كتب : طارق عبدالعزيز ومحمد الشيخ تصوير : هدير محمود منذ 9 دقائق
أرسل إليه باراك أوباما برقية مقتضبة تقديراً لجهوده كان نصها: «سمير، بسببك أنت أصبح لدى كل أمريكى غطاء للتأمين الصحى، لك كل الشكر»، فقد كان الدكتور سمير بانوب، العالم المصرى ومستشار الإدارة الصحية الدولية فى العديد من الدول، من كبار المساهمين فى إرساء دعائم نظام تأمين صحى شامل يغطى الشعب الأمريكى كافة، فى حين أنه قرر الانسحاب من تشكيل لجنة إعداد قانون التأمين الصحى الشامل فى مصر، بعدما وجد تشكيلها غير مناسب، ومقتصر على كبار أطباء الصحة والتأمين ومندوبى الوزارات المختلفة، بعيداً عن ممثلى الشعب، والمتخصصين فى التخطيط الصحى واقتصاديات الصحة ونظم المعلومات.
«الإخوان» ترغب فقط فى السيطرة والاستحواذ على البلد.. والطمع وقصر النظر أكبر أخطائها.. وأتمنى أن يتعلموا من الأتراك
الدكتور بانوب قال فى حواره مع «الوطن»، إن مقترحاته لتطوير منظومة الصحة لم تلقَ ترحيب أى من المسئولين فى الدولة، وقوبلت بالتجاهل والروتين الحكومى، كما كشف عن انهيار تلك المنظومة فى مصر وتهالكها، فى ظل انعدام الرؤية والمخططات الواضحة التى تحدد بدقة آليات لتطوير الصحة على أرض الواقع، بما يحقق الهدف منها، ويساعد على تقديم خدمة متميزة.
ووصف العالم المصرى جولات وزير الصحة المفاجئة على المستشفيات بـ«الرقصات التليفزيونية»، معرباً عن دهشته من طريقة اختيار الوزراء وإقالتهم، وأن خطيئة الإخوان تكمن فى عنادهم، ورغبتهم فى السيطرة والاستحواذ على البلاد، دون أن تشغلهم رعاية صحية أو تعليم أو إسكان ونقل.. وإلى نص الحوار:
* بداية، ما سبب تدنى الخدمات الصحية الذى تشهده مصر الآن؟
- أرى السبب فى ذلك سوء التنظيم، وعدم وجود خطة طويلة المدى أو رؤية واضحة وشاملة، فللأسف مصر تسير على نهج غريب للغاية فى إدارتها لقطاع الصحة، بداية باختيار وزير الصحة، الذى يمثل رأس المنظومة، من الأساتذة الأكاديميين من غير المتخصصين فى التخطيط أو الإدارة الصحية، ثم يأتى بعده وزير آخر ليغير طقم المعاونين الذين عملوا فى الوزارة السابقة، ليبدأ الأخير صفحة جديدة، نتيجة عدم وجود خطط طويلة الأمد، وبمجرد فهمه كيفية الإدارة والمتغيرات حوله، ويعى معنى التخطيط الصحى واقتصاديات المنظومة حتى يُقال ويأتى غيره... وهكذا. وأرى أن الأوضاع بعد الثورة ازدادت سوءاً فأصبح لدينا وزير كل 3 أشهر، ما يعكس حال البلد ككل وليس الصحة فحسب، والسائد هو عدم وضوح الرؤية واتباع أساليب علاج مؤقتة، لأنه لا الصحة ولا التعليم ولا الإسكان والنقل فى «دماغ» الناس اللى بتحكم.
* وماذا عن خطة الإصلاح الصحى التى أعلن عنها وزير الصحة الحالى؟
- لا توجد خطه للإصلاح الصحى فى مصر، لا قبل الثورة أو بعدها، فسياسات المنظومة الصحية فى مصر غير رشيدة، ومتحيزة لأنها فى أيدى كبار الأطباء فى مصر، واستقامة تلك السياسات يضرب مصالحهم، فى حين أن السياسات الصحية بشكلها الحالى تخدم مصالحهم، فالمنظومة بها عيوب خطيرة، منها الممارسة المزدوجة للأطباء، بمعنى أن الطبيب يعمل فى أكثر من جهة فى وقت واحد، مثل التأمين الصحى والعلاج على نفقة الدولة والعيادات الخارجية للمستشفيات والعيادات الخاصة، وهو نظام غير معمول به فى أى دولة فى العالم، ويفتح الباب على مصراعيه أمام تضارب المصالح، وفى بعض الحالات النادرة تكون لدى الوزير نية لتطوير النظام الصحى، لكن بعد الثورة لم نسمع بأى أحاديث عن وجود خطة شاملة لإصلاح الصحة أو التعليم فى مصر، وكل ما نسمعه حالياً هو أنباء عن زيادة رواتب العاملين فى مصر فقط.
