع، يبدأ الرأى العام فى التساؤل.. إذن من المسئول؟!
* ما الذى عمّق المشكلة بين مصر ودول حوض النيل؟
- غياب الرؤية، فمصر بعد جمال عبدالناصر الرئيس الراحل، لم تكن لها سياسة طويلة الأمد مع الظهير الأفريقى، الغياب التاريخى لمصر أثر فى إشكالية سد النهضة، علاوة على أن مصر لم تكترث بالصراعات الأفريقية وتزامن ذلك مع بزوغ نجم إثيوبيا فى الصومال وجنوب السودان، إضافة إلى عدم وقوف مصر بجانب دول القرن الأفريقى فى أزماتها المتعلقة بالجفاف الذى راح فيه الملايين عبر سنوات القحط الطويلة فى القرن الماضى.
* ما الخيارات المتاحة أمام مصر فى حل الأزمة؟
- الحل الوحيد هو التفاوض على أساس المعلومات الحقيقية السليمة، ولا بديل عن ذلك، يجب أن تستخدم مصر قوتها الناعمة مع إثيوبيا، علاوة على استثمار الموقف الراهن لعقد تكتلات مع بعض دول حوض النيل التى تدعم الموقف المصرى أو تقف على الحياد مثل السودان وجنوبها والكونغو وأوغندا.
* هل جرى إثبات الضرر الذى سيسببه سد النهضة الإثيوبى بشكل علمى؟
- ليس بعد، نحن فى انتظار تقرير اللجنة الثلاثية، علاوة على أن مفهوم الضرر قد لا يتعلق بالتدفقات المائية فقط بل قد يتجاوز ذلك لموضوعات دقيقة لها علاقة بالسيادة على النهر.
* هل سيدعم القانون الدولى موقف مصر فى المفاوضات إذا أجريت؟
- نحن لا نبحث عن الدعم، فالقانون الدولى يكتفى فقط بتوجيه اللوم للدول التى تجور على حقوق جيرانها، الحل فى التفاوض الحكيم واستعمال المستويات المتنوعة التى تحظى بها مصر دون غيرها، لدينا الجامعة العربية والاتحاد الأفريقى والقواعد التى أقرها مؤتمر روما ثم التفاوض المباشر مع الدول الموقعة على اتفاقية «عنتيبى».
* يقال إن إثيوبيا لم تخطر مصر ببناء السد ما يعدّ مخالفة قانونية.. ما رأيك؟
- المعلومات عن إخطار مصر غير متوافرة بسبب غياب الشفافية كما قلت سابقاً، ويجب القول إن شروط الاتفاقية الموقع عليها من دول حوض النيل عام 1929 وعام 1959 تلزم الدول المشاركة فى النهر بأن تخطر الدول المستفيدة بكل المشروعات التى يُستغَل فيها النيل، لكن المؤكد أن إثيوبيا غير ملتزمة بالضرورة بذلك لأنها تقول إن الاتفاقية جرى توقيعها فى زمن الاحتلال، وعلى المستوى العالمى، هناك دول مثل تركيا التى يمر فيها نهرا دجلة والفرات رفضت التوقيع على اتفاقية الأنهار الدولية.
* ما الحل فى حالة فشل التفاوض؟
- لا توجد مفاوضات تبوء بالفشل، وثمة جوانب متعددة للتوافق، غير أن أساسيات التفاوض يجب أن تعتمد على المصلحة المتبادلة وتدقيق المعلومات وضبطها على أيدى خ
رعب المصريين من أزمة المياه «مؤسف» ويدعو للخجل.. يجب أن يعلموا أنهم أبناء دولة كبيرةبراء متعددى التخصصات وهذا ما نفتقده بشده.
* هل النظام المصرى الحالى قادر على التفاوض بشكل سليم؟
- أعتقد لا، فالنظام الذى يلهث وراء دولة صغيرة مثل قطر لا يستطيع أن يتعامل مع دولة بحجم إثيوبيا، التفاوض يحتاج إلى مكانة كبيرة بين الدول حتى نستطيع أن نمارس ضغطا جماعيا، ويجب التأكيد على أن مصر تربطها علاقات وثيقة ذات طبيعة تاريخية ودينية بإثيوبيا، غير أن هذا النظام أضعف من أن يعطيك الأمل، فالسذاجة فى التعبير ومنظر الرئيس المخجل وتصريحات السفير المؤسفة كلها إرهاصات ستؤدى لفشل المفاوضات فى ظل النظام الحالى.
* ما تحديات مصر المائية فى المستقبل؟
- بالطبع كمية المياه التى يجب أن تزيد عن طريق إنشاء مشروع سد «جونجلى» بالتعاون مع دولة السودان ومشاريع الطاقة التى يجب أن تدعمها مصر فى دول المنابع، وغيرها من الأمور التى تفرض نفسها على واقع مصر المائى، فالتعاون والتوسع فى إنشاء المشروعات هما السبيلان الوحيدان لحفظ أمن مصر القومى المتعلق بالمياه.
* ما رأيك فى حالة الرعب التى تجتاح الشارع المصرى؟
- هذا شىء مؤسف ويدعو للخجل، يجب أن يعلم المصريون أنهم أبناء دولة كبيرة، لسنا صغارا، غير أن النظام الحالى منبطح ويزحف على بطنه، ولغة حُكمه المتدنية على المستوى السياسى والدبلوماسى تبعث على الخجل.
* ما الرسالة التى تود توجيهها للرأى العام؟
- لست مع المبالغات، الموضوع ليس كما يُصوَّر فى الإعلام، ليست مسألة حياة أو موت، مصر لديها الكوادر القادرة على حل الموضوع، إن لم يكن الآن فبعد ذلك، أريد توجيه رسالة للمصريين: «بدلاً من الصرخات والتصارع أرجو تكوين جبهة شعبية حقيقية للوصول لموقف يصل بمصر لبر الأمان»، وأقول لعموم المصريين اطمئنوا ولا تفزعوا.
أخبار متعلقة :