كتب : سماح عبدالعاطى ومحمود عبدالرحمن وأحمد منعم ورجب آدم منذ 21 دقيقة
تحت شمس القرن الثامن عشر الميلادى، جلس الشيخ الهوارى، نسبة لقبيلة هوارة، فى قلعته بفرشوط يتلقى مراسلات الحرب من قائد جيوشه، كانت الأخبار عن طرد قوات والى مصر على بك الكبير إلى شمال «أسيوط» وضم بقعة جديدة لإمارة الصعيدى «شيخ العرب هَمَّام»، مدّ الشيخ الفرشوطى يمينه بقطنة غمسها فى إناء ماء الورد الذى يقبضه بيسراه.. أخرج القطنة ومسح بها وجهه وعينيه، كانت تلك محاولة همام بن يوسف، صاحب التزام الصعيد، للانفصال بصعيده عن ولاية مصر التى عاث فيها المماليك فساداً.. مرَّ ما يزيد على المائتى عام، ورغم تجدُّد دعوى انفصال مصر العليا «الصعيد»، فإن بيت «الهمامية»، أحفاد همام بن يوسف، كان لهم موقف مختلف.
فى قرية هِوّ بمركز نجع حمادى فى محافظة قنا، استقر أحد فروع عائلة الهمامية، و«قنا»، التى يتكتل بها غالبية أفراد عائلة همام، تُعتبر واحدة من أكبر محافظات الصعيد الذى شهد مؤخراً توزيع استمارات بشكل محدود تدعو لانفصال الصعيد عن جمهورية مصر العربية، عمرو ثابت فضل الله، عمدة هِوّ وأحد أحفاد همام بن يوسف، يقول إن «الهمامية غير موافقين على اقتراح الانفصال، لأن رفضنا لحكم الإخوان كان سببه الأساسى أنهم يهدفون إلى تقسيم مصر، فكيف لنا أن نقبل بتقسيم مصر بعد إطاحتنا بالإخوان. الصعيد مُكمِّل لمصر. وجدنا همام كان قائد حرب تحرير ولم يكن انفصالياً، فلم يفكر فى شرذمة مصر وإنما حاول تخليص أهالى الصعيد من نير التسلط المملوكى، وما نطلبه أن يأخذ الصعيد دوره فى التنمية لا أن نستجيب لهذه الدعاوى «الصهيونية».
«الخدمات التى تُقدم للصعيد غير كافية تماماً»، هكذا يتابع اللواء خالد خلف الله، النائب البرلمانى السابق، حديث ابن عمه عمدة هِوّ حول ضعف الخدمات المقدمة لأهالى الصعيد «خصوصاً فى المجال الصحى.
بحسب اللواء خالد خلف الله، أحد أحفاد شيخ العرب همام، فإن نقص الخدمات قد يدفع «الصعايدة» لمطالبة الحكومة بمزيد من التنمية فى الصعيد، وليس التفكير فى الانفصال، وذلك لأن «الدعوة للتقسيم هى دعوة صهيونية أمريكية هدفها الحقيقى هو تفتيت الدولة المصرية وإضعافها، مثلما تم إضعاف ليبيا وسوريا واليمن والسودان» اللواء خالد فضل الله، سليل شيخ العرب همام، يرى أن طرح هذه الفكرة فى الوقت الحالى سببه «مرور الدولة المصرية بمرحلة تأرجح وعدم ثبات وتخلخل أمنى شمل محاولة اغتيال وزير الداخلية نفسه».
لا ينفك أفراد عائلة «الهمامية» عن الإشارة لأن جدهم «همام الفرشوطى لم يكن انفصالياً، ولم يدعُ يوماً لفصل مصر».. يحفظ أبوالوفا الطاهر، حفيد همام بن يوسف الفرشوطى، عدة أحداث تاريخية يرى أنها التاريخ الحقيقى لجده همام الهوّارى الذى يعرفه كالتالى «هو شيخ العرب همام بن يوسف بن أحمد الفرشوطى، سليل الشيخ همام سيبك الذى تمتد جذوره إلى الحسين بن على بن أبى طالب لذا فالهمامية من الأشراف»، يتابع الطاهر: «فى القرن الثامن عشر كانت مصر ولاية واحدة صورياً، فى حين كان السلطان العثمانى يعطى التزام الصعيد لأمير خصوصى، فكان شيخ العرب همام الفرشوطى هو أمير الصعيد وبرقة بتكليف السلطان العثمانى وقتئذ، حتى بلغت مساحة المنطقة التى لدى الهمامية التزامها حوالى 242 ألف فدان من بنى سويف شمالاً وحتى شلالات أسوان جنوباً».
فى كتابه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» يذكر المؤرخ المصرى الراحل عبدالرحمن الجبرتى أشياء عن مُلك همام بن يوسف الذى كان يجود على القريب والغريب دون أن يختل ميزان ماله، «وله دواوين وعدة كتبة، من الأقباط والمستوفين والمحاسبين، لا يبطل شغلهم ولا حسابهم، ولا كتابتهم ليلاً ونهاراً، ويجلس معهم حصة من الليل إلى الثلث الأخير بمجلسه الداخل، يحاسب ويملى ويأمر بكتابة مراسيم ومكاتبات، لا يعزب عن فكره شىء قل ولا جل» يذكر الجبرتى فى كتابه.
