كتب : سماح حسن منذ 19 دقيقة
لا يتجاوز الأربعين من عمره، كلمة مستحيل لا مكان لها فى حياته، إنه الدكتور عصام حجى عالم الفضاء المعروف والمستشار العلمى للرئيس، يطلق عليه رجل المريخ، ويعد رمزاً للعديد من الشباب فى مصر، صنفته الجامعة العربية ومجلة «تايمز سنتبيتسبرج» الأمريكية كواحد من أهم الشخصيات الفكرية فى مصر والعالم العربى وهو فى التاسعة والعشرين من عمره، حصل عصام حجى على العديد من الجوائز العلمية تقديراً لدوره فى اكتشاف المياه على المريخ.
عانى مثل كثيرين من أبناء جيله من مشكلة البيروقراطية، وتعرض للفصل من جامعة القاهرة عام ٢٠٠٤ بسبب احتجاجه على اكتمال الإجراءات الإدارية، ليكمل رحلته العلمية فى الخارج ويصبح واحداً من ٨ علماء فى وكالة الفضاء الأمريكية، «ناسا»، مهمتهم استكشاف سطح المريخ، والتمهيد لنزول البشر عليه عام ٢٠٢٠، حصل على جوائز عديدة منها جائزة زكى عياد من جامعة القاهرة عام 1997، وأفضل مشروع بحثى لرسالة دكتوراه من جامعة باريس عام 2001، والجائزة الشرفية للأكاديمية الفرنسية للعلوم عام 2003.
لم يتردد لحظة فى الموافقة على قبول هذا المنصب فى ظل الظروف القلقة وغير المستقر التى تعيشها البلاد، وقرر أن يتحمل مسئوليته، مؤكداً فى حواره لـ«الوطن»، أن دوره هو تحقيق المستحيل وأن الديمقراطية دون تعليم وهم.
دعوت «محمد منير» للنزول معاً إلى القرى والنجوع بالمحافظات.. هو يغنى للناس وأنا أعلّمهم
* كيف ستدير ملف البحث الذى لا يقل أهمية عن ملفات سياسية أخرى؟
- نستطيع أن نظل نتناقش فيما مضى لسنوات طويلة لكن نستطيع أن نغير فى خلال 3 سنوات، لا بد أن ننظر إلى الأمام، لا بد أن نراعى المواطن البسيط ونراعى الطالب، وهذا ما يهمنى أكثر من أى شىء آخر، ومسألة التعليم هى من أولوياتى فى هذه المرحلة كما أن التعليم له القدرة فى تغيير أسلوب وحياة شعب بأكمله.
* كيف يمكننا أن نتعامل بالعلم مع مشكلة المياه، خاصة أننا نعرف أنها مشكلة سياسية بالأساس؟
- قضية المياه من القضايا المهمة فى حياتنا، على الرغم من أنها كانت من القضايا المهمشة، وقضيتنا الأولى هى المياه، وعندما جمع محمد مرسى الرئيس المعزول الأحزاب والساسة لمناقشة قضية المياه لم نجد عالماً واحداً فى هذا الاجتماع ليتحدث عن حلول علمية للمشكلة.
* كيف ستتعاملون مع مشكلة إنشاء سد إثيوبيا، وما التأثيرات السلبية على مصر من إنشائه؟
- نحن فى حاجة للوقوف على حقيقة تأثير السد على مصر، وتوجد دراسات وأبحاث أرسلها شباب مصريون مقيمون فى مصر بشأن مشكلة المياه فى مصر، ونجمع الآن الأبحاث، والدراسات لعرضها على رئيس الجمهورية، ليصدر توصياته النهائية، وسد إثيوبيا ليس الأول أو الأخير ولا نستطيع أن نمنع أى دولة من بناء سد لإنتاج الطاقة.
* هل أنت صاحب اقتراح وضع مادة فى الدستور المصرى لدعم البحث العلمى وعدم الاعتماد على الخارج فى المعونات وهل ستكون هذه المادة مجرد مادة فى الدستور أم سيتم تفعيلها بشكل حقيقى؟
- أنا صاحب اقتراح وضع المادة فى الدستور المصرى، واستقبلها رئيس الجمهورية بالترحاب، وهذه المادة ستساعد على أن تكون هناك قاعدة علمية فى مصر فى المستقبل، كما من الممكن أن تصبح مجرد مادة مكتوبة فقط لا تغنى ولا تفيد بشىء أو تكون مادة لها أهميتها ومعمولاً بها، وهذا يتوقف على الحكومة القادمة لدعم البحث العلمى، وهذه المادة تكون مخصصة من ميزانية الدولة لأننا نريد أن نخرج من اقتصاد مبنى على معونات ومن اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوى مبنى على التكنولوجيا والبحث والاختراع وأن يجد الحلول للخروج من مشكلاتنا الحالية.
