تحرير: نهى النحاس
مباشر: يشهد العالم الآن تطورات واسعة في سوق السندات، فعوائد قروض الرهن العقاري في الدنمارك تحولت للنطاق السالب، والعائد على سندات شركة "نستله" لفترة استحقاق 10 سنوات دون الصفر.
فيما يتم تداول السندات الحكومية النمساوية ذات فترة استحقاق 100 عام عند مستوى يوازي ضعف قيمتها الاسمية، فيما تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لآجل 30 عاماً عند أدنى مستوى على الإطلاق.
ويشير تحليل نشرته "بلومبرج أوبنيون" إلى أنه بالنسبة لمديري الصناديق الاستثمارية الذين يسعون إلى التعامل مع عالم الدخل الثابت فإن رد فعل سوق السندات لاحتمال حدوث ركود اقتصادي يجعل الحياة أكثر تقلباً كل يوم.
ويرى المحللون قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض معدل الفائدة في اجتماع 18 سبتمبر/أيلول المقبل أمراً مؤكداً، استناداً إلى الأسعار في سوق العقود المستقبلية لمعدل الفائدة.
ولكن البنك المركزي الأوروبي يبدو أنه يواجه قراراً أكثر صعوبة بشأن السياسة النقدية في اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل، وذلك بالنظر إلى أن معدل الفائدة الرئيسي عند مستوى -0.40 بالمائة.
ويشير الرسم البياني التالي إلى أن العقود المستقبلية في منطقة اليورو تم إعادة تسعيرها على نحو كبير منذ بداية الشهر الجاري.
ويتوقع المتداولون أن تتراجع تكاليف الاقتراض لمزيد من النطاق السالب، واستئناف البنك المركزي الأوروبي برنامج التيسير الكمي.
ولكن بعض المستثمرين يشككون في مدى فعالية جهود البنك المركزي لشراء مزيد من الديون المطروحة في سوق السندات الحكومية، في الوقت الذي وصلت فيه العوائد بالفعل لمستويات قياسية منخفضة.
ويرى فيلب هيلدبراند نائب رئيس شركة "بلاك روك" أن البنك المركزي الأوروبي ليس لديه بالفعل ذخيرة، ما يعني أنه يجب على المستثمرين الانغماس في المزيد من التفكير السحري بشأن ما الذي يمكن أن ينضم لقائمة التدابير غير التقليدية.
وأضاف هيلدبراند: "سنرى تغييراً في نظام السياسة النقدية، سيتمثل تغيراً كبيراً مثل الذي رأيناه بين ما قبل وما بعد الأزمة، بالإضافة إلى عدم وضوح الأنشطة والمسؤوليات المالية والنقدية".
ونشرت "بلاك روك" ورقة تحت عنوان "التعامل مع الدورة الهبوطية المقبلة" تقول فيها ما الذي تتوقع أن يقوم به مسؤولي السياسة النقدية في الفترة المقبلة.
وشددت الورقة على ضرورة الاستجابة غير المسبوقة عندما يتم استنفاذ السياسة النقدية وتصبح السياسة المالية وحدها غير كافية.
ومن المحتمل أن تتضمن هذه الاستجابة "التوجه المباشر" الذي يعني أن يجد البنك المركزي طرقًا لتحويل أمواله مباشرة نحو أيدي القطاعين العام والخاص.
والأمر المذهل في تقرير "بلاك روك" هو أن ثلاثة من أصل 4 محللين في الورقة البحثية كانوا مسؤولين سابقين في بنوك مركزية ويعملون الآن في مجال إدارة الأصول.
وهيلدبراند كان الرئيس السابق للبنك المركزي السويسري، وستانلي فيشر قضى فترة من الوقت في أروقة الفيدرالي، أما جين بويفن هو نائب سابق لمحافظ المركزي الكندي.
فكر في الأمر لبرهة، هؤلاء ثلاث مسؤولين سابقين في بنوك مركزية، ليسوا أكاديميين أو أساتذة أو منظرين، ويقولون إن البنوك المركزية ليس لديها ذخائر للمواجهة وغير قادرة على حشد القوة الكافية لإنعاش النمو، هؤلاء هم الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن تنفيذ السياسة النقدية.
والمخاوف تجاه توقعات النمو الاقتصادي تتزايد، حتى أن الحكومة الألمانية التي قاومت إغراء الحصول على ميزة من التكاليف متناهية الرخص لاقتراض الأموال لتعزيز الإنفاق تستعد الآن لاتخاذ حزمة تدابير مالية لمواجهة الركود، ولكن تحسين فعالية الطاقة وتشجيع التوظيف وزيادة مدفوعات الرخاء الاجتماعي قد تكون أمور قليلة ومتأخرة للغاية.
وفي منطقة اليورو، تتوقع "بلاك روك" أن المركزي الأوروبي قد يعتمد خطة تم اقتراحها لأول مرة في عام 2016 من قِبل "إريك لونيرجان" مدير الصناديق في شركة "إم.آند.جي" وتعتمد على أن يقدم البنك المركزي قروضاً بدون فوائد لكل مواطن بالغ.
وفي حين أن لونيرجان يؤيد بشكل صريح مصطلح "هليكوبتر الأموال" أي (التوزيع العشوائي للمال المجاني بين المستهلكين في محاولة لتحفيز زيادة الإنفاق وبالتالي تحفيز التضخم)، فإن "بلاك روك" ترى أنها تهدد بالتسبب في تضخم جامح.
وصفحات التاريخ زاخرة بأمثلة حول كيف أن طباعة البنوك المركزية للأموال يمكن أن يؤدي إلى تضخم جامح، ولكن هناك تجارب قليلة لاستخدام هليكوبتر الأموال لخلق تضخم كافي لتحقيق استقرار الأسعار.
ويشير التاريخ والنظرية الاقتصادية أيضاً إلى أن الزيادة الكبيرة في ضخ الأموال ليس ببساطة هو الأداة المناسبة لتحقيق زيادة محدودة في التضخم.
ويتضمن تعديل "بلاك روك" لاقتراح هليكوبتر الأموال تأسيس مرافق نقدية عاجلة دائمة يتم استخدامها فقط في الحالات القصوى، وبالتعاون مع السياسة المالية والنقدية تصبح قوة مسؤولة مشتركة لتحقيق هدف التضخم.
وأشارت بلاك روك إلى أن هذه الآلية يجب أن تأتي مع نقطة خروج محددة مسبقاً ومستهدف واضح للتضخم.
ومن المرجح أن تكون هذه القيود الأخيرة بمثابة مشكلة بالنسبة لاقتراح "بلاك روك"، كما هو الحال بالنسبة للسياسات غير التقليدية الحالية التي تتبعها البنوك المركزية.
واتضح أن الخروج من التيسير الكمي وإعادة أسعار الفائدة إلى مستويات طبيعية أمر أكثر صعوبة بكثير مما كان متوقعًاـ كما أن مستهدفات التضخم تكون عديمة الفائدة عندما ترفض الأسعار بعناد أن ترتفع.
ومع ذلك، فإن مستثمري السندات تلقوا إشارات بشأن تغييرات محتملة في السياسة النقدية، وكان رد فعلهم هو توسيع قائمة الأحداث التي لم يسبق لها مثيل في سوق الديون.
وربما أن تصبح المرحلة التالية هي التحول إلى طائرة هليكوبتر تسقط أموالاً مع كريستين لاجارد الرئيس الجديد للبنك المركزي الأوروبي في مقعد الطيار.
أخبار متعلقة :