مباشر - أحمد شوقي: في الوقت الذي يواجه العالم فيه أزمة لم يسبق لها مثيل مع تفشي فيروس كورونا، فإن أكبر خطر يواجهه استراتيجي الطاقة هو الوقوع فريسة للتحيزات المعرفية.
أحد أكثر التحيزات المعرفية شهرة هو "التحيز المؤكد" هو أننا عندما نفضل أن نثبت صحة شئ، فإننا نميل بشكل طبيعي نحو المعلومات التي تؤكد وجهات نظرنا ونحاول تجاهل أو استبعاد المعلومات التي لا تفعل ذلك.
وفي هذه الحالة ستكون توقعات خبراء الطاقة حول ما يرغبون في رؤية حدوثه، وليس حول ما من المحتمل أن يحدث.
وكان سعر خام برنت قد تراجع عند تسوية أمس الأربعاء لأدنى مستوى منذ عام 2003، كما انخفض الخام الأمريكي بنحو 24 بالمائة لأقل مستوى في 18 عاماً.
ويحاول الكاتب "أنيريس دي فريس" في رؤية تحليلية عبر "أويل برايس" للتنبؤ بتأثير فيروس كورونا على الطلب على النفط مع تجنب مثل هذه التحيزات.
الوضع الحالي
جاءت التقارير الأولى عن كورونا من الصين عن إصابة أول شخص بالفيروس في "ووهان" في 1 ديسمبر/كانون الأول 2019.
وبحلول نهاية ذلك الشهر، أدركت الحكومة الصينية أنها تتعامل مع وباء ونفذت أول تدابيرها للسيطرة عليه في 23 يناير/كانون الثاني الماضي، الذي كان الحجر الصحي في المنطقة المتضررة حتى اتخاذ خطوات إضافية لمكافحة الفيروس مثل حظر التجمعات العامة الكبيرة، وإغلاق المدارس والجامعات وتقييد السفر.
وتعتبر تدابير احتواء الفيروس وليس كورونا نفسه الذي يؤثر بشكل كبير على الطلب العالمي على النفط، حيث أنه مع اضطرار الأشخاص للبقاء في منازلهم، يتوقف النشاط الاقتصادي بشكل أساسي.
ويؤثر انخفاض الطلب على السلع والخدمات، والقيود على قدرة الشركات على تلبية الطلب المتبقي على السلع والخدمات على جميع قطاعات الاقتصاد تقريبًا.
على وجه التحديد بالنسبة للنفط، حيث أن الطلب على الوقود المكرر المرتبط بالنقل - البنزين والديزل والطائرات - عانى من تباطؤ أو إغلاق المصافي، مما يؤثر على الطلب بشأن الخام حيث قدّر تأثير التباطؤ الناجم عن تدابير مكافحة الفيروس بالصين في حدود 25 بالمائة إلى 50 بالمائة.
ويبدو أن التدابير التي اتخذتها الصين لمكافحة انتشار الفيروس كان لها تأثيراً، حيث انخفض عدد الحالات الجديدة اليومية خلال مارس/آذار الجاري إلى أقل من عشرة أشخاص، معظمهم من العائدين إلى الصين من الخارج.
ونتيجة لذلك، بعد ما يقرب من 3 أشهر من التركيز على وقف انتشار المرض، حولت الحكومة الصينية الاهتمام إلى دعم الاقتصاد مرة أخرى.
ومع ذلك، انتشر الفيروس إلى دول أخرى، وأبلغت كوريا الجنوبية واليابان عن حالات في وقت مبكر، ومنذ أن انتشر مركز تفشي المرض إلى أوروبا، أبلغت أكثر من 150 دولة حتى الآن عن حالات إصابة بالفيروس مع إصابة أكثر من 180 ألف شخص، مما أجبر الولايات المتحدة أيضًا على تنفيذ تدابير لاحتواء انتشار المرض داخل حدودها.
