وثق التاريخ ما فعلته امرأة مسلمة عاشت حياة البذخ والترف، ربما لم يعشه إنسان على وجه الأرض، فقد قام على خدمتها أكثر من 300 جارية وضعفهم من الرجال، إنها "زبيدة بنت جعفر المنصور"، زوجة هارون الرشيد لقبت بزبيدة لأن جدها كان يناديها يا "زبيدة" وذلك لشدة بياضها ونضارتها، كانت ابنة خليفة وزوجة خليفة وأم خليفة، تزوجت من هارون الرشيد سنة 165هـ، وحتى اليوم والحجاج يدعون لها عبر السنين لما قدمته من إنجازاتٍ عظيمةٍ للمسلمين وأبرزها السقيا.
السقاية
يذكر المؤرخون أن زوجة أمير المؤمنين هارون الرشيد نوت الحج عام 186هـ، فقد أدركت زبيدة أثناء حجها مدى الصعوبات التي تواجه الحجاج خلال طريقهم إلى مكة من نقص المياه، وما يعانونه من جراء حملهم لقِرَب الماء من تعب وإرهاق وكان الكثير منهم يموتون من جرّاء ذلك، فأمرت "زبيدة" بحفر قنوات مائية تتصل بمساقط المطر واشترت جميع الأراضي في الوادي، وأبطلت المزارع والنخيل وأمرت بأن تشق للمياه قناة في الجبال.
وأثناء مرور القناة بالجبال، جعلت لها فتحات لأقنية فرعية أقامتها في المواضع التي تكون متوقعة لاجتماع مياه السيول لتكون هذه المياه روافد تزيد في حجم المياه القادمة إلى مكة المكرمة عبر القناة الرئيسة وتصب في القناة الرئيسة، كما أمرت "زبيدة" أن تدار القناة على جبل الرحمة وأن تجعل منها فروعًا إلى البرك التي في أرض "عرفة" ليشرب منها الحجاج يوم "عرفة"، وهيأت الأماكن الخاصة لذلك لكي يشرب الحجاج منها بكل يسر وسهولة، ثم أمرت أن تمتد القناة من أرض عرفة إلى خلف الجبل إلى منطقة يسميها أهل مكة "المظلمة".
إنفاق أموال وجواهر
أنفقت زبيدة الكثير من أموالها وجواهرها لتوفر للحجاج المياه العذبة والراحة، وتحميهم من كارثة الموت، وبعد أن أمرت خازن أموالها بتكليف أمهر المهندسين والعمال لإنشاء هذه العين، أسر لها خازن أموالها بعظم التكاليف التي سوف يكلفها هذا المشروع، فأمرته بالعمل وقالت له عبارتها الشهيرة "اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينار".
وقد بلغ طول هذه العين 16 كيلو مترًا، وبلغ مجموع ما أنفقته زبيدة على هذا المشروع 1,700,000 دينار ذهبي عيار 24، أي ما يساوي 7 ملايين جرام ذهب عيار 24 وبسعر اليوم فالجرام قيمته 45 دولارًا تقريبًا، فيكون المجموع 326 مليون دولار أمريكي أي ما يوازي 1.2 مليار ريال.
أخبار متعلقة :