* لماذا انسحبت من لجنة إعداد قانون التأمين الصحى التى تم تشكيلها بعد الثورة؟
- عقب الثورة دعانى الدكتور أشرف حاتم، وزير الصحة الأسبق، لعضوية اللجنة، وبعد اجتماعى بهم بيوم اعتذرت عن عدم الاستمرار فيها، وانسحبت منها رسمياً.
* وما السبب؟
- لأن تشكيل اللجنة لا يمثل التشكيل المناسب لوضع نظام صحى لدولة، فببساطة اقتصر على كبار الأطباء بوزارة الصحة والتأمين الصحى وبعض مندوبى الوزارات المختلفة، لكن فى العالم كله الذى يضع النظام الخاص بالتأمين الصحى هم ممثلو الشعب، فى حين أن من يمثلون المنتفعين والممولين للخدمات والحكومة هم جزء بسيط، فضلاً عن أن اللجنة لم تضم فى تشكيلها متخصصين لا فى التخطيط الصحى أو اقتصاديات الصحة أو نظم المعلومات، وكان من الواضح أن الوضع سيبقى كما هو عليه فى المسودات السابقة، وقد شاهدت 12 مسودة قبل الثورة.
* هل اطلعت على المسودة الأخيرة لقانون التأمين الصحى؟
- نعم، ويمكننى القول إن بها تحسناً مقارنة بالمسودات التى صدرت قبل الثورة، فيما يخص أنها حددت الخدمات الصحية التى يقدمها التأمين الصحى، وأرى أن بها طموحاً شديداً لكنها لم تحل مشكلة «الوحدة الواحدة للأسرة»، بمعنى أن القانون لا يزال ينص على تحصيل اشتراكات التأمين الصحى منفصلة لكل فرد بالأسرة من الموظفين والطلبة، وهى مشكلات فنية وتقنية متعبة، والأهم من ذلك أن النظام المطروح ليس له أساس أكتوارى، أى حساب تكلفة تطبيق النظام من مصروفات ومصادر تمويل، ولا يتضح منه إمكانية قيام النظام الجديد بتغطية الـ40% من الشعب المصرى الذين يقعون حالياً خارج نطاق تغطية التأمين الصحى، فضلاً عن عدم قدرة النظام على تحسين الخدمات المقدمة حالياً لـ60% من الشعب المنتفعين بمنظومة التأمين.
* كيف ذلك؟
- أود توضيح أن القانون الجديد مثل القديم، لأنه لم يعالج جذور المشكلة، فنظام التأمين الصحى يغطى 60% من الشعب بشكل نظرى، ويجرى الإنفاق عليهم بمقدار 8% فقط من تكلفة الإنفاق الصحى فى مصر، فكيف تعالج 60% بتلك النسبة الضئيلة؟ بالتالى يصبح الواقع إما حرمانهم من الخدمات، أو عدم تقديم الخدمات اللائقة التى يستحقها المنتفعون، وبالتالى فالمواطنون يلجأون إلى الإنفاق على العلاج من أموالهم الخاصة.
متوسط دخل الطبيب الأمريكى السنوى 200 ألف دولار وراتب الطبيب المصرى أقل من السائقين وعمال النظافة
* لكن كيف يمكن إصلاح المنظومة الصحية؟
- منذ عام 2002 طرحت رأياً معلناً وواضحاً وصريحاً، لكن ربما لم يعجب المسئولين، وهو أن إصلاح المنظومة يتطلب تشكيل مجلس أعلى للصحة، يرأسه شخصية عامة وليس وزير الصحة، ويُمثل فى عضويته نواب عن الشعب وخبراء ومتخصصون فى اقتصاديات الصحة والتخطيط ونظم المعلومات، ويكون الوزير نفسه عضواً فى هذا المجلس، ولا يكون لأعضائه من ممثلى الحكومة والوزارات حق التصويت على القرارات والسياسات الصادرة عنه، إلا أن قرارات المجلس تكون ملزمة لوزارة الصحة والحكومة ككل.
