جوهر الإنسان بقلم منال بوشتاتي
نربط دائما مصطح الإنسان بالإنسانية كون هذه الأخيرة لا تليق إلا بذلك الذي يمتلك عقلا ووعيا أما الحيوان لا يمكن أن نطلق عليه صفة الإنسانية حتى لو تم اعتباره مجرد حيوان أليف فمثلا لو أخذنا مشهد كلب أليف يطيع مروضه ، وفجأة زار هذا الأخير ضيفا غريبا عن الكلب في نظرك كيف يمكن أن تجد ردة فعله؟ مما لا شك سيطلق نباحه الحاد ويحاول عض الضيف ولن يصمت إلا بإشارة من سيده الذي روضه أما لو أخذنا مشهد الإنسان (ة) الذي يصادف غريبا لأول مرة في بيت قريب له ، فلاريب في أنه سيعامله معاملة طيبة طالما هو نقي الروح على العكس من ذاك المتعجرف الأناني الذي يشبه الحيوان إذ لا يستطيع التعايش إلا مع المقربين بينما الجدد يعاملهم معاملة جافة ويرفض التعرف عليهم كونهم لايليقون بمستواه إلى حد أنه يمتنع أحيانا عن إلقاء تحية السلام إلى جانب ذلك تجد نماذج أخرى مختلفة فمثلا لايغسل الغير يديه قبل الطعام فيما يحك أذنه ثم يقطع الخبز ويشرع في التهام الطعام ولايحترم شعورك
فما الذي يجعلك تعطي الإنسان صفة الحيوان أحيانا بينما تجد الحيوان يظل حيوانا وإن كان أليفا ؟ أليس لأنه لايمتلك وعيا مثل الشخص ؟ ذلك الذي ميزه به الله عن الحيوانات ورغم هذه النعمة الكبيرة تجده يدفن وعيه في مقبرة الظلام ليتصرف بطريقة همجية أحيانا
دعونا نتأمل نظرية كوجيف : الإنسان وعي بذاته إنه واع بكرامته الإنسانية وحقيقته في حين الحيوان لايتجاوز مستوى الإحساس بذاته وفي سياق آخر بحث أرسطو عن أجوبة الدعوة الشهيرة التي وجهها سقراط للإنسان كي يعرف نفسه بنفسه فيما وصل إلى ذروة الجواب من خلال مقارنته لما يتقاسمه الإنسان من خصائص بيولوجية مع الحيوان : التغذية التنفس الحركة التوالد ومايتميز به من عقل وتفكير لكن الأطفال والحمقى لايشملهم هذا التعريف علما أن تفكير الأطفال لايبلغ قمة المسؤولية وينحصر في أحلام الطفولة البريئة ولايمكن أن يخطط الطفل بجدية للمستقبل أويختار مايريد بسرعة وفيما يخص الحمقى أعتقد أنهم يتصرفون تبعا لإرادتهم التي اعتبرها شبونهاور نواة وجود الإنسان إذ يتقاسمها الإنسان مع باقي الكائنات الحية فمثلا عندما يجوع الأحمق فمن البديهي أن يبحث عن الطعام لأن رغبته تقر بالجوع ،ولهذا يريد تناول أي شيء ليسد جوعه إلا أن إرادته هذه التي تبقى ثابتة ولاتتغير حتى عندما يشيخ أويهرم لا تجعله يفكر بصواب ونظرا لذلك يستيطع أن يؤدي الآخر متى شاء واستنتاجا لذلك نلتمس العذر للطفل إذا صدرت عنه شقاوة ونتجاوز أيضا سخرية المجنون وقد يصل به الجنون إلى رشقنا بحجارة حين نكون سائرين في الطريق ، ورغم الألم الذي تسببه لنا لايمكن أبدا أن نسجل ضده شكوى وحين يهاجمك عدوك فأنت قبل أن تسلك طريق القانون في حالة ترك أدلة على هجومه تدرك أنه يكرهك ويفعل كذا وكذا لأنه يحقد على نعمك القديمة أو الجديدة التي ظهرت فيحاول الاستلاء عليها وإذا عجز عن تنفيذ مخططاته السوداء طعنك في وجهك في لحظة لا واعية وإذا سيطر على أفعاله فحثما سيدس لك المكائد في صمت ورغم يقينك بشره لا تقوى على اتهامه لكنك ستصلي ركعتين وتشكو وجعك لله وترفع قضيتك للعدالة السماوية
