في حوار اتسم بالبساطة وكان تاجه المحبة،تحاورنا مع الأب بندلايمون كاهن كنيسة “الروم الأرثوذكس” بدمياط، وخضنا معه بحار التاريخ لنعرف سويًا قصة الكنسية، ولنتحدث عن وقفته مع مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن.
بداية من هو أبونا بندلايمون ؟
أنا كاهن كنيسة “الروم الأرثوذكس” بدمياط ،حيث يوجد بالمحافظة ثلاث طوائف “الروم الأرثوذكس وأقباط ارثوذكس وكاثوليك”.
ما هي مسيرتك حتى أصبحت كاهن الروم ؟
أرتسمت كاهن سنة ٢٠٠٢، فقبل ذلك قد تخرجت من كلية التجارة جامعة القاهرة ،وانتهيت من الدراسة و فترة خدمتي العسكرية بالجيش، ثم عملت بـ”تجارة الدهب”، إذ كُنت مالك لمتجر لبيعه لمدة ٢٠عامًا،ثم وقع الاختيار علي حتى أكون “الكاهن” لكينيسة الروم بدمياط، وذلك لأن الكاهن السابق كبر سنه وكان بمحافظة بورسعيد ،وبعد رسمي بحوالي أربع سنين قد تنحى.
ما رأيك في أزمة فيروس “كورونا” المستجد التي يمر بها العالم اليوم ؟
أنا حزين جدًا هذا العام بسسب هذ الأزمة، إذ أننا حُرمنا من أجواء “العيد والاجتماع والصلاة”، وهذا أمر غريب جدًا وغير معُتاد، إلا أنه أثر على العالم بأكمله وليس نحن فقط، فأملنا في الله كبير بأن تنتهي تلك المحنة على خير، وأن يشفى الله المصابين بفيروس “كورونا”، ويرحم من توفوا بسسبه، ونشكر الله لحفظه لمصر، بالإضافة إلى “وعي القيادة السياسية” بكيفية التعامل مع الأزمة، ونحن ننصح كل المواطنين بالالتزام بالضوابط التي وضعتها الدولة لمكافحة “كوفيد-19”.
متى نشأت كنسية الروم بدمياط وما قصتها وهل هذا شكلها الأصلي ؟
عندما ارتسمت كاهن لكنيسة الروم لم تكن بهذا الشكل التي عليه اليوم، حيث تسلمتها وهي قديمة، كل جدار فيها قد شاخ، وذلك لأنها أقدم كنيسة بكرسي الاسكندرية، بل بالبطرقية كلها،فإنها أقدم من “١٥٠٠عام”، مُنذ دخول المسيحية مصر عن طريق “ماري مرقس”، وهو مبشر المسيحية بمصر.
وتسمى الكنائس بإسم “المرقسية” نسبة إلى ماري مرقس، وكان كل الغزاة يأتون لمصر سواء “صلبين أو فرس أو انجليز أو فرنسين” عبر ميناء دمياط؛ لآن وسائل المواصلات في الماضي كانت عن طريق البحر، والكنيسة هنا قائمة منذ ميناء دمياط، لذلك لويس التاسع دخل مصر عن طريق دمياط، واُلقي القبض عليه بالمحافظة، ثم أسر في المنصورة ببيت أبن لقمان، وكذلك نابليون بونابرت،والحروب الصليبية دخلوا بتلك الطريقة.
هذه الكنيسة بإسم “القديس نيقولاوس”،كانت في الماضي كنيستين ولكن جرى هدمهما عبر عوامل التعرية لتُبنيا مرة أخرى، حتى جاء عام ١٨٤٥ ميلادية جرى إنشاء مبنى الكنيسة الموجود حاليًا، ولكني جددتُ الكنيسة عندما ارتسمت بها، فأعدت بناء القبة مرة أخرى، أما عن الصور والأيقونات الموجودة بالكنيسة خاصة بها وقديمة جدًا، وتتراوح أعمارها من “٥٠٠ :١٠٠٠”عام، والتي تبين قدم هذا المكان وعراقته.
من هو القديس نيقولاوس والذي اطلق اسمه على كنيسة الروم بدمياط ؟
كنيسة الروم تحمل اسم “القديس نيقولاوس”، وهو يوناني الأصل من بلدة تدعى “ميرا” والتي أصبحت القسطنطينية وهي تركيا حاليًا، وكان يُطلق عليه “شفيع البحارة”، وذلك لأن المسافرين عبر البحر كانو يستنجدوا به في شدائدهم كحدوث إعصار أو رياح شديدة وموج عالي؛ ويعاهدوه أنهم سيعطوا النذور شكرًا على نجاتهم، وفي الماضي كانت السفن تستعمل المجاديف ولم تكن ظهرت المحركات بعد، فكان البحارة يتشفعون به، ويعدوه عند وصلوهم بأمان سيتبرعوا بالمجاديف للكنيسة، وبالفعل كانو يتبرعون بها هنا، إذ كانت تـُستخدم كأخشاب لبناء سقف أو حائط للكنيسة.