* فى رأيك ما نظام التأمين الصحى الأمثل لمصر، فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد الآن؟
- موضوع توفير التمويل الكافى للتأمين الصحى جزء مهم، لكنه ليس كل شىء، فاليوم تنفق الحكومة على الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين 35% فقط من تكلفتها، فيما يدفع الناس 65% من أموالهم الخاصة، وإذا قلنا للناس ادفعوا نسبة أكبر فى اشتراكات التأمين الصحى نظير خدمة صحية أفضل، فبالتأكيد سيرفضون، لانعدام الثقة بين المواطن والحكومة، ومن المفترض إصلاح التأمين الصحى قبل تعميمه ومد مظلته على كل الشعب المصرى، يجب أولاً مد جسور الثقة بين تلك المنظومة والمواطن، والشعب هو من يُحدد نسبة الخصم من راتبه كاشتراك فى التأمين الصحى مقابل الخدمات التى يريدها هو، وما يحدث الآن عبث، والمواطن هو من سيتحمل تكاليف الاشتراكات فى النهاية.
* لو أصابتك وعكة صحية، هل توافق على العلاج داخل أحد المستشفيات الحكومية؟
- بالقطع لا، لأن جودة الخدمة غير واضحة، والسلامة والأداء فى الخدمات المقدمة متفاوتان بشكل كبير، من طبيب إلى آخر، فضلاً عن نقص الأدوية، ونقص المعدات والأجهزة الطبية، وأخيراً الإهمال فى الخدمات المقدمة ذاتها. وأرى أن مستوى الخدمة الصحية فى مصر بات أسوأ مما كان عليه فى الستينات والسبعينات، وبمقارنتها بما وصلت إليه الدول العربية المحيطة بنا الآن، نكتشف أن الخدمة الصحية عندنا متدهورة على نحو مقلق.
* لو تم تكليفك اليوم بتولى حقيبة الصحة، ماذا سيكون أول قراراتك؟
- أول شىء سأفعله هو إعادة تنظيم الوزارة حتى لا تكون هى المهيمنة على وضع السياسة الصحية والإدارة والتفتيش والرقابة وحتى امتلاك الخدمات الصحية، فكل ذلك لا يصح أن يكون فى يد وزارة منفردة. ففى غالبية الدول تساعد «الصحة» فقط الشعب والدولة على وضع السياسة الصحية المتوافقة مع ظروفها، وتراقب الجودة وممارسة مهنة الطب، وينصب جهدها على الصحة العامة وحماية المواطنين من الأوبئة والأمراض.
* ولكن فى ظل الظروف الحالية، هل لو أسندت إليك الرئاسة الوزارة ستوافق؟
- أنا أتحدث بشكل افتراضى، لكن إذا حدث سأشكر الرئيس على ثقته، وسأرفض بالطبع تماماً، وبصرف النظر عن ظروفى الشخصية، فلا بد أن أكون وسط منظومة تدير البلاد وفق خطط وأساليب علمية سليمة، وليس بمنظومة الضحك على الدقون، أو بإصدار قانون وأنا أعلم أنه لن يحقق الهدف منه، هذا إن صدر من الأساس. فعلى سبيل المثال مشروع الرئيس الأمريكى باراك أوباما للإصلاح الصحى الذى ساهمت فى إعداده بمشاركة مجموعة من العلماء المتخصصين، استغرق عاماً كاملاً لكتابته فى 1200 صفحة، ومخطط لتنفيذه فى 10 سنوات، والميزانية المخصصة له تريليون دولار، ومصادر التمويل موجودة، لذلك يمكننا القول إن هناك إرادة حقيقية فى أمريكا لإنفاذ وتطبيق هذا القانون بالشكل الذى يحقق أهدافه، وهنا لا يمكننا أن نمتنع عن العمل أو المشاركة فى تطوير وتحسين الخدمات الصحية، فعندما أذهب لأى دولة تريد الاستعانة بخبرتى فى هذا المجال، بمجرد أن أصل إلى المطار أجدهم فى انتظارى، ثم ينقلوننى إلى الفندق لأضع حقيبتى، ونبدأ بعدها على الفور الاجتماع للعمل ووضع الخطط. وفى مصر لا أحد عنده الوقت ولا الدماغ ولا القدرة على العمل وفق هذا النظام، وبالتالى عند وضعى فى مثل تلك المنظومة لا أستطيع اتباع الأسلوب العلمى الذى أريده، وبالتالى اضطر إلى الرفض، وبشكل عام الأهم فى منظومة الصحة وضع الخطط السليمة والدقيقة والاتفاق على أساليب العمل وآليات التنفيذ.
