صباح 17 مارس 2011، لم يكن كأى صباح لإيمان السيد رشاد فهمى، وأحمد سليم صبور، حين رزقوا بمولودهما الأول "أيمن"، حيث رسما مستقبل طفلهما كاملا منذ نظرتهما الأولى فى ملامحه الصغيرة، ليؤكد كلا منهما أنه أبدا لن يكون أحد بالأسرة مثله، لا بل بالمحافظة بأكملها ستفخر بأن أيمن واحد من أبنائها، ليكتشفا فيما بعد أنه مصاب بمرض التوحد، لم يفقدهما ذلك حلمهما بل نجحا فى تحقيقه حتى فاز أيمن بالمركز الأول ببطولة الجمهورية فى السباحة عام 2013، و2012، و2010، والمركز الرابع والميدالية البرونزية فى بطولة ألعاب القوى، وفاز بالمشاركة كممثل للشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة بلوس أنجلوس 2015.
تبدأ القصة قبل ذلك الوقت، بفترة ليست طويلة، حين تخرجت إيمان من كلية الطب البيطرى جامعة الزقازيق، بمحافظة الشرقية، وزواجها من المهندس أحمد سليم بعد شهرين من تخرجها، وعقب مرور عام على زواجهما، و3 أشهر على حمل إيمان لأول جنين لها، سافر الزوجان إلى المملكة العربية السعودية، للبحث على وظيفة بإمكانيات ومرتب أفضل، لتوفير مستوى من المعيشة أرقى.
أنجبت إيمان ابنها الأول "أيمن"، كان يتميز بملامح هادئة، وبشره بيضاء، وابتسامة طفولية مميزه تجذب انتباه كل من يراه، وظلت هى تعتنى بمولودها، وكانت تلاحظ أنه ينمو بسرعة تفوق مماثليه فى العمر من أبناء جيرانها، وكان يلتفت إلى الأغانى والموسيقى الصادرة من جهاز التليفزيون وكافة مصادر الضوضاء من حوله، دون اسمه، كان أيمن فى ذلك الوقت لم يتجاوز شهره الثامن، إلا أن والدته شعرت بالقلق حيال ذلك، لتبدأ فى البحث عن طبيب متخصص للأطفال لبيان مشكلة ابنها وعلاجها.
وفى أول زيارة لإيمان إلى عيادة أحد الأطباء المشهورين بالسعودية، أكدت له أن "أيمن" يستجيب لكافة الأصوات، وحين تلاعبه هى نفسها، لا يشعر أنها تحدثه هو حتى حين تناديه باسمه، ولا توضح عليه أيه علامات انتباه لها، فطالبها الطبيب بالانتظار لحين بلوغه العامين والنصف، حتى يتأكد من تشخصيه لمشكلته.
وفى مارس 2002، علمت إيمان أنها ستصبح أم لطفل آخر، فرحت كثيرًا لكونه سيأتى يعينها فى جهدها نحو أيمن ومحاولاتها لفهم ما يعيقه من الاندماج معهم، لتمر الأيام سريعًا وتنجب صباح يوم 12 ديسمبر من العام نفسه، ولدًا آخر تختار "أمير" اسما له.
ظهور الأعراض
وفى صباح يوم اصطحبت إيمان، أبناءها للتنزه بإحدى الحدائق لتفاجأ بأيمن يترك أصدقاءه ويأخذ لعبه ويدير لهم جميعًا ظهره، ليقرر اللعب بمفرده، ووجهه ينظر إلى الحيطان، كان ذلك نقطة فاصله بالنسبة إليها، وفورًا قررت العودة إلى مصر، لتبدأ فى التفرغ لأبنائها، قوبلت محاولاتها جميعها بالاستنكار والتأكيد على أنها تتعجل الأمر، وأن ابنها مازال صغيرًا لتدارك أن هناك أطفال مثله يجب اللعب معهم ومشاركتهم حياتهم، لكن قلبها كأم لم يطيق الصبر.
أجرت إيمان زيارة لأحد أشهر أطباء الأطفال، والذى فور اطلاعه على حالة "أيمن"، أكد لها أنه مازال صغيرًا، ولا داعى للقلق، تركت العيادة وهى تشعر بعد الاطمئنان، فنجلها منفصل عن عالمهم، ولا أمل لها فى أن إحساسها يتبين خطأه، وفى مساء اليوم نفسه، جلست الأم بمفردها فى غرفتها تسترجع الحوار الذى دار بينها وبين الطبيب، لتمتد يدها إلى الروشتة لمحاولة قراءة ما دون بها.