كما أن القديس نيقولاوس هو سنتاكلوز “بابا نويل “، ولارتباطه بالبحر نجد أن الكثير من الموانئ دائما تضع له تمثال بها، وكذلك الكنائس التي توجد بها تحمل اسمه كميناء الاسكندرية وبورسعيد.
ما هي أغرب المواقف التي حدثت لك منذ ارتسامك كاهن بكنيسة الروم بدمياط ؟
بعد أحداث يناير كنت أقف بخارج الكنيسة، ووجدت مجموعة من الأطفال انتهو من يومهم الدراسي واذا بهم يلقون علي الحجارة وفي اليوم التالي كرروا ذلك الموقف، فانتظرتهم بعد ذلك وأهديتهم الحلوى، فوجدتهم في اليوم التالي دخلو إلي الكنيسة وطلبوا شرب الماء، حتى زارني والدين أحد الأطفال ليعرفوا مني ماذا فعلت مع ابنهم وذلك لأن الطفل ذكر اسمي كثيرًا أمامهم، لذلك أرى أن الأخلاق هي الأصل في التعامل، ولذلك علينا أن نربي أبنائنا على تقبل الآخر.
في رأيك ما هو تأثير كنيسة الروم هنا في دمياط ؟
كل كنيسة في بلدنا ولائها لمصر، وعندما يكون في وطننا غزاة تقف الكنيسة بأبنائها أمامهم، فإنها ليس لها موقف سياسي، ولكنها دائمًا مع مصر فعندما نصلي في القداس نحن نصلي من أجل بلدنا ومن أجل قادتها فنقول في الصلاة: “نصلي من أجل رؤسائنا المحفوظين من الله ومؤازرتهم في كل عمل صالح “ فنحن نصلي ونؤازر الرئيس عبد الفتاح السيسي في كل عمل صالح يعمله.
في رأيك من الآباء والكهنة في الكنيسة هنا الذي كان لهم تأثير واسع في المسيحية بمصر ؟
الكنيسة هُنا رأت حُقبة من الزمان كبيرة جدًا، البطرخانة الكبيرة هنا للروم مقرها في اسكندرية، ولكن كان في حقبة من الزمان كانت رئاستها هنا في دمياط، وكان أربع بطاركة كبار هنا بالمحافظة، وهذا حدث كبير جدًا، ولذلك يطلق على كنيسة “دمياط البطركية القديمة”، وأما عن ترتيب درجات الكنيسة فتبدأ بـ”الكاهن ثم المطران ثم البطريرك”، وقد أنشأت متحف أو معرض للمطارنة السابقين قبلي، وأحتفظت ببعض مقتنياتهم من ملابس أو صلبيب أو عصا.
في رأيك ماسبب تأثر البعض بالفكر المتطرف ؟
يوجد أعداء لمصر وهم كثير، وترتب على تلك العداوة الكثير من الأحداث، وكان المراد منها حدوث بلبلة للوطن، لكي يحدث تشابك بين “المسيحين والمسلمين”، فلكي ينجح الأعداء في مخططهم لهدم الوطن اعتمدوا على التطرف وعلى الجماعات الارهابية، و “ثورات الربيع العربي” التي دمرت كل المنطقة حولنا لكن الشعب المصري بفضل الله كان صاحب وعي وإدراك ولم يقع في تلك المخططات والفتن وكُتبت النجاة لمصر التي ترجع قوتها إلى الحب والالفة المتمثلة في المشاركة والتفاعل فنحن تقاسمنا اللقمة وجمعتنا مواقف عدة،كل ذلك تولد عنه محبة أكبر من أن تتأثر بالفتن.
ما رأيك في محافظة دمياط ؟
دمياط محافظة عريقة ومحترمة، وتقوم على العمل، وكانت تشتهر بـ”الجلود وصناعة الأحذية” والتي كان يرتديها الناس بكل محافظات مصر،كما تشتهر بـ”منتجات الألبان وصناعة الأثاث”، وأتت كل هذه النجاحات لطبيعة الرجل الدمياطي المحبة للعمل وكسب الأموال بجهده ويضعها في مكانها الصحيح، هناك من يتهم أهل دمياط بالبخل، وهذا خطأ كبير جدًا بل هم أهل عمل وإنتاج، لذلك مهما ضاقت عليهم الظروف، يكونو في محاولة دائمة لإيجاد المخرج، لذلك لا يعانوا من البطالة مثل المحافظات الأخرى.
كيف استطاعت الكنسية أن تمر بكل الازمات السابقة بداية من أحداث يناير ؟
الأحداث التي بدأت مع يناير مرورًا ب ٦/٣٠ والتي كان يطلق عليها الربيع العربي،كانت برعاية “أوباما وهري كلينتون”، على أن تخرب الدول العربية كلها، وفي ذلك الوقت ساد بلادنا الشر والظلام، وأصبح الكل يتشاجر ويعلو صوتهم على بعضهم البعض، فكانت أيام صعبة، كنت في الكنيسة وكان في الخارج شباب مسلم، كانو يحمون الكنيسة من أي اعتداء، “فالأحباب لم يتركونا في وقت الصعاب”، وكنت أتحدث معهم بأن يرجعوا إلى منازلهم في ذلك الوقت العصيب، ولكنهم رفضوا، وهذا يوضح “معنى مصر”، ويبين سر الحب الذي ربط بيننا.