* ما الخطوات الأولية التى تقوم بها كمستشار علمى للرئيس؟
- التقيت عدداً من العلماء، والتقيت وزير البحث العلمى وناقشنا العديد من القضايا المهمة، لكن عند الحديث عن مشكلة المياه لا بد من وجود ممثلين عن دول حوض النيل.
* ماذا عن مستقبلك العلمى بعد توليك منصباً وما خطتك فى عملك فى أمريكا؟
- مهمتى محددة بأشهر قليلة هى مدة خريطة الطريق، ولابد من وضع خطة للبحث العلمى، وعلى القادمين فى هذا المكان الالتزام بها ولابد أن نجهز الأساس لمن يأتى فى المستقبل لكى يستمر فى ملف التعليم والمياه، إلى أن نتخطى المرحلة الصعبة التى نعيش فيها، وكأننا فى عاصفة، فعلى الرئيس أن ينجّى هذا المركب، وعلينا فى هذه الفترة الانتقالية أن نعمل بضعف طاقتنا حتى نشعر بالاستقرار.
* كليات العلوم تعانى من التهميش ولا يوجد بها أى دعم على الرغم من أننا فى أمس الحاجة للعلم.. هل ترى أن الأنظمة السابقة السبب فيما آل إليه مجال البحث العلمى؟
- بالتأكيد كلنا كنا سبباً فى ما وصلنا إليه من أمية، وتفشى الجهل، وفترة حسنى مبارك الرئيس السابق كان كل أولوياتها إشغال المواطن بعيداً عن العلم أو التفكير، وأكبر دليل هو الاهتمام الزائد واختصار الهدف القومى فى مباراة كرة قدم وكنا نرى مدى الحزن والفرح على وجوه المصريين حال الفوز أو الخسارة وكأننا أمام مشكلة تؤثر على مصير المواطن المصرى، كما أن مسألة التوريث بدأت من المؤسسات الحكومية ومنها إلى الجامعات، فوجدنا أن الأستاذ يورث ابنه وحفيده أيضاً قبل أن يبدأ الحديث فى ملف توريث الرئاسة. وأرى أيضاً أن حكومة محمد مرسى الرئيس المعزول لم تعطِ التعليم حقه، بل انشغلت بالمناصب السياسية، وأوهمت الناس بالزهد وهى تفعل عكس ذلك. والحديث عن ديمقراطية دون تعليم وهم وسراب، يجب تطوير التعليم برفع الميزانيات، وتطوير المعلم، وما زلنا فى وهم مجانية التعليم، على الرغم من أن التعليم هو البند الأول فى ميزانية أى أسرة مصرية، وتنفق على التعليم المجانى أكثر بكثير لو كان التعليم بأموال، فلابد من إيجاد حل لمشكلة التعليم، ويجب أن تكون أفخم المبانى فى مصر هى المدارس الحكومية، وكان لى لقاء مع وزير التخطيط وتحدثنا عن بناء مدراس فخمة ليس فى القاهرة فقط بل فى القرى أيضاً. فالشعب المصرى يدفع تبرعات أكثر مما يدفعه للضرائب، وهذه مسألة غريبة ناتجة عن عدم ثقة المواطن فى الحكومة، وإذا لم نساعد مصر الآن، فسنواجه بعد عام مشكلة وربما كارثة فى المياه، والنيل هو المورد الأساسى فى حياتنا ولابد من فهم مشكلة مياه النيل.
