عامًا بعد عام تتزايد الآثار السلبية الناجمة عن أزمة المناخ العالمي؛ بسبب تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وحدوث ما يُعرف بالاحتباس الحراري الذي يتوقع العلماء أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على كوكب الأرض، ومن ذلك اندلاع الحرائق بين الفينة والأخرى في مختلف أنحاء العالم، منها حرائق الغابات في عدد من الولايات الأمريكية، وحرائق أستراليا.. بل لقد شاهدنا في عالمنا العربي بعضًا من هذه الحرائق في سوريا ولبنان. وكل ذلك نتيجة الاحتباس الحراري، وجفاف الأشجار والنباتات بسبب الارتفاع غير العادي في درجات الحرارة!!
وهناك تغيُّر حاد في الدورات المناخية حول الأرض؛ ما أدى إلى ظواهر غير معتادة، مثل تزايد الأعاصير والعواصف الاستوائية في منطقة المحيط الأطلسي، والأعاصير في آسيا حتى وصلت إلى سلطنة عُمان، وحدوث فيضانات خطيرة حول العالم مثل فيضان النيل في السودان، التي جاءت بسبب ارتفاعات قياسية وغير مسبوقة في منسوب المياه، وذوبان الكتل الجليدية في القطب الجنوبي.
ومن المعلوم أن هناك أسبابًا سياسية تقف خلف إنكار خطورة أزمة المناخ العالمي، والزعم بالمبالغة في ذلك، ولاسيما أن كل المؤشرات المناخية والبيئية تشير إلى وجود أزمة مناخ حادة بالفعل، لا بد من مواجهتها قبل فوات الأوان. وأبرز هذه الأسباب الرغبة في خدمة وحماية مصالح اقتصادية عظمى لبعض الدول!! وهذا ما حدا بالرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) للانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، لكن الرئيس الأمريكي الحالي (جو بايدن) أعاد الولايات المتحدة إلى هذه الاتفاقية.
وبمناسبة اليوم العالمي للأرض عُقدت يوم أمس قمة المناخ العالمية من واشنطن (افتراضيًّا)؛ بسبب جائحة كورونا، وحضرها قادة نحو أربعين دولة، وسعت إلى خفض انبعاثات الكربون المؤدية إلى الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030م. وقد وضع (بايدن) بلاده على الخطوط الأمامية في مكافحة الاحتباس الحراري. وهذا جيد -ولا شك- لمواجهة أشرس تحدٍّ يواجه البشرية، وهو "أزمة المناخ العالمي" التي ساهمت الدول الصناعية الكبرى بقدر هائل في صنعها؛ ومن العدل أن تتحمل هذه الدول النصيب الأكبر في تكاليف مكافحتها!!
وقد أبدت القوى الرئيسة المشارِكة في قمة المناخ، التي تمثل مجتمعة ثمانين في المئة من الانبعاثات العالمية لغاز ثاني أكسيد الكربون، تجاوبًا في التعاون لحل هذه الأزمة؛ إذ أكدت الصين -وهي أكبر مصدر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري- رغبتها في "التعاون" لمكافحة أزمة المناخ مع الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر مصدر للانبعاثات الضارة فوق الكوكب.
وقد شاركت المملكة العربية السعودية في هذه القمة العالمية، وألقى مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -كلمة مهمة، أكد فيها ضرورة وأهمية رفع مستوى التعاون الدولي في حل أزمة المناخ العالمي التي تهدد الحياة على كوكب الأرض وفق منهجية شاملة ورؤية ثاقبة، تراعي تنوع واختلاف الظروف التنموية حول العالم.
وأشار ملكنا المفدى - حفظه الله - إلى الاستراتيجية الوطنية للبيئة، ومشاريع الطاقة النظيفة التي تتبناها رؤية السعودية 2030. وأشار خادم الحرمين الشريفين - أيده الله - في كلمته إلى ما اتخذته السعودية العام الماضي أثناء رئاستها مجموعة العشرين من الدفع إلى تبني مفاهيم الاقتصاد الدائري للكربون، وإطلاق مبادرتين دوليتين للحد من تدهور الأراضي وحماية الشُّعب المرجانية.
كما أشار إلى مبادرتَي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر اللتين أعلنهما مؤخرًا سيدي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله -، وتهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من (10٪) من الإسهامات العالمية، وزراعة خمسين مليار شجرة في السعودية ومنطقة الشرق الأوسط للحفاظ على البيئة، وتحسين جودة الحياة لجميع شعوب المنطقة.
وفي الحقيقة، إن جهود مملكة الخير في سبيل المحافظة على البيئة تُذكر فتُشكر؛ لأن المملكة العربية السعودية دائمًا ما تبرهن اهتمامها والتزامها بالتعاون مع جميع دول العالم في مكافحة التغير المناخي لحماية البيئة وتسليم مواردها المستدامة للأجيال القادمة!!غسان عسيلان