* وما رأيك فى أداء وزير الصحة الحالى والجولات التى يقوم بها للتفتيش على المستشفيات؟
- الوضع الحالى مؤسف ( ضاحكاً)، والأداء سيئ، والجولات الميدانية التى يجريها الوزراء أسميها «رقصات تليفزيونية» لا معنى لها، فالمشكلات المهمة فى الصحة والمستشفيات لن تُحل فى المستشفى، وإنما من خلال رؤية صحية سليمة، «متجيش تقولى إن الدكاترة مبتحضرش ومبتجيش ورواتبهم من 300 إلى ألف جنيه، لأنه مهما كانت الرقابة أو غيرها سيستمر الوضع كما هو، وبمجرد أن يعطيهم الوزير ظهره سيعودون إلى عاداتهم»، الرقص التليفزيونى لازم يقف، فلا يمكن إدارة الصحة من القاهرة، وما أسهل أن يستقل الوزير طائرة لينتقل بين المحافظات، يعاقب هذا المدير ويفصل ذاك الدكتور! لكن كل هذا فى النهاية عبث، وشغل «فرعون».
* لكن ما الحل؟
- لا بد من إسناد مسئوليات ومهام أكبر للمحليات فى المحافظات، وتكون مهمة الوزارة وضع السياسة العامة والتمويل مع إمكانية إضافة المحليات لمصادر تمويل داخلية إن استطاعت، وعلى الدولة أن تخصص الموازنة بحسب نسبة تعداد السكان والفقر فى المحافظة، فمثلاً سوهاج من المحافظات التى ينتشر فيها الفقر، يمكن أن أمنحها تمويلاً أكثر من القاهرة، وأمنح جنوب سيناء موازنة أقل لأن لديها فرصة فرض ضرائب وتوفير مصادر دخل من السياحة وغيرها، كما يجب أن يجتمع الوزير بخبراء متخصصين فى التخطيط والاقتصاديات والمعلومات الصحية، على أن تكون لديه إدارة حقيقية للجودة، هدفها الرقابة على جودة الخدمات المقدمة فى المستشفيات العامة والخاصة، وأخرى للاعتماد والتدريب، هدفها اعتماد الكليات والمعاهد المسئولة عن تخريج الأطباء والعاملين فى المجال الطبى.
* ما رأيك فى التعليم الطبى فى مصر؟
- التعليم الطبى وصل إلى مستويات يؤسف لها، بسبب الأعداد الكبيرة لطلاب الطب ومتوسط عدد الأساتذة القليل والاعتماد على المذكرات والدروس الخصوصية، وذلك بالطبع يضع المواطن فى خطورة عدم العلاج بالقواعد المعروفة والعلمية السارية فى العالم كله، باستثناء قلة من الأطباء النابغين. نحن نخرج أعداداً كبيرة من الأطباء تفوق الحاجة إليهم، بدعوى أنهم يعملون فى الخارج، ويوفرون عملة صعبة للبلاد، وهذا فى الواقع لم يعد يحدث كما كان فى السابق، وما شاهدته فى الخارج بحكم عملى مستشاراً لأكثر من دولة فى المنطقة أن مستوى الطبيب المصرى أصبح أقل كثيراً عما كان عليه فى السابق.