السيناريو الأفضل
يفترض السيناريو الأفضل، أن تأثير تدابير مكافحة كورونا محدود، بمعنى أنها تؤثر على الاقتصاد أثناء وجود الفيروس ولكن ليس بعد ذلك، أي بمجرد رفع التدابير يعود الاقتصاد إلى طبيعته.
ونظرًا لأن الأمر استغرق من الصين حوالي 3 أشهر للسيطرة على الفيروس، فإن السيناريو الأفضل يفترض أن الدول الأخرى ستحتاج أيضًا لنفس المدة.
وفيما يتعلق بأوروبا، يبدو أنها تتخلف عن الصين بحوالي شهرين حيث أنه في معظم البلدان الأوروبية، تم الإبلاغ عن الحالات الأولى في نهاية فبراير/شباط وأوائل الشهر الجاري، ويجري حالياً تعزيز تدابير الاحتواء التي تؤثر على النشاط الاقتصادي.
لذلك في السيناريو الأفضل، ينبغي أن تعاني أوروبا من انخفاض النشاط الاقتصادي بنسبة 25 إلى 50 بالمائة خلال فترة 3 أشهر تبدأ من مارس/آذار على أن يبدأ في العودة إلى طبيعته في نهاية مايو/آيار أو أوائل يونيو/حزيران.
والولايات المتحدة تأتي خلف أوروبا، من حيث الحالات المؤكدة وعدد الاختبارات التي أجريت وكذلك تنفيذ تدابير احتواء الفيروس، لذلك في السيناريو الأفضل ينبغي أن تعاني الولايات المتحدة من انخفاض النشاط الاقتصادي بنسبة 25 إلى 50 بالمائة خلال الشهرين المقبلين وربما يونيو/حزيران على أن تبدأ العودة إلى طبيعتها في نهاية يونيو/حزيران أو أوائل يوليو/تموز.
ما يعنيه هذا هو أنه في السيناريو الأفضل ، فإن الأسوأ لم يأت بعد للطلب العالمي على النفط وجميع الاحتمالات واردة حيث قد يستمر سعر الخام في الانخفاض لمدة شهرين أو ثلاثة أخرى على الأقل، لذا من الوارد هبوط السعر عند 20 دولارًا أو حتى 10 دولارات للبرميل.
ولأن استجابة الصناعة لتأثير الفيروس على الاقتصاد ليست فورية أو استباقية تميل المخزونات إلى الامتلاء في الوقت الذي يتباطأ فيه الاقتصاد.
وأثناء تعزيز الاقتصاد بعد احتواء الوباء، يجب سحب هذه المخزونات أولاً قبل أن يعود النشاط الاقتصادي إلى طبيعته بالفعل.
بالنسبة للسيناريو الأفضل، هذا يعني أن الطلب على النفط سيظل يتأثر بإجراءات احتواء الفيروس خلال الربع الثالث من عام 2020 أيضًا، على أن يكون أقرب عودة ممكنة إلى الحياة الطبيعية على مستوى العالم في الربع الرابع.
يعتمد ما سيبدو عليه الربع الرابع بالنسبة لسعر النفط على نتيجة حرب الإمدادات الحالية بين السعودية وروسيا وتأثير بيئة السعر المنخفض على إنتاج النفط الصخري الأمريكي.
ويفترض السيناريون الأفضل أن المنتجين الرئيسيين لا ينفذون فعليًا نيتهم المعلنة لزيادة الإنتاج ولكنهم لا يوافقون على تمديد تقليص الإنتاج أيضًا، في حين أن نمو الصخر الزيتي في الولايات المتحدة يتحول عكسًا مع خفض خطط الحفر وإفلاس الشركات الصغرى.
وهذا يعني وجود ما يقرب من 1 إلى 2 مليون برميل من إمدادات النفط الإضافية إلى السوق، مقارنة بعام 2018، أو بعبارة أخرى العودة إلى بيئة تقليص الإنتاج قبل عام 2018 عندما دار خام "نايمكس" بين 45 و 55 دولارًا للبرميل.
