يؤكد الخبراء أن قدرات الذاكرة لدى الأطفال تتأثر بعوامل رئيسية عدة، منها المهارات الدراسية، والمشاركة في الفصول الدراسية، وقدرات المعلمين، إلى جانب عنصر بالغ الأهمية، ألا وهو النظام الغذائي الخاص بالطفل.
وتفصيلاً، يرتفع تأثير عامل النظام الغذائي بشكل كبير مع وصول الطفل إلى سن الدراسة؛ إذ يصبح تأثير التغذية على الأداء المعرفي واضحًا بشكل جلي، بحسب تأكيدات العلماء، وعلى رأسهم مات كوتشان، العالم والرائد العالمي في مجال استكشاف الشراكة بين شركة الرعاية الصحية "أبوت" ومركز تعليم التغذية والذاكرة في جامعة "إلينوي"، حسب "سبوتنيك".
وتلعب العناصر الغذائية التي يحصل عليها الطفل من خلال الطعام دورًا كبيرًا في إنشاء الروابط العصبية للدماغ وإشارات الخلايا وبنيتها الأساسية، أي إن جودة الأطعمة لها تأثير مباشر على "كل شيء بدءًا من سهولة التعلُّم وصولاً إلى تحسُّن درجات الاختبارات".
ويؤكد المقال المنشور في مجلة "webmd" أن الأطفال ربما لا يحصلون على الفيتامينات والعناصر الضرورية من خلال وجباتهم الغذائية عند وجود بعض المشكلات، مثل عدم وجود وجبات منتظمة، أو امتناع الأطفال عن تناول الطعام، أو الحالات الطبية المزمنة؛ لذلك من الضروري منح المكملات أحيانًا.
وبحسب المقال الطبي المنشور في صحيفة "usnews" الأمريكية، توجد 5 عناصر غذائية، يجب أن يحصل عليها الأطفال مع بداية العام الدراسي، تُعتبر مهمة جدًّا للصحة والأداء الإدراكي للطفل، هي:
1- اللوتين والزياكسانثين لدعم الأداء الأكاديمي
علميًّا وكيميائيًّا، يُعتبر كل من اللوتين والزياكسانثين نوعَين مختلفَين من هذه العناصر الغذائية، لكن هما من صنف الكاروتيناتن، وهي أصباغ نباتية ذات خصائص قوية مضادة للأكسدة.
ويؤكد كوتشان أن هذين العنصران يلعبان دورًا كبيرًا في "دعم الذاكرة وتحسين سرعة وكفاءة المعالجة، وربما يؤثران أيضًا على الأداء الأكاديمي، خاصة عند تناولهما معًا".
ووجدت إحدى الدراسات التي أجراها مركز تعلم التغذية والذاكرة أن زيادة تناول اللوتين والزياكسانثين تحسِّن بشكل كبير سرعات المعالجة البصرية لدى الشباب.
وتعتبر الخضراوات ذات الأوراق الخضراء الداكنة، مثل السبانخ واللفت، مصادر رائعة للوتين، كما تعتبر الطماطم غنية باللوتين أيضًا. وإضافة إلى ذلك، يحتوي البيض والذرة والكيوي والعنب والبرتقال والكوسا على الكثير من كل من اللوتين والزياكسانثين.
2- الدهون غير المشبعة
قدَّم المقال حقيقة علمية، لكنها ممتعة أيضًا، هي أن دماغ الإنسان يتكون من 60 % من الدهون؛ وهو ما يفسر سبب كون تناول الدهون الصحية، خاصة الدهون غير المشبعة أو "الجيدة"، مفيدًا جدًّا للتطور والأداء المعرفي خلال جميع مراحل الحياة، بما في ذلك الطفولة، بحسب تأكيد اختصاصية التغذية في كولومبيا إيلانا ناتكر.
وفي دراسة سويدية، أُجريت عام 2016، أدى تناول المكملات التي تحتوي على أحماض أوميغا 3 وأوميغا 6 الدهنية إلى تحسُّن كبير في مهارات القراءة لدى الأطفال، مع تحقيق أفضل النتائج لدى أولئك الذين يعانون صعوبات في الانتباه.