كيف كنت توصي المسحين في ذلك الوقت ؟
انا لم أوصي خوفًا على الكنيسة، بل كان خوفي الأكبر على مصر، وكنت أطمئنهم أننا ومصر بخير، ولابد أن تتشابك أيدينا لتكون يد واحدة ضد أي معتدي، والأحداث السابقة هي حملة صهيونية يهودية أمريكية على مصر، أنا لم أترك الميدان كنت أقول معهم “تحيا مصر”،كنت أقوم بذلك وبجانبي الشيخ محمد سلامة شيخ الأوقاف، والكثير من رجال الأزهر،والحمد لله الرب تمجد ولم تسقط مصر، وهذا كان بـ”صلوات الكنائس والمساجد”، فمصر بلدنا ولن نتركها لأحد أبدًا.
ما رأيك في دور المحليات ؟
المحليات ماذلنا في انتظارها، إذ أنه من المقرر أن يعقد في القريب انتخابات مجلس الشعب والمحليات، وربما يكون هناك مجلس شورى، كل هذه الأشياء مهمة ومطلوبة الفترة الحالية، فمصر اجتازت مرحلة كبيرة من الصراعات، واستطاعات أن تعود للتنمية بفضل الله وقيادتها السياسية وشعبها الواعي، حتى أنني قد سمعتُ أن الرئيس السيسي ينوي إعادة المصانع القديمة إلى العمل، وسيكون منها المصانع الموجودة في دمياط كمصنع “الألبان والسردين ومصنع الغزل والنسيج”، فمصر تسير على طريق التقدم، ولاشيء يحدث بين عشية وضحاها، فنحن نحتاج إلى الصبر، حتى أن فرنسا بعد ثورتها لم تعود قوية إلا بعد أربعين عامًا، على خلاف وطننا بعدده الكبير وموارده القليلة استطاعت في سنين قليلة أن تجتاز أزماتها، إذ أن جيشنا هو القوة التاسعة على العالم، نتفوق به على “إسرائيل وإيران وتركيا”.
ما رأيك في أحداث تركيا وسياستها الآن ؟
أحداث مُزرية وسخيفة للغاية، وللاسف هذه طبيعتها على مر العصور، فقد قاموا بمذابح الأرمن واليهود فلم يتركوا أحد، وهذا السؤال معي “جارح ومؤلم”؛ وذلك لأن تاريخ كنيسة الروم مرتبط بالكنيسة الأم بالعصر البيزنطي الذي هو بادئ من القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية والتابع لها كنيسة الروم، أنا أرى أن تركيا هم أعداء أنفسهم، فكنت في رحلة إلى تركيا من أكثر من عامين، لكني ازور كنائسنا وبطريرك الروم، ولكن أصابني الحزن عندما رأيت ما في البلد من فساد وعدم أخلاق الذي هو بعيد كل البعد عن سماحة الإسلام وما يدعيه أردوغان من فضيلة، بل أنا رأيت الدول الأوروبية التي يقولون أن بها انحلال، بل بها أخلاقيات واحترام أكثر، ومع النزعة القبيحة التي رأيتها بتركيا، أجدهم يتمسكون بكلمة الدين، وهم بذلك يشوهوا الدين، فأثناء وجودي هناك تعرضت أنا ومن معي لأحداث أثارت خوفنا حتى ركدنا بالشارع.
ما رأيك في “حوار الأديان” ؟
هدف حوار الأديان هو تقريب الناس بعضهم إلى بعض، عن طريق تقبل الآخر، إذ أن الدين المسيحي والاسلامي كليهما ينص على قبول الأخر، فالإسلام به نصوص بتقبل الأخرين وبحب كل الأنبياء وكذلك يعترف بهم جميعًا، واذا أنكر أحد نبي فلا يكون هذا إسلام.
وكون الاسلام يعترف بهذه الأشياء فهو يقبل الأخر، وعلى هذا يكون حوار الأديان أمر مطلوب، إذ أن الأديان السماوية أتت من السماء تنص على “الحق والمحبة والخير والرحمة”، وعندما يغلب الحوار السماحة والمحبة، سيكون هناك حوار رائع وممتع ومفيد نصل به إلى نتائج طيبة، ولكن إذا افتقد الحوار القبول لن نصل إلى حل.
هذا وقد أنهى الأب “بندلايمون” كاهن كنيسة الروم بدمياط حواره لـ”المشرق نيوز”، مؤكدًا على أهمية المحبة والود والسلام، وكونهم هم سبب أمان واستمرار الشعب المصري، داعيًا الله أن يرفع الغمة وأن تنتهي أزمة وباء كرونا، وأن يأتي علينا شهر رمضان المبارك وقد رفع الله عنا هذا البلاء.
أخبار متعلقة :