من: سالي إسماعيل
مباشر: شهد الأسبوع الماضي خطوات صارمة من قبل البنك المركزي الأوروبي وآخرين تهدف إلى تيسير السياسة النقدية في مسعى لدعم الاقتصاد، لكن هل تفلح؟
وتأتي خطوات البنوك المركزية العالمية بالتزامن مع مخاوف تباطؤ النمو الاقتصادي الناجمة عن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى جانب التوترات السياسية والجيوسياسية والتي فاقمت الأوضاع حدة.
وتتمثل تلك الخطوات في لجوء البعض إلى خفض حاد في معدلات الفائدة كما فعلت تركيا وسط الانفتاح على إجراء إضافي كعودة برامج التيسير الكمي للساحة مرة أخرى مثلما قرر المركزي الأوروبي.
وفي الأسبوع الماضي، قام البنك المركزي الأوروبي باتخاذ قرارات عديدة فيما يتعلق بالسياسة النقدية كان في مقدمتها خفض معدلات الفائدة على تسهيلات الودائع 10 نقاط أساس لتصبح -0.5 بالمائة.
فيما أبقى معدلات الفائدة على عمليات إعادة التمويل الرئيسية وعمليات إعادة التمويل والإقراض الهامشي عند 0.00% و0.25% على الترتيب، وفقاً لبيان السياسة النقدية.
وحدد البنك شهر نوفمبر/تشرين الثاني كموعد لبداية برنامج التيسير الكمي بوتيرة شهرية قيمتها 20 مليار يورو دون وضع إطار زمني لنهاية هذا الوضع، حيث استخدم كلمة مطاطة وهي "طالما كان الوضع يتطلب ذلك".
وأرجع رئيس المركزي الأوروبي "ماريو دراجي" والذي يستعد للرحيل في الشهر المقبل، قرارات البنك إلى ثلاثة عوامل رئيسية، ألا وهي؛ تباطؤ النمو الاقتصادي المطول والمخاطر الهبوطية المستمرة في التجارة العالمية ومراجعة توقعات التضخم بالخفض.
وبعد قرار المركزي الأوروبي تراجع اليورو دون 1.10 دولار قبل أن يعاود الصعود أعلى هذا المستوى وسط تركيز المستثمرين على تصريحات دراجي والتي قلصت من مخاوف دخول اقتصاد منطقة اليورو في مرحلة ركود كما واصل المكاسب في اليوم التالي متجاوزاً 1.11 دولار.
ومع الاستجابة الأولى للعملة الأوروبية الموحدة على قرارات المركزي الأوروبي بالخسائر، أشاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتصرف السريع للبنك والنجاح في خفض قيمة اليورو لكن دراجي رفض بحزم هذه المزاعم، بقوله: "نحن لا نستهدف سعر الصرف".
وفي الوقت نفسه، قام البنك المركزي الأوروبي بتعديل توقعاته لنمو اقتصاد منطقة اليورو في العامين الحالي والمقبل بالخفض لتصبح 1.1 و1.2 بالمائة على الترتيب بعدما كان من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو بنسبة 1.2 بالمائة هذا العام و1.4 بالمائة في عام 2020.
وعلاوة على ذلك، فإن التضخم في منطقة اليورو، والذي يقف عند مستوى 1 بالمائة، يبعد كثيراً عن مستهدف البنك المركزي والبالغ أقل قليلاً من 2 بالمائة.
وبالنظر إلى تركيا، فإن البنك المركزي التركي قام بتنفيذ خفض حاد في معدل الفائدة مع تقليص قدره 325 نقطة أساس، وهي الخطوة المماثلة تقريباً لما حدث في اجتماعه الأخير ليصبح مجموع ما خفضه 7.5 بالمائة أو 750 نقطة أساس.
وأصبح معدل الفائدة في تركيا الآن 16.5 بالمائة بعد أن كان يقف عند 24 بالمائة قبل أقل من شهرين فقط، وهو ما يأتي بما يتوافق مع رغبة وتوقعات الرئيس رجب طيب أردوغان.
ويتزامن قرار السياسة النقدية في تركيا مع تجنب أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط الدخول في مرحلة ركود بالإضافة إلى تباطؤ التضخم مسجلاً أدنى مستوى في 15 شهراً كما أن توقعات التضخم آخذة في التحسن.
وعلى عكس المتعارف عليه في لغة الاقتصاد، فإن الليرة التركية حققت مكاسب واسعة في أعقاب قرار البنك المركزي في البلاد.
وعلى نفس النهج، سار البنك المركزي في الدنمارك ليقلص الفائدة بنحو 10 نقاط أساس لتصبح -0.75 بالمائة وهو مستوى قياسي متدني، وهي نفس الخطوة التي لجأت لها روسيا قبل أيام قليلة.
ومع ذلك، توجد أقلية من البنوك المركزية حول العالم التي تتبع اتجاهاً عكسياً، بهدف كبح جماح التضخم بدلاً من دعم الاقتصاد، حيث رفع البنك المركزي في زيمبابوي - التي تقع تحت ضغوط اقتصادية مع أزمة العملة - الفائدة بنحو 20 بالمائة لتصبح 70 بالمائة.
وفي أعقاب الأزمة المالية العالمية، اتبعت البنوك المركزية حول العالم خطوات تيسيرية في سياستها النقدية من أجل دعم الاقتصاد المتهالك وتحفيز النمو الاقتصادي وهو ما حدث بالفعل وشوهدت نتائجه على مدى السنوات القليلة الماضي.
لكن بعد مرور ما يزيد عن العقد على الأزمة، ووسط إشارات قوية بأن الاقتصاد العالمي آخذ في التباطؤ، هل ينجح تكرار سيناريو اللهجة الحذرة للبنوك المركزية مجدداً؟ أو بمعنى آخر؛ هل تؤتي خطوات خفض الفائدة وبرامج التيسير الكمي بثمارها؟.
وفي هذا الشأن، تؤكد رئيسة قسم أبحاث الاقتصاد والسوق في معهد بلاك روك "إلغا بارتش" أن هناك حاجة ملحة لسياسات غير مسبوقة من أجل التعامل مع فترة تراجع النشاط الاقتصادي القادم.
وتعزي السبب في ذلك إلى أن السياسة النقدية استنفذت بالفعل الكثير من أدواتها مع تراجع معدلات الفائدة العالمية إلى الصفر أو إلى ما هو دون ذلك.
ومهما تعددت الآراء التي تحلل مدى فعالية تكرار سيناريو استجابة البنوك المركزية، فإن هذا التساؤل يظل قائماً حتى تثبت التجربة الفعلية إجابة واضحة ومحددة.
أخبار متعلقة :