كتب : شيماء جلهوم منذ 21 دقيقة
منذ تسميته رئيساً لحكومة ثورة 30 يونيو، والآمال تتصاعد حوله، الكل يرهن عبور المرحلة بقدرته ورؤيته الاقتصادية، فيما يتعامل معه آخرون باعتباره مؤقتاً مثل رئيس الدولة. يظهر فى حوارات وبخطابات عابرة، واسترساله فى الحديث ومحاولته الظهور بقوة نقلت عنه صورة مغايرة، رآها البعض تضارباً وتخبطاً وفشلاً فى القيادة، بينما اعتبرها آخرون «موضة قديمة»، لكن لا أحد ينكر جهده الملحوظ فى الملفين الأمنى والاقتصادى.
«الوطن» تضع الدكتور حازم الببلاوى رئيس الحكومة، تحت مجهر خبراء السياسة والطب النفسى وتعبيرات الجسد خلال «أصعب خمسين يوماً» فى عمره وعمر حكومته.
على المستوى السياسى نجح «الببلاوى» فى اجتياز أصعب فترة مرت على مصر منذ يناير 2011 وحتى الآن، حسب الدكتور وائل العراقى أستاذ العلوم السياسية بجامعة بورسعيد، الذى يقول إن «الببلاوى» تولى الحكومة خلال فترة من أخطر الفترات التى مرت على مصر وأكثرها صعوبة، مؤكداً أن حالة الانقسام التى تمر بها مصر داخلياً وخارجياً، إضافة إلى الترصد والتشفى فى أى خطأ هى أوضاع عمل كارثية بالنسبة لأى حكومة، مضيفاً أن فترة الخمسين يوماً «ليست كافية، خصوصاً إذا وضعنا فى الاعتبار أنه خلال أكثر من ثلثى المدة سيطرت على المشهد الحكومى مهمة فض اعتصام رابعة العدوية، فما بين خيارات التعامل السلمى أو الفض ظلت حكومة «الببلاوى» فى صراع مرير حتى أخذت قرارها.
أستاذ العلوم السياسية يؤكد أن أداء حكومة «الببلاوى» لم يكن على قدر المتوقع، فالمواطن العادى توقع أداء حكومة «الجنزورى» فأتى أداء «الببلاوى» مخيّباً للآمال، حيث تراجعت السياحة مع استمرار حالة التردى فى كل الوزارات، للدرجة التى جعلت بعض المواطنين يقارنون بين أداء بعض الوزارات قبل وبعد «مرسى»، خصوصاً وزارة التموين لتماسها الشديد مع المواطنين.
الدكتور أحمد عبدربه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأمريكية، أكد صعوبة تقييم أداء حكومة «الببلاوى» بسبب ما مرت به من أحداث أثرت على أدائها، لكنه قال إن الجانب الأمنى كان من أهم الملفات التى نجحت الحكومة فى حلها، إضافة إلى إعادة هيبة الشرطة، لكن تفوّق الحكومة فى الأداء الأمنى لا ينفى عنها التقصير الشديد فى الملفات الحقوقية والسياسية والاقتصادية «بشكل عام حكومة الببلاوى لم تقدّم أجندة اقتصادية، إضافة إلى اعتمادها الكامل على المعونات والمنح، كما زادت وتيرة ارتفاع الأسعار فى الفترة الأخيرة».
«عبدربه» يعيب على الحكومة أيضاً عدم شفافية سياساتها أمام الأحداث المأساوية فى فض اعتصام «رابعة»، وما حدث فى سجن أبوزعبل «تعاطى وزارة الببلاوى مع الملف السياسى كان أقل من المتوقع والمبادرات السياسية التى تدعو إلى التصالح عمل إيجابى، لكن من المفترض ألا يخرج من الحكومة، فمن المفترض أنها جهة تنفيذ، وإذا كانت ستقدم مبادرة، فعليها السعى لتنفيذها».
وأضاف «عبدربه» أن «عمر الببلاوى لم يمثل أزمة لأن ذهنه حاضر دوماً وقادر على الحركة بشكل يتماشى مع طبيعة مهامه لكن أزمته فى كيفية الإدارة وزمنها».
وعلى الجانب النفسى فى هذه الفترة الصعبة كانت شخصية «الببلاوى» «ثابتة وصلبة»، حسب الدكتور نائل السودة أستاذ الطب النفسى الذى يؤكد أن شخصية رئيس الوزراء واضحة المعالم ومحدّدة المفاهيم، لأنه يتفهّم جيداً مواضع الكلام، وأين يضع قدمه، وقادر على تخطى الصعاب والأزمات: «الببلاوى يستحق 8 من عشرة على مجمل أدائه الذى امتاز بفترة طويلة من ضبط النفس والقدرة على التعامل بأعصاب هادئة مع ما كان يدور من استفزازات يومية فى اعتصام رابعة العدوية، كما أنه لم يخضع للضغط الشعبى بفض الاعتصام بالقوة فى البداية، فهذا له دلالة واضحة على ثباته الانفعالى وثبات خطابه وقدرته على الوقوف بقوة أمام الضغط»، مؤكداً أنه بالإضافة إلى ذلك فقد أخذ رئيس الحكومة خطوات بنّاءة على الصعيد الدولى لتصحيح الصورة المغلوطة عن ثورة يونيو.