* ما الفوارق بين نظامى التعليم الطبى فى أمريكا ومصر؟
- سأوضح لك جزئية صغيرة كاشفة للوضع الحالى على سبيل المثال لا الحصر، إن كلية الطب فى الجامعة التى أعمل فيها بأمريكا لا تقبل أكثر من 98 طبيباً فى الدفعة الواحدة، ولا تستطيع زيادة العدد إلى 100 طالب حتى لا تفقد الكلية اعتمادها، لأن عدد الطلاب محكوم بعدد الأساتذة والأسرّة الخاصة بالمرضى، ويجرى تدريب الطلاب على حالاتهم. والأستاذ عندما يمر على المرضى لمناظرة الحالات وتعليم الطلاب لا يصطحب سوى ثلاثة أو أربعة أطباء، أما فى مصر فالمسألة «سايبة وهوجة»، بالمعنى الأدق، وعند مرور الأستاذ على الحالات المرضية يصاحبه 300 طالب، وكل الدفعة وأكثر، ما يثبت وجود أزمة نظام، وبالتالى الطبيب الذى يتلقى تعليمه فى الخارج يتلقى تعليماً متميزاً، ولا يمكن توفير مستوى تعليمى عالٍ فى الجامعات المصرية التى يصل عدد الطلاب فى بعضها إلى 200 ألف طالب، فهى تشكل دولة داخل الدولة، فعدد طلابها وحدهم يقترب من عدد سكان دولة مثل قطر، الجامعة عندما يزيد عدد طلابها عن 50 ألف تترهل، ولا يمكن إدارتها بشكل سليم.
* ما رأيك فى أجر الطبيب المصرى الذى لا يتعدى 200 دولاراً شهرياً؟
- الأجر ضعيف مثل باقى أجور العاملين فى الدولة، لكن هذا ليس مبرراً للإهمال والانحراف، ولا أستطيع القول «على قد فلوسهم» ليذهب الطبيب للعمل 10 دقائق، ينطلق بعدها إلى عمل آخر خارج المستشفى الحكومى، لا بد من كفاح الأطباء والنقابة لإصلاح المنظومة كلها وإصلاح الرواتب أيضاً.
* ما متوسط دخل الطبيب الأمريكى؟
- (ضاحكاً) لا يمكن مقارنة دخل الطبيب المصرى بالأمريكى، وإنما المقارنة تكون بين أجر الطبيب وباقى فئات الشعب، طبعاً لاختلاف مستوى الاقتصاد وارتفاع معدلات الرواتب الأمريكية، لكن بشكل عام دخل الطبيب الأمريكى 200 ألف دولار فى السنة.
* وما متوسط الأجر العادل الذى يمكن أن يتقاضاه الطبيب المصرى؟
- ما بين 3 آلاف إلى 4، ولا يصح أن يتقاضى الطبيب من 300 إلى ألف جنيه، فى الوقت الذى يجرى الإعلان عن رواتب للسائقين وعمال النظافة تتجاوز أحياناً ألفى جنيه فى الشهر.
* مؤخراً أعلنت وزارة الصحة المصرية أنه سيجرى تطبيق التجربة التركية فى إصلاح المنظومة الصحية، ما رأيك؟
- فى الحقيقة دُهشت كثيراً عندما سمعت هذا الحديث، لأن التجربة التركية من واقع خبرتى ليست رائدة، ولا يصح حتى أن نطلق عليها من الأساس اسم «تجربة»، كما أنها خاصة بتركيا، وأنا درست نموذجاً مطبقاً هناك فى محافظة «دزنلى» ووجدت أنها محتاجة إلى إصلاح، كما حاجتنا نحن، لكن الفرق بيننا وبينهم أنهم جادون فى الإصلاح، وتوجد إرادة سياسية للإصلاح، لكن الوضع الحالى فى مصر محلك سر. فى مصر يجب أن نقدم للناس بدائل للمنظومة الحالية، والشعب يختار، ويكون له دور فيها. وفى دول أوروبا كان لديهم ما أسميه بـ«الخديعة الكبرى» كالتى عندنا، وهى أن الصحة والتعليم مثل الماء والهواء وتنفق الدولة عليهما وتقدمهما مجاناً لكل المواطنين، وكانت النتيجة أن الصحة والتعليم «الاثنين» كانا فى «الحضيض»، وبعد الثورات التى شهدتها تلك الدول قرر المواطنون أن يدفعوا 12% من الراتب مقابل نظام تأمين صحى اجتماعى، وهنا الموظف يدفع 1% من راتبه فقط للتأمين الصحى، ولا تريد الحكومة زيادته لأن المواطنين ليسوا جزءاً من اتخاذ القرار، فالحكومة هى من تقرر للمواطنين، وبالتالى المنظومة ووضع السياسة الصحية يسير فى الاتجاه الخطأ.
