كثيرون حولنا يظنون أنهم يمارسون حقهم في الحياة، ويكون لما يمارسونه انعكاسات ضارة على حياة الآخرين؛ فهم يدّعون الصدق والإيمان اللذين لا يمكن أن نراهما في أخلاقهم، ويظنون أنهم إنسانيون وهم أبعد ما يكونون عن ذلك. حاجتهم لمعرفة المعنى الحقيقي للإنسانية تفوق حاجة الآخرين لسماع محاضراتهم حول وجوب لزوم الأخلاق الحميدة، والتحلي بالصفات الجيدة، والدفاع عن الإنسانية!
لا يمكن للقيم أن تكون شعارات رنانة، يبيّن زيفها الوقت؛ إذ إن أثر القيم التي يحملها الفرد لا بد أن يظهر من خلال سلوكه وممارساته للمعاني التي يحملها في قلبه وعقله؛ فلا يمكن لمدعي الصدق أن يكون صادقًا إذا لم يظهر ذلك الصدق في حديثه، وتعبيره.
تنعكس الأخلاق على التصرفات بشكل غير واعٍ في كثير من الأحيان، وهو انعكاس لا إرادي ومن غير وعي من صاحبه. كما أنه حينما يغفل المرء عن الانعكاسات غير الواعية يهلك نفسه، ويحرق أوراقه بجهل منه.
أحيانًا يعتقد البعض أن بوسعه خداع الآخرين كل الوقت، غافلاً عن أن الخديعة لا يمكن أن تستمر طويلاً؛ وهذا ما يجعل تمثال القيم السامية الذي يصنعه كواجهة له أمام الآخرين يسقط!
تصالح المرء مع ذاته، ووقوفه على أخطائه، ومحاسبته نفسه بشكل متكرر، تمنحه طريقًا للدخول إلى نفسه، واختبارها، وتقييم توجهاتها، والعمل على تصحيح مساراتها بين الحين والآخر.
ومن يعجز عن الوصول إلى أبعد نقطة في نفسه هو بالضرورة عاجز عن التعبير عن نفسه بشكل سليم، ورؤية الأمور كما ينبغي؛ لذا يبقى في غيه طوال الوقت، ويعجز عن الخروج من مستنقع قرر أن يبقى فيه بوعي منه أو من غير وعي..
أخيرًا، يحتاج المرء إلى أن يدرك ما يحمله من أفكار، وما يتصرف به حقيقة، بعيدًا عن شعارات الادعاء، وارتداء الأقنعة التي لا تناسبه. وهذه الحاجة تنطلق من كونه كائنًا اجتماعيًّا، لا يمكنه أن يعيش وحيدًا.
مها الجبر