ويحلل «السودة» نفسية «الببلاوى»، مؤكداً عدم تكلفه، إضافة إلى اهتمامه بالآخر الذى يتضح من خلال اقترابه ممن يوجه حديثه إليه، وكأنه يحاول التقرّب إليه والتودد له لتوصيل المعلومة. ويعتبر «السودة» أن كل ما قيل عن كبر سن «الببلاوى» وعدم قدرته على الأداء بشكل جيد هو محض هراء «الرجل أثبت أن القدرة على العمل ليس لها علاقة بالسن»، مضيفاً أن المقارنة بين «الببلاوى» و«الجنزورى» غالباً لن تصب فى صالح «الببلاوى»، لأن «الجنزورى» كان يعمل فى ظروف أكثر مواءمة، مقارنة بالفترة الحالية، وإن كان كلاهما يتشابهان فى «الحكمة والحنكة السياسية والخلفية الاقتصادية والخبرة».
لغة الجسد فى حوارات «الببلاوى» وخطاباته احتلت مساحة قليلة فى محتوى التحليل النفسى، الذى أكدت الدكتورة هبة العيسوى أستاذة الطب النفسى وتحليل لغة الجسد، على ارتباط اللغة الجسدية بسنه التى تجاوزت منتصف السبعينات، وعمله السابق خبيراً اقتصادياً، وكوزير سابق.
«العيسوى» اعتبرت عدم قدرة «الببلاوى» على توجيه نظرات ثاقبة، بالإضافة إلى كونها نظرات غير موزّعة، دلالة قوية على الإحساس بالضعف، فتلك النظرات تبعد صاحبها عن الإحساس بالقوة الذى من المفترض أن يكون هو السائد لدى رئيس وزراء المرحلة.
الدكتورة هبة العيسوى تحلل خطابات وحوارات «الببلاوى» مركزة على عدة نقاط أهمها «أخطاؤه فى القراءة وتلعثمه أثناء قراءة أى محتوى أمامه يعكس حالة القلق والتوتر لديه إلى العامة خصوصاً قبل فض اعتصام رابعة العدوية».
وأضافت «العيسوى» أن «الببلاوى» يهوى «الرسائل الصامتة»، ومن خلال الإشارات القليلة والإيماءات البسيطة، التى تفسّر كأنها رسائل صامتة تعطى إشارة إلى بدء عهد جديد قائم على التغيير الدبلوماسى والإنسانى، الذى يتضح من خلال عناوين كتبه ومؤلفاته، حسب خبيرة التحليل النفسى: «عناوين كتب الدكتور حازم كلها لا تخرج عن سياق الإنسانية والتعيير المستقبلى والدبلوماسية، ويتضح هذا السياق أيضاً إذا علمنا أن الدكتور حازم لم يبدأ عمله خبيراً اقتصادياً على خلفية اقتصادية بقدر ما كانت على خلفية حقوقية».
حركات يد رئيس الوزراء قليلة للغاية، مما يجعله غير مؤثر فى المستمع، إضافة إلى عضلات وجهه الثابتة التى حرمته الجاذبية بحسب «العيسوى» التى تؤكد أن ملامحه لا يبدو عليها أى قدر من التفاؤل أو الأمل وإذا ابتسم فابتسامته «مصطنعة» نابعة من عضلات الفك ولا تحمل أى دلالة لعينيه، ونبرة صوت «الببلاوى» غير حاسمة ولا حازمة، فهى على وتيرة واحدة تبعث على الملل وتعطى انطباعاً بعدم الحزم.
حركات الرأس غالباً ما تحمل دلالة «كذب صاحبها» وهو ما تنفيه الدكتورة هبة العيسوى عن شخصية «الببلاوى»، فهو قليلاً ما يلجأ إلى تحريك رأسه ولديه قدرة دائمة على النظر فى أعين الناس مباشرة، مما يؤكد صدقه، البعض يعيب على رئيس الوزراء استكانته وهدوئه الذى يعتبرونه دلالة على التكبّر والغرور، ويزيد من ذلك حواجبه المرفوعة بشكل مستمر، لكن «العيسوى» ترفض هذه الدلالة بشكل قاطع، مؤكدة أن الهدوء والاستكانة أمور تعود إلى عامل السن، كما أن رفع الحواجب بشكل مستمر لا يعطى إيحاءً بـ«الكبر والغرور».
«العيسوى» تتذكر موقف الدكتور الببلاوى بالتزامن مع أحداث ماسبيرو وتقديمه استقالته بعدها، مؤكدة أن إنسانيته الطاغية ظهرت وقت فض اعتصام «رابعة» وإلحاحه على رغبته فى الفض سلمياً حتى آخر وقت بحسب «العيسوى»، التى أكدت أن هذه الإنسانية تبتعد كثيراً عن الضعف الذى يحاول البعض إلصاقه به.
وشبّهت «العيسوى» «الببلاوى» بالدكتور عصام شرف، مؤكدة أنهما من نفس الفصيلة التى يحبها الناس بلا سبب وإن كانت جاذبيتهما محدودة بعكس «الجنزورى» صاحب الجاذبية الشعبية الأولى فى مصر، حسب قولها.
أخبار متعلقة :