في جميع الأحوال فهمنا أننا نستطيع أخذ حقوقنا بطريقة لاتجعلنا ننزل إلى مستواه العدواني إذ لا نختار إخراج جانبنا الأسود في الوهلة الأولى طالما لسنا مضطرين إلى الدفاع عن ذواتنا بشكل مباشر مثل اللحظة التي يحاصر فيها مجرم أنثى ويحاول اغتصابها فهنا إذا وجدت شيئا أمامها ستضربه لتدافع عن شرفها ، لكن ماذا تفعل ياصديقي الإنسان إذا وجدت الانقلاب وتسديد الاتهامات من شخص كان سندك في الأفراح والأحزان حيث أنه لايقبل أن يراك تبكي فيعاتب كل من يتسبب في إسقاط دموعك ماذا تفعل مع إنسان (ة) أشعرك أنه يعزك كثيرا بلا مقابل محبة خالصة في الله واحترمك احتراما تعجز المصطلحات عن وصفه ثم وقف إلى جانبك من تلقاء نفسه في أوقات الصعاب أيعقل أن يختفي لسنوات فتلتمس له العذر وتظل ممتنا لتصرفاته النبيلة إذ تذكره لكل أصدقائك صديقاتك واصفا لإنسانيته النبيلة وتدعو معه في غيابه وترجو له السعادة كونه قدم لك التضحية التي يمكن أن يقدمها شقيقك ومن المستحيل أن تصدر تلك المعاملة الطاهرة عن غريب ؟ بعد سنوات من الغياب يأتي وتحي معه بفرح ذكريات الصداقة لا بل القرابة العائلية بكثرة ما اعتبرته قريبا عزيزا وأحببت روحه الصافية في الله واحترمته احتراما نقيا وبعد كل هذا يطعنك بطريقة لا يتقبلها العقل ؟ يسمع عنك إشاعات من عدوك يعطيه فرصة النميمة فيكرهك وهو غير متأكد وحتى لو أننا افترضنا تلك الأقاويل صحيحة أراها شخصية ولايحق لأي كان أن يكره غيره على أغلاطه الذاتية ! كيف لإنسان (ة) رأى فيك أطيب الصفات أن يصدق سيناريهوات شفهية فاشلة فيسمح لنفسه بإطلاق تعليقات سيئة في غيبك ويستغلها فرصة ليقطع عنك صلة التواصل فيرجع بعدها ويشك في براءتك ويعتقد أنك تخطط لهدم حياته وبلا تردد يهاجمك ويعاتبك عتابا حادا على أخطاء لم ترتكبها تكبح غضبك وتحاوره بلطف وتعتبر هجومه عليك صدر عن لاوعي ورغم ذلك يسقطك من عينه كما نسقط الحشرة التي تحط قدميها على جفوننا فنسرع إلى إبعادها متأففين منها خشية من أن تصيبنا بمكروبات
أصعب لحظة هي تلك الذي مد لنا فيها يده في أيامنا السوداء فيكون نفسه هو الذي يعضها ظنا منه أننا غير صالحين أو ربما يضطر لأسباب غامضة !!!
جميل أن يمضي الإنسان إذا أراد ذلك ولاحرج في أن ينغلق على ذاته ويختار حياته الجديدة بعيدا عنك لكن على الأقل كان عليه أن يختفي بأناقة كما فعل من قبل فذلك أرحم من أن يرميك بالاتهامات ويدعي بعدها أنه صدقك ثم يهرب منك بطريقة غير مباشرة وكأنك تتسوله أوتسعى إلى نشر السم في ذاته
تجد نفسك لا تتحمل سلوكه المتغطرس وبقدر ما تفرح أنك اكتشفت مكانتك الحقيقة في قلبه بقدر ما تتألم لأن الطعنة جاءت من شخص لم تكن تتخيل أنه يقدر على إهانة كرامتك بشكل لا يقبله المنطق ! يترك لك موجعات غائرة في ذاكرتك وشعورك موجعات لن تنجح العقاقير في علاجها وربما الحل هو النسيان فكيف لك أن تنسى والجرح مازال نزيفا فربما كلمة حسبي الله كفيلة بأن تطفئ نيران الخيبة لكنك لا تقدر على انتظار عقابه كونه ساندك ذات يوم وبين خيره وأنانيته تختار أن تمسح حسناته السابقة سيئاته الجديدة فتسامحه مع أنه لم يفكر هل حالتك الصحية مازلت متدهورة أم استعادت عافيتها لتتقبل هذه الإساءة ؟هل نفسيتك في حالة ترحب بالمعاملة السيئة ؟ وإذا تجاوزت ذلك هل تستطيع أن تتأقلم مع ذلك أم أن ذلك يزيدها عذابا ؟
منال بوشتاتي