يختزل أبوالوفا الطاهر، حفيد شيخ العرب همام، تاريخ جدة فى معركة قامت «قبيل الحملة الفرنسية بأقل من عقدين من الزمان، عندما اختلف صالح بك القاسمى، حاكم جرجا، مع على بك الكبير، والى مصر، فأمر على بك بنفس القاسمى، ففر القاسمى إلى الصعيد للاحتماء بشيخ العرب همام الذى رفض تسليمه لاحقاً لوالى مصر على بك الكبير، حينئذ نشبت الحرب بين الطرفين فكوّن همام الفرشوطى جيشاً من القبائل العربية ورجال الصعيد واستولى تماماً على سوهاج وأسيوط وعزل ما بها من حكام مماليك صوريين، وقبل التقاء الجيشين فى المنيا فكّر على بك الكبير، والى مصر، وقائد جيوشه محمد بك أبوالدهب حيث حاولا إقناع إسماعيل أبوعبدالله، قائد جيش الهمامية، بالانسحاب مع وعد بمنحه التزام الصعيد بدلاً من شيخ العرب، فخالت عليه الخدعة وتراجع شريطة أن يكون انسحاب الجيش سلمياً، لكن على بك الكبير نكص بوعده وضرب جيش الهمامية بالمدافع فمات خلق كثير عشرات الآلاف بحسب المصادر التاريخية، تراجع همام وفلول جيشه إلى إسنا، فجاءه المدد من النوبة، لكنه مات «كمداً وضجراً» كما يقول الجبرتى حزناً على خيانة ابن عمه وقائد جيشه له، وبعدما نُهبت فرشوط، عاصمة إمارته، فمات ودُفن فى إسنا».
لا يعطى صديق الهمامى، محامٍ من نسل همام بن يوسف، بالاً لدعاوى الانفصال التى انتشرت بشكل محدود جداً فى الآونة الأخيرة فيقول: «دعاوى الانفصال هى حبر مراق على ورق لا قيمة له، لأن مصر متداخلة وغير قابلة للتقسيم، ومسألة الانفصال هى محاولة لشغل الناس عن مشكلاتهم الحقيقية كالمياه والكهرباء والخبز»، يضيف صديق: «مصر بلد مفتوح على بعضه، يتزاوج أبناء كل الأقاليم الجغرافية المختلفة ببعضهم»، يلفت صديق إلى كلام أورده رفاعة الطهطاوى فى كتابه الشهير «تخليص الإبريز» عن دولة العدل التى أقامها همام بن يوسف فى الصعيد والتى كان بها «مسحة ديمقراطية»، يقول صديق.
لا يكف صديق الهمامى عن دفاعه عن جده ابن يوسف: «همام كان يسعى للتمسك باستقلال إقليمه عن المماليك الذين هم «جباة ضرائب» فى الأصل وليسوا مصريين فكان كل ما يهمهم هو ابتزاز المصريين ومن هنا حدث الصدام، أضف إلى ذلك أن تلك الفترة شهدت تآمراً دولياً على مصر فلم تمر سنوات إلا ومصر فى قبضة الفرنسيين وبعد خروجهم أعاد محمد على فكرة الدولة المركزية إلى البلاد»، ويضيف صديق، المحامى القاطن بالقاهرة: «أحفاد همام وأبناؤه منتشرون فى أجهزة الدولة، فى العمل القضائى والشرطى والجيش، وبالتالى قبولهم دعاوى الانفصال مستحيل، وعلى لسانى لا أظن أن العائلة أو الصعيد قد يقبلان الفكرة.. كل ما يطلبه الصعيد هو التنمية والخدمات المتركزة فى الشمال، فأقصى طموح خريجى الجامعات هنا فى قنا أن يجد فرصة تعيين فى شركة الرى أو شركة السكر بمرتب 150 جنيهاً، إذن مصر الدولة عليها كما بنت مدناً صناعية فى أكتوبر والعاشر من رمضان وغيرهما، عليها أن تمنح الصعيد ما يليق به جغرافياً وتاريخياً، وإلا سيكون مستقبل مصر على المحك».
يعتقد اللواء خالد فضل الله أن ظهور استمارات انفصال ثم اختفاءها فجأة ليس إلا بالون اختبار لقياس مدى قبول المواطنين فى الصعيد لفكرة الانفصال عن مصر حيث يرى إن «فكرة تقسيم مصر موجودة وتسعى لها جهات خارجية.. وإن كان ظهور هذه الاستمارات واختفاؤها فجأة لجسّ النبض فإننا نؤكد أن الصعيد يرفضها رفضاً قاطعاً».. ساخراً ينهى النائب السابق حديثه قائلاً: «مش ناقص غير ييجى اليوم اللى أخد تأشيرة عشان أسافر القاهرة.. الحل الوحيد لما نحن فيه يكمن فى الاهتمام بما يقدمه الإعلام وما يُلقى داخل المساجد والكنائس مع القبض على كل من يتواطأ ضد مصر».
يختتم محمود ثابت خلف الله، مدير مدرسة من أحفاد شيخ العرب، ملخصاً الموقف الذى يتبناه كثيرون من أبناء الهمامية، فيقول: «منذ أن خلق الله مصر، وهى كتلة واحدة مترابطة إلى يوم الدين من سيناء إلى حلايب وشلاتين ومن العوينات إلى السلوم، ومن الإسكندرية إلى أسوان، وجيشها مترابط مع شعبها، والشعب هو المسئول عن تحجيم هذه الأفكار المتطرفة هو الشعب المصرى، لكن الحكومة كذلك عليها إحداث تنمية حقيقية فى محافظات الصعيد».
اخبار متعلقة
قنا.. حكاية الدم والسياسة من قلب «الصعيد الجوانى»
هنا «السمطا».. احترس أنت فى «وكر السلاح والمخدرات»
توقف القطارات يصيب المحافظة بـ«الاختناق» والأتوبيسات البديل بـ«ضعف الثمن»
الشباب فى مواجهة القبائل.. السياسة لم تعد شأناً عائلياً
أخبار متعلقة :