خطوة موفقة لجأت إليها شركة البحر الأحمر وهي تقوم بتنظيم لقاء "تفاكري" مع ممثلي الجهات الحكومية المعنية بالتدريب والتوظيف للتوصل إلى السبل الكفيلة باستيعاب أبناء المنطقة في المشروع الذي يهدف إلى توفير ما يزيد على 70 ألف وظيفة بحلول عام 2030. الفكرة في حد ذاتها تستحق الثناء والإشادة؛ لأن التركيز على تشغيل أبناء المنطقة يحمل في داخله مضامين سامية ونبيلة؛ فهو يحقق العدالة، ويضمن تنمية المجتمعات المحلية، ويضع حدًّا لمعدلات البطالة الموجودة في تلك المناطق، كما أنه يحقق أبرز أهداف رؤية السعودية 2030 المتمثلة في توزيع فرص التنمية على أرجاء الوطن كافة، وإحداث النهضة المجتمعية، ورفع المستوى المعيشي للسكان.
كذلك ناقش اللقاء نقطة في غاية الأهمية، تتمثل في كيفية رفع كفاءة وقدرات شباب المنطقة حتى يكونوا على مستوى مهاري، يؤهلهم للحصول على وظائف في ذلك المشروع الضخم الذي يُرجى منه إيجاد بيئة سياحية متميزة على أعلى المواصفات العالمية، باستقطاب السياح من مختلف دول العالم عبر الاستفادة من البيئة الساحرة للمشروع التي تتفاوت ما بين صحارى ذهبية، وسواحل خلابة، وشُعب مرجانية فريدة، وجبال ومرتفعات مذهلة.
ولأن العمل في مثل تلك المشاريع يتطلب مواصفات خاصة، وقدرات متميزة، ومهارات عالية، كان لا بد من التفكير في السبل التي توفر تلك المتطلبات، وتجعل شباب وشابات المنطقة على قدر هذا التحدي؛ لذلك تمت مناقشة استقطابهم أولاً، ثم إخضاعهم لدورات تدريبية متطورة، تزودهم بأحدث المهارات المطلوبة، ومن ثم يتم استيعابهم في الوظائف المحددة.
هذا الأسلوب الذي بات يعرف باسم التدريب المنتهي بالتوظيف هو أحدث الأساليب العملية التي تلجأ إليها الدول والشركات الكبرى لضمان الحصول على أيدٍ عاملة مؤهلة وذات مهارة نوعية؛ فهو يضمن للشركات أن العاملين لديها سيكونون مزودين بالمهارات التي تريد توافُرها لديهم، كما أن فترة التدريب سوف تزيد من معرفة المتدربين بالمجالات التي سيعملون فيها، وطريقة العمل، إضافة إلى غرس الولاء للشركة في نفوس أولئك الشباب عطفًا على الفرصة المتميزة التي وفرتها لهم للحصول على وظيفة مناسبة بدلاً من الانتظار سنوات طويلة في انتظار فرصة عمل، ربما تكون في منطقة بعيدة عن مناطق سكنهم وعن عائلاتهم.
الأهم من ذلك كله هو أن الشركات الوطنية الكبرى تكون قد أسهمت في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة عبر الاهتمام بفئة الشباب، وتوفير فرص العمل لهم، بما يساعد على تقليل معدلات البطالة المرتفعة، ويؤدي في الآخر إلى تحقيق مفاهيم الأمن الاجتماعي، وإنزالها على أرض الواقع.
ونعلم جميعًا حجم الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لمساعدة فئة الشباب للحصول على الوظائف المناسبة التي تعينهم على بدء حياتهم العملية.
هذه الخطوة ينبغي -من وجهة نظري- أن تتحول إلى تجربة، يتم تعميمها على نطاق أوسع؛ لتتبنى الشركات الوطنية الكبرى هذه الفكرة، ويتم التفاهم حولها مع الجهات المسؤولة في الدولة؛ للتوصل إلى آليات تضمن حقوق الأطراف كافة؛ فالشركات سوف تنفق حتمًا أموالاً كبيرة في جانب التدريب والتأهيل، ويهمها ألا تضيع أموالها هباء، والشباب يتطلعون أيضًا إلى الترقي والتقدم في وظائفهم، ولا بد في النهاية من آليات واضحة، تضمن حقوق الجميع.
ومع استذكار مع تقوم به شركاتنا الوطنية ورجال الأعمال المخلصون من جهود كبيرة في جانب المسؤولية الاجتماعية، والخدمات الجليلة التي تم تقديمها في هذا الإطار، فإن مستلزمات عصرنا الذي نعيشه، والتحديات التي تواجه مجتمعنا، تستلزم أن يكون التدريب المنتهي بالتوظيف عنصرًا أساسيًّا في المسؤولية الاجتماعية؛ لأنه يضمن الاستدامة والتواصل، ويحول الشباب من شريحة تتلقى المساعدات والإعانات إلى عناصر منتجة، تأخذ لواء العمل، وتحقق لبلادنا الاكتفاء الذاتي من الأيدي العاملة.علي آل شرمة