وجدت مصطلح " Autism " وبجانبه ثلاث علامات استفهام، وجود تلك الكلمة جعل الأمر مقلق أكثر بالنسبة إليها، لتترك مكانها وتتجه إلى أقرب قاموس لديها لتبدأ البحث عن تعريف الكلمة، لتشعر بصدمة لم تكن تتوقعها، فور اكتشافها أنها تعنى "التوحد"، لتجرى اتصالا على الطبيب فورا، وتسأله عن سبب كتابة تلك الكلمة، ليؤكد لها أنه فقط يشك بالأمر ولم يتأكد بعد لصغر سن ابنها.
اكتشاف إصابة الابن الثانى بالتوحد
بلغ "أمير"، الأخ الأصغر لأيمن شهره السادس، لتفاجأ الأم أن حالته أكثر تدهورا عن أخيه، فلم يكن يستجيب لأى أصوات تحيط به، عدا التليفزيون، لكن فى تلك المرة قررت الانتظار لترى إن كان الأمر حقيقيًا أم مجرد أوهام، إلا أن مع مرور 6 أشهر أخرى، وبلوغ الابن الأصغر عام، فقد "أمير" التحدث نهائيًا.
وقتها قررت إيمان تكريس حياتها لأبنائها، عقب تيقنها أنهم مصابون بالتوحد، واتخذت قرارًا بمساعدة زوجها للعمل على دمجهم فى المجتمع على قدر استطاعتهم، لتغير من نظامها فى ارتداء الملابس، من سيدة منتقبة إلى أخرى ترتدى "الجينز والتى شيرت والكوتشي"، لتبدأ رحلتها فى مواجهة التوحد مع أبناءها، وكافة الأطفال، حتى أنها أصبحت تملك خبرة تسمح لها بالتعرف على الطفل المعرض للإصابة بالمرض نفسه، لتسارع بتحذير الوالدين وخطوات العلاج.
بدأت أولى خطوات علاج الطفلين، من خلال جلسات للتخاطب، ثم تعديل السلوك كان وقتها أيمن بلغ عامين وتسعة أشهر، وأمير عام ونصف، واستمر التدريبات حتى بلغ كلا منهما العمر المناسب للالتحاق بالدراسة، ومع عدم توفر الإمكانيات والمدارس الخاصة بتلك الفئات فى محافظة كالشرقية، قررت إيمان التوجه إلى القاهرة، نظرًا لرفضها إلحاق أبنائها بمدارس التربية الفكرية، فأعدت قائمة تضم أسماء المدارس المتخصصة من الدليل، وأجرت جولة عليهم جميعا بسيارتها، حتى وصلت لمدرسة تعمل بنظام الدمج.
وتعتمد مدارس الدمج على الجمع بين عدد من الأطفال المصابين بالتوحد، وآخرين من الطبيعيين، وفصلهم عند المذاكرة، نظرًا لاختلاف طرق التدريس لكلا منهما لتأخر الحديث عند أطفال التوحد، والذى ينتج عنه صعوبة التعلم.
روح القتال والتحدى
أصرت إيمان وزوجها أحمد على دمج أطفالهما فى المجتمع المحيط بهم، وموافقة الزوج أن تعيش هى وأطفاله بمفردهما فى القاهرة فتره تواجده بالسعودية، شجعها على مواصلة مشوارهما معا، وغرس أحمد روح القتال فى حياة أسرته، لتتكيف مع مجتمع يرفض الاعتراف بفئات مماثلة لأبنائه.
حرص أحمد على اصطحاب أسرته إلى أحد النوادى، لدمجهم بشريحة مختلفة من المجتمع، فكان يصعد إلى "الزحليقة" ويحاول جذب انتباه "أيمن" ليريه كيفية اللعب عليها، ويكررها له حتى يتمكن من التنفيذ وحده، ومرة أخرى تركب هى "المرجيحة" وتنتظر ليلتفت لها أبناؤها وتدربهم على تحريكها بأنفسهم دون الحاجة لمساعدة آخرين.
كانت تلجأ الأم أحيانا إلى "رشوة" أبناء حارس العقار الخاص بهم، من خلال إعطائهم بعض الحلوى، وتتوسل إليهم لاصطحابهم أيمن وأمير للعب معهم، لتؤكد لهم أنهم سيجدونهم ليسوا مدركين للموضوع كاملا، لكنهم سيلعبون معهم بشكل جيد.