* ماذا تعنى السياسة بالنسبة لك وما تأثيرها على كونك المستشار العلمى للرئيس؟
- المستشار العلمى هو منصب منزوع الانتماءات السياسية، وأنا ليس لى أى علاقة بالسياسة، ولم تزعجنى هذه المسألة، كما أرى المستشار العلمى كالطبيب الميدانى يعالج المرضى دون الخوض فى انتماءاتهم السياسية، كل همّه أن يعالجهم فقط
* متى ستتحقق الديمقراطية فى مصر؟
- ما يهمنى هو المواطن المصرى وأن يجد لقمة عيشه، وتعليماً وحياة جيدة، لا توجد ديمقراطية دون تعليم، ولا أمن فى وجود جوعى وفقراء، وهذا هو الهدف الأول فى البحث العلمى، ومسئوليتى أن أحقق المستحيل، لأننا فى «ناسا» نحقق المستحيل والصعب، وأنا هنا لتحقيق ما هو صعب ومستحيل، وهو إيجاد حياة كريمة للمواطن المصرى من التعليم، فالأسرة المصرية تدفع فى تجهيز ابنتها للزواج أكثر بكثير من تعليمها والشاب مستعد أن ينفق 20 ألف جنيه شبكة وغير مستعد أن يدفع ألف جنيه فى التعليم. ومصر تحاول أن تخطو خطوة للأمام، وتحارب العدو الأكبر وهو الجهل، والأحداث التى تشهدها مصر الآن نتاج الجهل المتراكم منذ سنوات ماضية.
المشهد الذى تعيشه مصر، يعود لعدم قدرتنا على الاتفاق، فمصر تعيش مشهداً ساذجاً للديمقراطية، بمعنى أنه إذا اجتمعت الأغلبية على رأى نعتقد أن هذا هو الديمقراطية وأننا فى طريقنا فى الاتجاه الصحيح وهذا ليس صحيحاً، نحن فى معركة أمام أنفسنا وأمام الجهل والتعصب وهذا يأتى بالحوار وأن نسمع بعضنا.
وعلينا أن نعالج الإحباط المتراكم لدى الشباب، فلا يمكننا أن نبنى بلداً فى ظل الإحباط، والعالم سيحترمنا عندما نبدأ فى إنشاء مصانع، ولابد من تركيز الإعلام على أهمية العلم، وأن نناقش أسباب مشكلاتنا، وعلينا أن نواجه العادات الخاطئة فى مجتمعنا، نواجه الصندوق الأسود الذى نرفض فتحه، وهى إصلاح العلاقة بين الرجل والمرأة فى المجتمع المصرى، وللأسف المجتمع المصرى الآن أكثر تعصباً ولابد من زرع التسامح فى كل شىء فى حياتنا ابتداءً من البيت إلى الجامعات.
* هل كنت محبطاً وعانيت الكثير فى الجامعة وما الدور الذى تقوم به ليتفادى الشباب هذه المصاعب؟
- أنا رأيت كل ألوان الظلم، لكنى لم أحبط وكنت أكافح، وهناك اقتراح بتكوين مجلس علماء مصر برئاسة رئيس مصر، وأن يكون له أمين عام من أحد العلماء المصريين، وأن يكون هذا المجلس على اتصال بالرئاسة، لنقل كل المشكلات لتخطى هذه المرحلة العصيبة، ولابد من تعاون القوات المسلحة فى بناء مدارس مناسبة للطلاب، وطموحى فى الحياة كان بسيطاً جداً، كان كل هدفى فى الحياة أن أحصل على دبلومة فى علوم الفضاء لأنه الشىء الوحيد الذى كنت أحبه، كما أننى منذ الصغر كنت أصنع طائرة وصاروخاً من الورق، وكان هذا كل اهتماماتى.
* هل يتوقف دور العالِم على رسالاته العلمية فقط أم له دور فى العملية السياسية أيضاً؟
- العالِم لا يجوز أن يلعب سياسة، لأنه مثل الطبيب ولا تعنينى انتماءات من يحيطون بى ولا أريد فى أى لحظة أن ألعب دوراً سياسياً.
الشاب المصرى مستعد لأن ينفق 20 ألف جنيه على «الشبكة».. وغير مستعد لدفع 1000 جنيه من أجل التعليم
* كيف ترى المشهد الآن فى مصر؟
- مصر تخبطت كثيراً، ولابد من النهوض مرة ثانية، وأنا ضد تشبيه مصر بأى دولة، مصر لها تاريخ معروف ولا تتشابه مع أى دولة فى العالم.
* ما أهم ما لاحظته فى قربك من الرئاسة؟
- أهم شىء وجدته فى مؤسسة الرئاسة خاصة مع الرئيس عدلى منصور هو ترشيد الاستهلاك وعدم وجود الرفاهية، من السيارات والسفريات بشكل كبير وملحوظ لنا جميعاً كمستشارين.
* المشهد الخارجى له أهمية لا تقل عن المشهد الداخلى فى مصر فكيف ترى هذا؟
- الخارج له رؤية للديمقراطية فى الشرق الأوسط، رؤية ساذجة وغير صحيحة نهائياً وأنا لا يهمنى رأى العالم الخارجى فينا.