وتُعتبر المكسرات والبذور والأفوكادو وزيت الزيتون مصادر كبيرة للدهون غير المشبعة. لكن لسوء الحظ، يصعب الحصول على حمض "أوميغا 3" الدهني (DHA)، وهو مكوِّن هيكلي رئيسي في دماغ الإنسان؛ لذلك ربما يحتاج إلى مكملات، لكنه موجود بأسماك السلمون والتونة بشكل جيد.
3- الأنثوسيانين.. يزيد تدفق الدم إلى الدماغ
أشارت الخبيرة ناتكر إلى أن "الأبحاث أكدت أن بعض أنواع البوليفينول، مثل الأنثوسيانين، وهي المغذيات الكامنة وراء الصباغ الأرجواني والأزرق في الفواكه والخضراوات، قد تدعم صحة الدماغ".
ووجدت دراسة، نُشرت عام 2017 في المجلة الأوروبية للتغذية، أن الذكور الأصحاء في سن الدراسة الجامعية الذين شربوا عصير العنب بنسبة 100 % قبل الخضوع لاختبارات معرفية قائمة على الانتباه كان أداؤهم أفضل مقارنة بأولئك الذين شربوا دواء وهميًّا بالكمية نفسها من السكر، لا يحتوي على الأنثوسيانين.
وتقول ناتكر: يتوقع العلماء، لكنهم لم يتأكدوا، أن هذا يحدث بسبب خصائص الأنثوسيانين المضادة للأكسدة، ومقدار قدرتها على تعزيز تدفق الدم بشكل عام، بما في ذلك الدماغ.
ويعتبر العنب والتوت -وهما طعامان رائعان لدماغ الأطفال- من المصادر الطبيعية الجيدة للأنثوسيانين، في حين أن عصير الفاكهة، خاصة عصير الفاكهة الطبيعي بنسبة 100 %، يحتوي عليه أيضًا.
4- الكولين.. معالجة معرفية عالية
يُعتبر هذا العنصر -بحسب المقال- مقدمة لإنشاء العديد من النواقل العصبية التي تسمح بمعالجة معرفية عالية في الدماغ. والكولين أمر حيوي للتطور المعرفي ووظيفة الذاكرة، كما توضح ناتكر.
وأظهرت الأبحاث منذ فترة طويلة أن مستويات الكولين لدى النساء أثناء الحمل تؤثر بشكل كبير على الصحة الإدراكية لأطفالهن في المستقبل، ولكن الأبحاث في المجلة الأمريكية للتغذية السريرية تشير إلى أنه في الأطفال الذين تبلغ أعمارهم 5 سنوات قد تستمر مكملات الكولين في تحسين الوظيفة الإدراكية لديهم.
وتحتوي الفاصوليا واللحوم العضوية على نِسَب عالية من هذا العنصر، لكن البيض يحتوي على المزيد من هذه العناصر الغذائية الفريدة، وهو أكثر ملاءمة للأطفال.
5- "فيتامين هـ".. للتعلم المعقد
يقول كوتشان: "يوجد فيتامين هـ في كل أجزاء الدماغ المرتبطة بالذاكرة، والرؤية، والسمع، وتطور اللغة، وحتى التعلم المعقد". ويتابع العالم الشهير: "إنه أحد أقوى العناصر الغذائية المضادة للأكسدة، وقد ثبت أنه يعمل كمكمل للوتين في حماية الـDHA، وهو أحد الأحماض الدهنية أوميغا 3 الحيوية للوظيفة الإدراكية".
وأشار المقال إلى أن أفضل المصادر الطبيعية للأطفال هي البيض وبذور عباد الشمس واللوز والبندق والفول السوداني والبروكلي؛ إذ تعتبر جميعها مصادر رائعة لـ"فيتامين هـ".
ونصح كوتشان بقراءة الملصقات على عبوات الطعام التي تحتوي على عبارات ورموز "d-alpha-tocopherol" أو "rrr-a-tocopherol"، وهي رموز لفيتامين هـ الطبيعي، وهي أفضل من المصادر الاصطناعية.