صناعة بطل
مع بداية عام 2010، وجدت إيمان معلم ابنها أيمن بالمدرسة، يلفت انتباهها لقدرته الجسمانية التى تفوق عمرة، وضرورة استغلالها بالجانب الرياضى، حتى أنها خلال زيارة لها لمدرسته وجدته يعلم باقى الطلاب طريق التدريب على ابنها، حتى شاهدته فى إحدى الحفلات الخاصة بالمدرسة، وهو يؤدى مجموعة من الحركات الرياضية بمساعدة الكابتن كريم المصرى، لتكتشف نجلها من جديد، وتتخذ قرار الاتصال بالمدرب لقبول أيمن كعضو ضمن فريقه.
وجدت الأم أن الكابتن كريم، كان ينتظر مكالمتها منذ فترة، نظرًا لما يتوسمه بأيمن من بطولات، واشترط حضور أمير مع أخيه للتدريبات للبدء مع الاثنين معا، ونظرًا لفقد الأول النطق دار حديث بينها وبينه بالعين، حتى أن المدرب طالبها عدة مرات بتخبئة عينها عنه، ليشعر أيمن أنه هو مدربه ووحده الذى يستطيع الإشادة أو التعليق على أدائه، لكنها كانت تحرص على وجود الحوار بينهما بالنظر، لتؤكد له أنها أبدًا لن تفقد الأمل فى تطوره، وأنها لن تتعجله تقبل الأشياء، حتى أنها سجدت شكرًا لله، فور مشاهدتها له يؤدى بعض التمرينات بذراعيه، عقب استمرار التمرينات لمدة عامين دون وضوح أية استجابة منه أو ظهور أملا فى تأديته للتدريبات.
بعد مرور شهرين من التدريبات، وتحقيق الطفلين تطورا ملحوظ، طالب الكابتن كريم المصرى، والدتهم بالاستعداد لخوض أيمن بطولة الجمهورية للسباحة مسافات 25، و50 مترًا، لم تصدق إيمان نفسها أن بعد تدريبات لم تتجاوز الأربعة أشهر ينافس أيمن ببطولة على مستوى الجمهورية، لكنه خالف ظنها وحقق ميدالية ذهبية بتلك البطولة.
حفظ القرآن والمواظبة على الصلاة
حرص الأب على وجود علاقة بين أبنائه وربهم، من خلال العمل على تحفيظهم للقرآن والانتظام بالصلاة، فكان يصطحب أيمن فى كل فرض إلى المسجد المقابل لمنزلهم، وفى فترات زيادة الحركة لديه كان يمسك بيديه خلال الصلاة، لإجباره على الوقوف بجانبه، والاستماع إلى خطبة الجمعة كاملة، ومرة تلو الأخرى، أصبح الأمر طبيعيًا بالنسبة له.
وأصبح فور سماعة للأذان يسرع إلى التوضؤ، ويتجه بمفرده خلال فترات سفر والده للعمل إلى المسجد، حتى أن الإمام الخاص بالمسجد يحرص على السؤال عنه فى حال تأخر حضوره عن الصلاة قبل إقامته للفريضة.
علاقة المريض بالتوحد بأخواته
لم تلق إيمان أزمة فى العلاقة بين أيمن وأمير، وأختهما الصغرى "سما"، لكونها أسندت لطفلتها مهام أساسية فى تدريب أخوتها بالمنزل، بالرغم بلوغها عامها السادس من عمرها فقط، فى مقابل 13 عامًا لأيمن، و12 عامًا لأمير، وتعليمها كل ما يحتاجون إليه من صغرها، حتى أنها أصبحت تطالب أمها بتوفير "زعانف" بأحجام أكبر ليحققوا الفوز بشكل أسرع، والتأثر لحد البكاء فى حين إخفاقهم فى إحدى البطولات.
عملت إيمان على إعطاء الثقة لسما فى أنها قادرة على خدمة أخوتها، إيمانا منها أنها بابنتها يصبح عمرها مع أيمن وأمير 90 عامًا من الرعاية الكاملة، بدلا من 60 فقط.