السيناريو الأسوأ
في السيناريو الأسوأ يُفترض أن تدابير مكافحة الفيروس لها آثار ثانوية، وبعبارة أخرى لن يتأثر النشاط الاقتصادي فقط بنسبة انخفاض 25 إلى 50 في المائة، ولكن سيؤدي هذا إلى الإفلاس.
وفي الصين، تجد الملايين من الشركات نفسها على حافة الهاوية بعد 3 أشهر من الإصابة بالفيروس.
ومعظم المؤسسات المعرضة لخطر الإفلاس شركات صغيرة ومتوسطة الحجم، حيث أن هذه الشركات لديها عادة عازل مالي أقل وإمكانية وصول محدودة إلى رأس المال، وتتعرض بشكل خاص لقطاعات الضيافة والسياحة.
في الصين، تأثرت قطاعات أخرى أيضًا بشكل كبير لاسيما القطاعات التي تتعلق بالإنفاق الكمالي (الإنفاق الذي يمكن تأجيله بسهولة دون عواقب كبيرة) وتتطلب السفر، مثل قطاع السيارات والعقارات - يؤجل الأشخاص شراء سيارات ومنازل جديدة لأنهم لا يستطيعون السفر إلى الموقع المطلوب أو يخشون القيام بذلك.
ويمكن أن يكون للتوقعات المتدهورة لهذه القطاعات تأثيراً فورياً حيث تخفض وكالات التصنيف تقييمها للجدارة الائتمانية للشركات، والتي غالبًا ما تؤدي إلى تفعيل بنود في اتفاقيات الديون ما يتسبب في نقص نقدي فوري في الشركات ذات المديونية العالية.
كما يمكن أن يحدث تأثيراً مماثلاً بسبب انخفاض أسعار أسهم الشركات الناجم عن تسعير السوق المالية في التوقعات السيئة.
لذلك، في السيناريو الأسوأ، تتسبب تدابير مكافحة الفيروس في موجة من حالات الإفلاس، مما يتسبب في زيادة البطالة وهذا من شأنه أن يحد من قدرة الاقتصاد على العودة إلى طبيعته بمجرد إثبات فاعلية احتواء الفيروس.
وفي هذه الحالة، لا عودة إلى الوضع الطبيعي خلال الربع الثالث من عام 2020، وسيظل النشاط الاقتصادي منخفضًا طوال عام 2020، وربما 2021 أيضًا.
ويعتمد مدى انخفاض النشاط الاقتصادي ووقت تعافيه على التدابير التي تتخذها الحكومات والبنوك المركزية.
ولا يرجع تأثير الفيروس على الاقتصاد إلى الانخفاض المفاجئ في القوة الشرائية، لكنه نتيجة لعدم القدرة على الإنفاق أو عدم الرغبة في الإنفاق خوفًا من الإصابة بالفيروس.
وبينما لا تزال تدابير الاحتواء قائمة، لا تستطيع الحكومات ولا البنوك المركزية فعل أي شيء لرفع الطلب، خيارهم الوحيد هو تقديم الدعم للشركات المتضررة لمساعدتهم على تجنب الإفلاس.
وستتضمن الإجراءات الفعالة لذلك تأخير موعد استحقاق الضرائب أو تقديم تعويض مالي للشركات المتضررة، ربما بشرط عدم تسريح الموظفين.
ويمكن للبنك المركزي الضغط من أجل تأجيل دفع الفوائد على الديون وسدادها، بينما قد يكون خفض معدلات الفائدة غير فعال إلى حد كبير لأنه لن يؤدي إلى ارتفاع الطلب أو تقليل المدفوعات النقدية للشركات.
