يتفق الأطباء على أن المرأة الحامل يجب أن تمتنع عن الصوم إذا صاحب الحمل مضاعفات مرضية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكرى أو أمراض الكلى أو الحوامل اللائى أصبن سابقا بجلطات الأوعية الدموية، لأنه يؤثر سلبيا على الحامل أو الجنين أو كليهما.
قال الدكتور صلاح سند أستاذ النساء والتوليد بطب قصر العينى، إن الخلاف بين أطباء النساء والتوليد يحدث فى حال الصيام أثناء الحمل الطبيعى بدون وجود مضاعفات مرضية مصاحبة له، خاصة فى أشهر الصيف شديدة الحرارة، فإذا سألنا الأطباء عن هذا الأمر أجاب معظمهم بأن الحمل عملية فسيولوجية وليست مرضية، فيسمح للحامل بالصيام بدون أن يكون هناك أى ضرر عليها، أو على الجنين، بشرط أن تتحمل الصيام بدون إرهاق أو تعب شديدين.
وأوضح أن هذا الرأى لا يعتمد على أساس علمى واضح، بل على الاجتهادات الشخصية وعلى العاطفة الدينية بأنه يستحيل أن يكون هناك ركن من أركان الدين يسبب ضررا للإنسان، وهم فى ذلك يتناسون رخصة الإفطار إذا كان هناك احتمال ضرر على الأم أو طفلها.
وأشار إلى أن الأبحاث التى أجريت فى هذا الشأن، بالنظر فيها نجد أن نواتج التمثيل الغذائى الضارة تزيد بشدة خلال فترة الصيام، ثم تعود إلى معدلها الطبيعى بعد الإفطار بعدة ساعات، ومن المعروف أن الغذاء الرئيسى للجنين يكون من الجلوكوز والذى يتناقص بشدة أثناء الصيام مما يؤدى إلى أن تكسير الدهون المخزونة فى الأم لإمداد الجنين بالغذاء اللازم لحياته، وتكسير الدهون ينتج عنه مواد سامة تسمى "الكيتونات"، والتى قد تؤدى إلى وفاة الجنين داخل الرحم إذا زاد مستواها بشدة مثلما يحدث فى بعض حالات السكرى المصاحب للحمل، وإذا لم تصل للمستوى الذى يسبب وفاة الجنين فبالقطع هى ضارة للجنين، وغير معروف مدى تأثيرها الضار على مخ الجنين.
وأيضا وجد فى بعض الأبحاث زيادة معدلات اضطرابات نبضات الجنين والتى يتحكم فيها الجهاز العصبى للجنين، وأظهر البعض الآخر زيادة فى معدلات حدوث الولادة المبكرة أو نقص وزن المواليد، وفى المقابل أظهر كثير من الأبحاث عدم تأثر وزن المولود بصيام الأم، وهو ما يعتمد عليه الذين يقولون بعدم وجود آثار سلبية للصيام على الجنين ويتجاهلون الحقيقة العلمية بأن وزن المولود غير دقيق فى تقييم نمو أعضاء الجسم من حيث الوظيفة خاصة مع تقدم العمر.
وأظهرت الكثير من الأبحاث زيادة معدلات ولادة الإناث أكثر من الذكور، وهو عكس ما يحدث بدون صيام، ومن المعروف أن الأجنة الإناث تتحمل نقص التغذية داخل الرحم أكثر من الأجنة الذكور، ولذلك يمكن تفسير زيادة مواليد الإناث بزيادة معدلات إجهاض الأجنة الذكور مع الصيام.
وإذا ألقينا نظرة على ما يحدث للجنين أثناء الصيام نجد أنه فى حالات نقص التغذية فإن الجنين يكيف نفسه لاستيعاب هذا النقص (نظرية البرمجة للجنين) بأن يتم توصيل الغذاء للمخ على حساب الأنسجة الأخرى، مثل الكلى والعضلات والأطراف، ويقوم الجنين بتخزين الدهون لاستخدامها كطاقة عند الحاجة لها تزيد نسبة هرمونات التوتر، مثل الكورتيزون للإسراع فى النضوج الوظيفى للأنسجة تحسبا لحدوث ولادة مبكرة.
ويتم ذلك على حساب انقسام الخلايا وتكاثرها، وفلسفة هذه البرمجة هى أن يعيش الجنين حتى الغرض من تخليقه ثم تتسارع ضعف الخلايا فتبدأ المشاكل الصحية فى الظهور، وتزيد شدتها كلما تقدم العمر وهذه البرمجة تؤدى كما أظهرت بعض الأبحاث إلى زيادة معدلات قصر القامة والسمنة وأمراض الكلى وارتفاع ضغط الدم وقصور شرايين القلب التاجية مع تقدم العمر.
وأكد الدكتور صلاح سند، أن الأبحاث أثبتت أن نقص التغذية الشديد خاصة فى الشهور الأولى للحمل قد يؤدى إلى تغير بعض الجينات الوراثية، وزيادة معدلات اعتلال الصحة العامة مع تقدم العمر.
وبالنسبة للحامل نفسها فمن المعروف أن الحوامل لديهن معدل إصابة بجلطات الأوعية الدموية خمسة أضعاف أكثر من المعدل الطبيعى، وفترة الصيام الطويلة مع حرارة الجو المرتفعة تسبب جفافا فى الجسم وزيادة كثافة الدم مع زيادة احتمالات الجلطات الدموية الخطيرة.
وإذا كان الفقهاء يرخصون للحامل بالإفطار إذا خافت على نفسها أو طفلها، فالأولى من منطلق درء الضرر أن يرخصوا بإفطار الحوامل فى أشهر الصيف ذات النهار الطويل شديد الحرارة حتى تثبت الأبحاث عدم وجود تأثير سلبى للصيام على الحمل.