الحب وفتاة الأحلام بحياة أيمن
حياة المصاب بالتوحد بطبيعتها تصنع عازلا بينه وبين المحيطين به، ومع قرب بلوغ أيمن سن المراهقة، بدأت إيمان وسما على لفت انتباه أيمن أن هناك "فتيات" لابد أن يلتفت إليهن، وأن هناك ما يسمى بالإعجاب والحب بين الفتاة والشاب، ولاحظت الأم أن فتاة تصغره عمرًا تنظر إليه باهتمام فخاطبته وطالبته بالنظر لها، وتؤكد له أنها معجبة به، وتهتم بمعرفته، فوجه نظره لها وإذا به يرسم ابتسامة صغيره.
اعتادت الأم على فعل الأمر نفسه، فى كل مرة تمر فتاة أمامهم، حتى أنه أصبح يبادر هو بالنظر إلى أمه فور نظره لأى فتاة ويبتسم لها.
وتملك إيمان ثقة بابنها بالقدر الذى جعلها توقن أن الله سيرزقه بمن تحبه ويبادلها الحب، ويتزوج بها، عقب حصوله على الشهادة الجامعية.
تمثيله للشرق الأوسط بالأولمبياد الخاصة بأمريكا 2015
علمت إيمان أن صفحة الأولمبياد الخاصة عبر موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك"، تنظم مسابقة لاختيار ممثل للشرق الأوسط للسفر إلى مدينة لوس أنجلوس بأمريكا،للمشاركة بفعاليات بطولة العالم للأولمبياد الخاصة، والفائز يتم اختياره من خلال التصويت والحصول على أعلى عدد من الأصوات.
فسارعت للمشاركة بصورة "أيمن"، وعملت مجموعة من النبرات وضعتهم فى مدخل مسكنهم، وأوصت حارس العقار بتعريف كل من يمر من أمام الصورة على بطولات أيمن، واصطحابه إلى شقتهم، لتبدأ هى بعرض حالة أيمن على من يزورها، ولا تتركه قبل أن يصوت له ليمثل الشرق الأوسط بالمسابقة، وكانت تسارع بالحديث لكل من يحمل بين يديه هاتف محمول، لدخول صفحات المسابقة للتصويت لأيمن، كانت محاولاتها جميعا تثير دهشة وضحك المحيطين بها، إلا أنها مل تيأس من تحقيق هدفها فى جعل ابنها بطل تفخر به محافظة الشرقية.
وجاء يوم إعلان نتيجة المسابقة، لتعلن الصفحة فوز أيمن سليم صبور بـ144 ألف صوت، ليمثل مصر والشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة 2015.
دور الدولة
تؤكد إيمان والدة "أيمن صبور" أنها لولا كونها ميسرة الحال، ولديها ما تستطيع إنفاقه على أبناءها، وحرصها على شراء أغلى وأفضل الملابس لهم، لكان أيمن وأمير ظلا ككثير من مماثليهم ممن يعانون من التوحد أو من ذوى الاحتياجات الخاصة، لا أحد يعلم شيئًا عنه، نظرًا لتجاهل الدولة دورها وواجبها اتجاههم وجميع الفئات التى تحتاج إلى رعاية خاصة.
وطالبت المسئولون بالعمل على رعاية هؤلاء الأطفال وتلك الفئات المحرومة من حقوقها، بأبسط الأشياء، وتنظيم احتفالات خاصة بتكريمهم حال حصولهم على بطولات عالمية، أو بطولات خاصة بالجمهورية نفسها.
> إنجازات
- عام 2010 شارك أيمن ببطولة ألعاب القوى، برياضة الجرى وحصل على المركز الرابع لمسافة 1800 متر، وكان أصغر المشاركين بالمسابقة.
- 2010 بطولة الجمهورية فى السباحة لمسافات 25، و50 مترًا، وحصد الميدالية الذهبية.
- 2012 شارك ببطولة الجمهورية وكأس مصر برياضة السباحة، وحصد الميدالية الذهبية.
- 2013 شارك ببطولة الجمهورية اللجنة البارالمبية برياضة السباحة، وحصد 4 ميداليات تنوعوا بين الذهبية والبرونزية.
- 2013 بطولة الألعاب الوطنية المؤهلة للبطولة العربية، مسافات 400 متر حر، و50 متر "فراشة"، وحصد ميداليتين برونزيتين.
- 2014 بالمشاركة كمثل للشرق الأوسط فى بطولة العالم للأولمبياد الخاصة بلوس أنجلوس 2015.
أخبار متعلقة :