تشرح لنا الدكتورة نهلة حيدر الفرا استشارى الأمراض النفسية وعضو الجمعية المصرية للتحليل النفسى، أنه يولد الطفل من عالم الرحم السحرى الذى كان يمده بكل وسائل الحياة إلى عالم جديد يتوقع منه كذلك استمرارية ذلك العالم السحرى الذى يلبى كل رغباته دونما أى مجهود أو تعب أو ألم.. فيبدأ الواقع بصرخة الميلاد مع أول ظهور له فى العالم الحقيقى.
وقالت دكتورة نهلة الفرا إنه لذلك يظل الطفل فى أول عامين يعتمد على تلك "الساحرة" أو الأم، فإذا جاع تشبعه، وإذا صرخ تلبى نداءه وتطمئنه يظل هائما باحتياجاته وإشباعاته دونما أى حدود.
لتأتى اللحظة الفارقة فى حياته عندما ينفطم عن حضن أمه ويتعلم الكلام وتبدأ الرقابة والمحظورات والممنوعات، وتتوالى الصدمات، لكنه يظل دائما فى حنين لتلك القدرة المطلقة السحرية.. لتلك "الساحرة" التى تملك العصا السحرية لتحريك الكون وفق ما يهوى.
وأوضحت دكتورة نهلة أن الرجل يظل هكذا يبحث عن تلك المرأة "الساحرة" طوال حياته، متوقعا منها أنها ليس لديها "مستحيل" وأنها تمتلك تلك التعويذات السحرية لتصرف عنه الشر والإحباط.. وإذا به يلقى عليها كل المهام، ويتوقع منها المعجزات.. فهو قد لا يدرك المرأة باعتبارها "شخصا" ولكنه قد يتعامل معها باعتبارها "شيئا" أو وسيلة أو أداة يستخدمها لكى يقدر أن يعيش، لكنه لا يدرك على الجهة الأخرى أنها هى نفسها قد كانت تتوقع منه أنه "الفارس" أو المنقذ الذى سيحقق لها الأحلام!
وفى النهاية تصطدم هى بالواقع الرجولى الزائف وتتهاوى أحلامها.. وفى المقابل تفشل هى فى أن تصنع له المعجزات بأوهام "القدرة المطلقة السحرية".
ولذلك تنصح دكتورة نهلة الفرا وتؤكد على أنه لابد أن نحاول أن نتخلى أحيانا عن إطار الصور التى قد نخنق أنفسنا وغيرنا بها، وندرك الواقع، ونتعامل مع الآخر باعتباره "شخصا" وكيانا.. أو أننا نظل محصورين فى الصورة الوهمية.. حتى نتلاشى أو نموت.