ولأن الدين العالمي ضعف ما كان عليه في بداية الأزمة المالية لعام 2008، فإن مساعدة الشركات على تجنب الإفلاس لن تكون مهمة سهلة حيث لن تتمكن حكومات عدد من الدول حول العالم ببساطة من تقديم الدعم اللازم، إما لنقص التمويل أو لنقص القدرة على إدارة المهمة.
وبالمثل، فإن تأجيل دفع الفوائد على الديون وسدادها لن يكون من السهل تحقيقه بسبب الآثار المترتبة على الميزانية العمومية للبنوك، لذلك يفترض السيناريو الأسوأ أن الاقتصاد العالمي لن يعود لمستويات ما قبل فيروس كورونا خلال عام 2020.
وهذا يعني أن سوق النفط الخام لا يعود إلى بيئة ما قبل 2018 حيث سيكون الطلب العالمي أقل مما كان عليه خلال عام 2017 عندما كان سعر خام نايمكس في نطاق 45 إلى 55 دولارًا للبرميل.
في السيناريو الأسوأ، سينخفض سعر النفط بشكل أكبر خلال الربع الثاني من عام 2020 عندما تبلغ تدابير احتواء الفيروس ذروتها في أوروبا والولايات المتحدة، وبعد ذلك سيكون هناك انتعاش طفي، حيث يزداد النشاط الاقتصادي بمجرد تخفيف التدابير ولكن أقل مما هو مفترض في سيناريو الأفضل مع افتراض تعامل الاقتصاد العالمي مع موجة من حالات الإفلاس.
ويفترض السيناريو الأسوأ أن المنتجين الرئيسيين ينفذون نيتهم المعلنة لزيادة الإنتاج - السعودية بمقدار مليوني برميل يوميًا والإمارات مليون وجميع أعضاء أوبك الآخرين مليون برميل أخرى - في حين أن النفط الصخري الأمريكي يحافظ على الإنتاج الحالي.
في هذه الحالة، لن يبقى الطلب على النفط منخفضًا بنهاية العام فقط ولكن سيكون المعروض أيضًا أعلى بشكل كبير، مما قد يتسبب أيضًا في أن يحوم الخام في نطاق 20 دولارًا للبرميل بحلول نهاية العام.
الآثار الإستراتيجية
وأسوأ شيء يمكن أن تفعله شركات النفط في البيئة الحالية هو افتراض أن الأمور ستعود قريبًا إلى طبيعتها، وبالتالي تستمر في عملياتها بشكل طبيعي.
ومهما كانت خطط أعمال 2019 لعام 2020 فمن غير المرجح أن تكون قد استندت إلى واقع السوق الحالي وبالتالي يجب تجاهلها.
وتحتاج خطط التشغيل الجديدة قصيرة المدى إلى التطوير بأكبر قدر من الإلحاح، بافتراض مزيد من الانخفاض في سعر النفط إلى مستوى 10 دولارات للبرميل، وسيتم مراجعة خطط النفقات الرأسمالية على أساس مماثل.
كما أن البحث عن تخفيضات في أسعار الخدمات من قطاع خدمات حقول النفط لتعويض الانخفاض في الإيرادات أمر لا معنى له في هذه المرحلة، لأنه بعد حوالي 4 سنوات من التخفيضات المستمرة، فإن هذه الشركات أصبحت منهكة، ومع ذلك فإن التباطؤ في كل من النشاط التشغيلي ونشاط المشروع يمكن أن يبرر تقليض عدد الموظفين من أجل خفض التكاليف.
ومع ذلك، ينبغي أن يأتي أكبر إجراء للتوفير النقدي من تخفيض مدفوعات الأرباح وبرامج إعادة شراء الأسهم.
كما أن زيادة الديون للحفاظ على توزيعات الأرباح سوف تنتهي في المستقبل، لذلك في حين أن الأسواق المالية تفضلها إلا أن ذلك لا معنى له من المنظور على المدى الطويل لشركات النفط.
أخبار متعلقة :