* هل هناك إمكانية فى استعارة الأساتذة والعلماء المقيمين فى الخارج وكيف نرتفع بالعالم المصرى؟
- اتصلت بالعديد من العلماء المصريين سواء غير المعروفين على الساحة الإعلامية أو المعروفون، منهم الدكتور فاروق الباز والدكتور أحمد زويل وغيرهما من الشباب ووجدت الكثيرين متحمسين لمساعدة مصر بأى شكل من الأشكال سواء عن طريق إرسال الأبحاث والدراسات أو عقد مؤتمرات فى مصر، أما بالنسبة للشباب العلماء الموجودين فى مصر فهم بالنسبة لى أهم لأنهم عانوا الكثير، وبالفعل سنتعاون معهم للاستفادة من خبرتهم العلمية.
* ما الفترة التى ستأخذها مصر لحل المشكلات العلمية والبيئية ومتى ستدخل فى منطقة الخطر إذا لم تحل هذه المشكلات؟
- ما تراكم فى سنين عديدة صعب أن يحل فى أيام أو شهور، ولابد من أن نغير طريقة تفكيرنا، هذا هو الأهم، لكننا سنكون فى منطقة خطر إذا لم تحل مشكلات المياه فى غضون عام من الآن، وحل المشكلات التعليمية لا بد أن يكون خلال 3 سنوات على الأكثر لأننا سندخل فى نفق مظلم بعدها.
* هل تجد أن فروق التعليم الشاسعة ستؤثر على المدى الطويل بين الجيل الواحد وما حل هذه المشكلة؟
- بالتأكيد فروق التعليم فى مصر كبيرة، ومختلفة وتنتج فروقاً شاسعة بين المواطنين، لذلك لا بد أن ننهض بالتعليم الحكومى لأنه هو مستقبل مصر.
* هل ترى أننا مؤهلون للديمقراطية؟
- إن الديمقراطية لا يصلح تطبيقها مع شعب مريض يعانى من التلوث، والدولة تنفق 2.9 مليار جنيه سنوياً على علاج الناس من الأمراض، وإذا أنفق نصف هذا المبلغ على تنظيف البيئة والقضاء على تلوث المياه والهواء سنعيش فى بيئة نظيفة ولن يصاب المصريون بكل هذه الأمراض، لا أحد يملك «عصا سحرية» لحل المشكلات التى نعانى منها، وعلينا جميعاً مساعدة الرئاسة لإحداث التغيير، بأن يمتلك كل مصرى إرادة على أعلى مستوى لتحقيق ذلك، والبيئة الملوثة لن تحقق العدالة الاجتماعية.
* هل ترددت فى قبول المنصب باعتباره سيعطلك عن عملك فى «ناسا»؟
- عندما أعلنت مصر احتياجها لى، جئت راضياً، أحلم بتغيير التعليم فى مصر، ولدىّ خطط وآمال عريضة نرجو جميعا أن نتمكن من تحويلها إلى واقع ملموس فى أقرب وقت ممكن، كما أن هناك بعض الناس المقربين منى كانوا قلقين على تولى هذا المنصب فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها مصر.
«البحث العلمى والدستور» وضع مادة للبحث العلمى فى الدستور ستساعد على أن تكون هناك قاعدة علمية فى مصر فى المستقبل، كما من الممكن أن تصبح مجرد مادة مكتوبة فقط لا تغنى ولا تفيد بشىء أو تكون مادة لها أهميتها ومعمولاً بها، وهذا يتوقف على الحكومة القادمة لدعم البحث العلمى، وهذه المادة تكون مخصصة من ميزانية الدولة لأننا نريد أن نخرج من اقتصاد مبنى على معونات ومن اقتصاد ضعيف إلى اقتصاد قوى مبنى على التكنولوجيا والبحث والاختراع وأن يجد الحلول للخروج من مشكلاتنا الحالية.
* مع الموقف السياسى الحاد الذى تتخذه أمريكا ضدنا هل ترى أنها ستقف معنا فى مسألة البحث العلمى والنهوض بالتعليم فى مصر؟
- هذه المسألة لا تعنينى فى شىء لأن على الحكومة المصرية أن تهتم هى بشأن البحث العلمى والتعليم ولسنا بحاجة إلى الدول الأجنبية لأننا لدينا طاقات مهدرة كثيرة.
أخبار متعلقة :