وراء جدران مركز الأبحاث المتخصص فى الالتهابات الفطرية الذى يحاول فك لغز هذا المرض، قصة نادرة من النجاحات الطبية فى السودان.
> ويصل المرضى الذين غطت ضمادات أقدامهم المشوهة والمتورمة من كافة أنحاء البلاد إلى هذا المركز الذى أقيم وسط حديقة فى إحدى ضواحى جنوب شرق الخرطوم.
> ولأكثر من أربعين عاما أجرى الباحث الشيخ محجوب الذى درس فى بريطانيا، دراسات لإيجاد أجوبة لهذا المرض الغامض (المايسيتوما) القادر على التفشى فى كل أنحاء الجسد ويؤدى إلى تشوهات وحتى الموت.
ويقول خبراء إن السودان متأثر بشكل خاص بهذا المرض، المتفشى أيضا فى مناطق قريبة مثل تشاد والنيجر ونيجيريا وأثيوبيا والصومال وأجزاء من السعودية واليمن، كما أنه يتفشى فى الهند وأجزاء من أمريكا اللاتينية.
> وكتبت منظمة الصحة العالمية على موقعها أن المايسيتوما "مرض يتم إهماله"، لكن فى السودان يدرس الباحثون هذه الحالات منذ فترة الاستعمار البريطانى، ومركز الخرطوم معترف بأبحاثه فى هذا المجال.
> ومثل هذا الاعتراف فى المجال الصحى أمر استثنائى فى بلد يصنف وفقا لترتيب الأمم المتحدة من الأفقر من حيث الدخل والمعايير الصحية والتعليم.
> ويؤدى هذا المرض إلى تورم القدم ويمكنه الوصول إلى العظم والانتشار فى كافة أنحاء الجسم. وكان العلاج التقليدى للمصابين به بتر الأعضاء وهو ما يحاول هذا المركز تجنبه.
> ويقول محجوب (78 عاما) إن "معظم الأشخاص الذين يصابون بهذا المرض هم قرويون أو رعاة ماشية وبالتالى أنهم من الطبقة الفقيرة".
> وأكد محجوب أنه أسس أول مركز للمايسيتوما فى السودان فى 1968 بالتعاون مع ممرضة بريطانية وتقنى بريطانى.
> وقال للصحفيين أثناء جولة تفقدية للمركز الذى فتح هذا الفرع تحديدا فى تسعينيات القرن الماضى "كان العديد من الأفراد يفكرون لماذا على أن أهتم بهذا المرض النادر ويصعب تشخيصه ومعالجته؟".
وفى المركز يتم تشخيص المرض ومعالجته، ويؤمن التدريب ويجرى الابحاث كجزء من مستشفى سوبا الجامعى تحت اشراف جامعة الخرطوم التى تموله إلى جانب مانحين اخرين.
> والمركز مجهز بمختبره الخاص وجناحين ويعمل فيه سبعة أطباء بدوام جزئى إلى جانب محجوب المشرف على الأبحاث ومديره أى أتش.
> وقال المدير إن موارده استخدمت بشكل فعال رغم كونها محدودة، وتسجل فى المركز حتى الآن 6400 مريض ويحاول محجوب فك لغز انتشار هذا المرض فى السودان والدول المجاورة.
> وقال "أعتقد أن هناك عاملين مشيرا أولا لوجود هذه الأجسام الصغيرة فى التراب".
ويذكر بأن المزارعين عرضة أكثر لوخز الشوك مثلا من أشجار الأكاسيا المنتشرة فى هذه المنطقة التى يتفشى فيها المايسيتوما.
وثانيا تبين أن جهاز المناعة ضعيف جدا لدى المصابين. وبعضهم لا يعانون من المايسيتوما فقط بل من الإيدز والسل والجذام وغيرها.
ويتساءل "لماذا؟ لماذا يصاب هؤلاء الأشخاص؟ هل السبب هو سوء التغذية؟ أو لأنهم يصابون بأمراض أخرى فى الوقت نفسه؟".
> ولا يحمل بعد كل الأجوبة.
> وقال "لكننا نعلم أن جهاز المناعة لديهم مصاب بخلل".
> ويروى المزارع محمد الأمين محمد المصاب بهذا الداء كيف أن شوكة وخزته قبل عشرين سنة. ويقول راعى الماشية البالغ الستين من العمر "إن الشوكة استخرجت وتبين أن كل شىء على ما يرام. لكن بعد فترة عاد التورم المصحوب بحكة".
> وسافر أحمد الذى تورمت قدمه اليسرى، لأكثر من 500 كلم بالحافلة من أم روابة ليأتى إلى هذا المركز.
> وساءت حالته خلال العامين الماضيين ما اضطره إلى تقليص نشاطاته فى زراعة الأرض وخفض عائداته السنوية بـ4300 إلى 5700 دولار.
> وفى معظم الحالات لا يتسبب هذا المرض بآلام ما يعنى أن المرضى مثل أحمد يتأخرون فى تلقى العلاج.
> ويقول محجوب إن هذا الأمر يزيد العلاج صعوبة.
> وذكر "نطلب من المرضى ألا يتأخروا للمجىء إلى المركز للمعالجة. فإذا كان التورم صغيرا يمكن استئصاله بسهولة".
> ويؤمن المركز تشخيص المرض ويجرى العملية الجراحية للمريض مجانا. لكن بعد ذلك لابد من استخدام أدوية مضادة للفطر لأشهر وعليهم أن يشتروها بأنفسهم.
> ويقول محجوب إن البعض يوقف العلاج لعدم التمكن من شراء الأدوية.
> ويضيف "فى هذه الحالة يتفشى المرض مجددا وهنا تكمن المشكلة".
> وارتفعت أسعار الأدوية فى السودان فى العامين الماضيين جراء تراجع قيمة العملة المحلية.
> وأعربت وزارة الصحة السودانية عن قلقها لهجرة الأطباء والإخصائيين فى القطاع الصحى بحثا عن رواتب أعلى وظروف عمل أفضل فى الخارج.
أخبار متعلقة :