تحرير: سالي إسماعيل
مباشر: أثار الصعود الحاد لمعدلات الفائدة في سوق الريبو الأمريكي مخاوف كبيرة في الأسواق المالية.
وفي حين لن تقوض الاضطرابات الأخيرة في أسواق المال الأمريكية، والتي تسببت لفترة وجيزة في خروج معدلات الفائدة قصيرة الآجل عن نطاق سيطرة الاحتياطي الفيدرالي، قدرة البنك المركزي على تحقيق أهدافه الاقتصادية على المدى الطويل، فإن الوضع يشير إلى وجود خطأ داخل النظام المالي.
ويفسر "نارايانا كوشرلاكوتا" أستاذ الاقتصاد في جامعة روتشستر ورئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية مينيابوليس في الفترة من 2009 وحتى عام 2015، سبب قلقه بشأن أسواق الريبو.
ومن أجل فهم ما يحدث، دعونا نعود إلى نموذج بسيط، حيث نفترض وجود بنك كبير واحد فقط وفي يده خيار ما يفعله مع غالبية أصوله: يمكنه الاحتفاظ بهم كودائع لدى الفيدرالي والحصول على معدل الفائدة الذي يدفعه البنك المركزي على الاحتياطيات الزائدة أو يمكنه الإقبال على مخاطرة إضافية وكسب المزيد من العائد عبر الاستثمار في الأوراق المالية أو الائتمان.
وفي هذا السيناريو البدائي، تحقق كافة الأصول نفس العائد المعدل وفقاً للمخاطرة، والذي يحدده الفيدرالي بفعالية من خلال تحديد معدلات الفائدة على الاحتياطيات الزائدة.
والآن دعونا نخطو خطوة أقرب للواقع، يوجد مجموعتين من المصارف، البنوك التي لديها القليل من الاحتياطيات الزائدة وهي ما تعرف باسم "Tight banks" والمجموعة الأخرى التي تحتفظ بالكثير ويطلق عليها "Flush banks".
ويمكن للمجموعة الثانية أن تقوم بإقراض الاحتياطيات إلى المجموعة الأولى في سوق الأموال الفيدرالية، والتي تُعد محور السياسة النقدية للفيدرالي.
وطالما أن هذا الإقراض يحدث بشكل حر، فإن كافة الأصول ستظل تحقق نفس العائد المعدل وفقاً للمخاطرة، وسيظل نموذج البنك الواحد مؤشراً جيداً حول كيفية استجابة عالم البنوك المتعددة لسياسات الفيدرالي وللصدمات المختلفة.
ولكن في الأيام الأخيرة لم يتم الحفاظ على شرط الإقراض الحر.
وعلى النقيض، أدى الجمع بين الأحداث - الموعد النهائي لمدفوعات ضرائب الشركات وتسوية مزاد كبير لوزارة الخزانة - إلى نقص مفاجئ وحاد في الاحتياطيات.
ونتيجة لذلك، فإن معدلات الفائدة تباينت بشكل حاد في الأسواق التي يفترض أن تكون متشابهة.
وفي سوق الريبو، حيث يقوم المشاركون بالاقتراض والإقراض مقابل ضمانة سندات الخزانة وغيرها من الأوراق المالية، فإن الفائدة ارتفعت أعلى 5 بالمائة.
وفي أسواق الأموال الفيدرالية، تم كسر الحد الأعلى لنطاق مستهدف الفيدرالي لمعدل الفائدة والذي يتراوح بين 2 إلى 2.25 بالمائة. (يذكر أن الفيدرالي خفض الفائدة لنطاق يتراوح بين 1.75 إلى 2 بالمائة في اجتماعه الأخير)
وتكمن المشكلة الأعمق في أنه منذ أزمة عام 2008، أدت الإصلاحات التنظيمية - مثل المتطلبات المتمثلة في الاحتفاظ بكميات معينة من الأصول السائلة والحفاظ على نسبة الحد الأدنى من الرافعة المالية (رأس مال الملكية كنسبة مئوية من إجمالي الأصول) - إلى الحد من قدرة البنوك التي تمتلك احتياطيات زائدة كثيرة على الإقراض وتقييد قدرة البنوك التي لديها احتياطيات زائدة قليلة على الاقتراض.
وتتفاعل قيود كهذه بطرق معقدة مع ظروف الأسواق المالية.
وعلى سبيل المثال، يجب أن تبلغ البنوك الأوروبية عن نسب الرافعة المالية لديهم مع نهاية اليوم الأخير من كل ربع، وبالتالي فإنها تقلص من نشاط الريبو "اتفاقيات إعادة الشراء" الخاص بهم من أجل جعل هذه النسب تبدو أفضل.
ونتيجة لذلك، حتى عندما تبدو الاحتياطيات الزائدة كثيرة ، فإن تكاليف التمويل للبنوك قد تتجاوز معدل الفائدة الذي يتحكم فيه الفيدرالي.
وهذا لا يُشكل بالضرورة معضلة بالنسبة للسياسة النقدية للفيدرالي، حيث أن البنك المركزي يمكنه ضخ السيولة (الكاش) في الأسواق المختلفة من أجل عودة معدلات الفائدة لمستواها المحدد.
وهذا ما يقوم به الفيدرالي تحديداً في سوق الريبو، كما يمكنه جعل هذا الإصلاح أكثر استمرارية عبر تدشين ما يسمى بتسهيلات الريبو الدائمة والتي تعني أن الفيدرالي سيضخ أموالاً كافية بشكل يومي حسب الحاجة من أجل ضمان بقاء معدل الفائدة على الأموال الفيدرالية فيما يراه ضمن النطاق المناسب.
والأمر الذي يستعصي على الفهم هو كيفية استجابة أسواق المال للصدمات المستقبلية.
وكما أظهرت التجربة في غضون الأسبوعين الماضيين، فإن نموذج البنك الواحد لم يعد فعال.
والاحتياطيات في البنوك التي بحوذتها احتياطيات زائدة كثيرة مجزأة، وبالتالي فإن النظام المالي يتصرف كأنه يمتلك 1.3 مليار دولار كاحتياطيات زائدة وليس الـ1.3 تريليون دولار الموجودة فعلياً.
وتسبب تصميم اللوائح التنظيمية في تعطيل بعض وظائف النظام الأساسية.
ويجب أن يكون الأشخاص الذين يشرفون على كل شيء بعيدون عن التفاؤل بشأن ما قد تكون عليه التداعيات.
أخبار متعلقة :