الثورة المصرية وقعت فى أخطاء كبيرة منها غياب القائد.. والمجلس العسكرى تولى إحلالها وتغييرها
* هل ترى أن النظام أو المعارضة طرحا حلولاً للنهوض بالبلاد؟
- لم يطرح أحد أى حلول لإصلاح منظومة الصحة أو التعليم، فالكل مشغول بالصراع السياسى، ولم نسمع عن أحد طالب بإصلاح التعليم أو الصحة، وكل ما حدث هو رفع رواتب أساتذة الجامعة، وكفاح الأطباء ضرورة لإقرار الكادر ورفع رواتبهم أيضاً.
* ما الحل فى تقديرك لتطوير المنظومة الصحية بعد أن احتلت مصر مراكز متقدمة عالمياً فى معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والمعدية، ومنها فيروس «سى» والسكر وضغط الدم؟
- الحل هو إنشاء برامج وطنية جادة لكل تلك الأمراض، هدفها ليس فقط العلاج لكن وقف الإصابات الجديدة وتوفير سبل الوقاية منها والقضاء على مسبباتها لمدة من 5 إلى 10 سنوات، مع علاج المصابين لمنع وقوع إصابات جديدة، فنحن لن نخترع العجلة، وسنقضى على تلك المشاكل بصورة مرحلية، لكن ما نفعله فى مصر منذ 1986 حتى الآن أننا نقيم مستشفيات ونعطى دورات تدريبية، والنتيجة أن كل تلك الجهود تذهب أدراج الرياح.
* فى تقديرك ما الفارق بين تجربتى حكم الإسلاميين فى مصر وتركيا؟
- تجربة الإسلاميين فى مصر تختلف كثيراً عن تركيا، ففى الأخيرة تعايشوا مع رغبات الشعب، وشاركوا مختلف التيارات طموحاتهم وآمالهم من أجل النهوض بالبلاد، بخلاف ما حدث عندنا، فيغلب على نظامها الطمع والرغبة فى الاستحواذ على كل شىء، وحينما تمت دعوتى لإجراء إصلاح للتأمين الصحى فى تركيا قابلنى الرئيس التركى عبدالله جول، كما التقيت وزير الصحة التركى، وأتمنى أن يتعلم الإخوان من التجربة التركية ككل.
* وما أخطاء الإخوان منذ توليهم الحكم من وجهة نظرك؟
- الطمع والاستحواذ وقصر النظر، والنموذج المصرى يسير بلا رؤية، لذلك نسمع كل يوم أخباراً جديدة صادمة.
* مثل ماذا؟
- منذ الإعلان الدستورى الأول، ثم الثانى، ثم الدستور، وتتوالى بعدها القرارات غير المبررة والصادمة، هناك «عِند» غريب من النظام فى تلبية رغبات الشعب أو التجاوب معها، فعلى سبيل المثال الشعب يريد حكومة توافقية، ونائباً عاماً مستقلاً عن السلطة التنفيذية، وكل ما حدث ضرب بمطالبه عرض الحائط.
* ولماذا تدعم أمريكا الإخوان؟
- أمريكا لا تدعم الحكومات المناوئة للشعوب، ولم يكن لهم دور فى دعم الإخوان للاستحواذ على السلطة، فقط عندما اتضح أن حسنى مبارك، الرئيس السابق، لا يمكن بقاؤه فى الحكم وسيجرى استبداله تعاونوا مع البديل.
* ما الأخطاء التى وقعت فيها الثورة المصرية؟
- بداية.. أستطيع القول إن أول أخطائها أنها بلا قيادة، فضلاً عن السماح لها بالتعرض للإحلال والتغيير من جانب المجلس العسكرى، ولم يتابع الثوار أو القوى الوطنية التبعات المترتبة على الثورة المصرية بعد نجاحها، مثل إعادة تنظيم الدولة وإصلاح مختلف القطاعات بها.
* ماذا تقصد بالإحلال والتغيير الذى قام به المجلس العسكرى للثورة؟
- الثورة استمرت من 25 يناير حتى 11 فبراير، ثم استحوذ المجلس العسكرى على السلطة، عندما لم يكن هناك من يمثل الثورة بشكل حقيقى فى صدارة المشهد.
* هل عقد المجلس العسكرى صفقة مع الإخوان لتسليمهم السلطة مقابل تحصينه من المساءلة القانونية؟
- لا أستطيع قول ذلك، لكن ما أسمعه فى أحاديث أعضاء المجلس العسكرى الذى كان يدير البلاد أن الإخوان هم الفصيل الوحيد المنظم الذى يمكن التعاون معه.
أخبار متعلقة :