تحرير: نهى النحاس
مباشر: أصبحت سلاسل التوريد العالمية عميقة ومعقدة، وهو ما يبرز أهمية إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه بصدد تطبيق تعريفات جمركية على الواردات التي تنتقل عبر الحدود الأمريكية والمكسيكية.
ويشير تحليل نشرته "بلومبرج أوبنيون" إلى أن هناك شيء واحد واضح وهو أن المستهلكين الأمريكيين هم أكثر المتضرريين.
وأعلن الرئيس الأمريكي أنه سيطبق تعريفات جمركية على الواردات من المكسيك بنسبة 5 بالمئة بدءًا من 10 يونيو/حزيران، وأنه قد يلجأ لزيادتها تدريجياً حتى مستوى 25 بالمئة في بداية أكتوبر/تشرين الأول.
وتعبر العديد من المنتجات وقطع الغيار الحدود المكسيكية والأمريكية عدة مرات، وهو ما يضخم من تأثير التعريفات، حيث أنه يوجد نحو 53 مليار دولار من القيمة المضافة في الصادرات المكسيكية تنشأ في الولايات المتحدة ما يعادل واحد على سبعة من القيمة الإجمالية للصادرات المكسيكية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن هناك 14 مليار دولار من القيمة المضافة بالصادرات تأتي من جارتها الجنوبية.
ويتركز الكثير من تلك القيم في الصناعات مرتفعة القيمة والقريبة من الحدود، كما تمثل المكسيك نحو ربع الصادرات الأمريكية من الآلات والبلاستيك والإلكترونيات، وخُمس صادرات واشنطن من المواد البترولية والسيارات.
وفيما يتعلق بالسيارات، فإن قطع الغير تأتي من كل أنحاء العالم بما فيهم الولايات المتحدة نفسها وذلك قبل تجميعها في سيارة.
وربما تأتي المقاعد وحزام الآمان من موردين مكسيكيين في حين أن الصمامات المتخصصة لتكيف الهواء تأتي من الصين وأجزاء أخرى من ألمانيا، وتلك سلاسل التوريد لا تخفض التكلفة فقط وإنما ترفع الجودة للمنتجات بالنسبة للمشتريين الأمريكيين.
وهناك نحو 3 ملايين سيارة وقطع غيار تدخل الولايات المتحدة من المكسيك سنوياً، وهي تجارة تعادل قيمتها نحو 90 مليار دولار.
كما تصدر شركات تصنيع السيارات الأمريكية سلعاً بقيمة تزيد عن 30 مليار دولار من المكسيك للولايات المتحدة، إلى جانب 13 مليار دولار أخرى لليابان.
ولكل سيارة يشتريها المستهلك الأمريكي داخل الولايات المتحدة فإن ثلث القيمة تنشأ بواسطة العمال المكسيك، وبعيداً عن واردات المكسيك من السلع الوسيطة فإن نحو 60 بالمئة يغادر البلاد مرة أخرى كصادرات.
ومن شأن قرار ترامب أن يقضي على سلاسل التوريد، ما يرفع سعر كل جزء والمنتج بأكمله.
وتصنيع السيارة ليس فقط عبارة عن استيراد وتصدير المحركات وهيكلها المعدني والأجزاء الناقلة للحركة، فالنسبة لكل مكون فإن سلسلة التوريد يمكن أن تصل إلى 20 طبقة أخرى، فهي عملية معقدة يتم رسمها في صناعات بداية من الإلكترونيات وحتى المنسوجات في جميع أنحاء العالم.
وإذا نظرت إلى مقعد السيارة ستجد بعض المصانع تنتج الهيكل وأخرى تنتج من الوسائد فيما لايزال البعض الآخر يصنع الإلكترونيات التي تحرك المقعد للأمام والخلف، فيما يقوم مصنع آخر بالتجميع ليصبح مقعد جاهزاً ليوضع في السيارة.
والكثير من تكلفة الصناعات العابرة للحدود يتم إخفائها وبالتالي فهي صعبة الحصر، فأسعار الواردات لا تعكس السلع الوسيطة ومن ثم فإنه من الصعب أن يتم ملاحظة مثل تلك المنتجات في البيانات التجارية، ولا يمكن لتلك التكاليف المخفية أن تتضح في الحال.
والأسعار المرتفعة الناتجة عن التعريفات كلفت مستهلكي ومستوردي الولايات المتحدة بالفعل 70 مليار دولار بحسب تقديرات اقتصاديين، وذلك يفسد مكاسب الدخل بالنسبة للمنتجيبن الأمريكيين من الحرب التجارية.
وإليكم المشكلة: لاتزال هناك مجموعة كبيرة من المنتجات التي تستورها الولايات تحتوي على أجزاء أمريكية.
وتشير بعض الدراسات إلى أن تلك النسبة تتراوح بين 40 بالمئة إلى 50 بالمئة بالنسبة لمحركات السيارات التي يتم تصديرها من المكسيك للولايات المتحدة. والتعريفات تصبح في نهاية المطاف أكثر تكلفة للدولة الي تفرضها حينما تتضمن الواردات محتوى محلي أكبر، وذلك لأن الواردات تضر الموردين في الدولة نفسها.
وتتدفق السلع الوسيطة المقدرة بمليارات الدولار لدعم اقتصاديات الولايات الأمريكية، فولاية ميتشجان تحصل على 15 مليار دولار من السلع الوسيطة من المكسيك، أما المكسيك وكندا فيقدمان لأوهايو سلعاً وسيطة بـ3 مليارات دولار.
وتستورد تكساس 6 مليارات دولار من قطع الغيار من المكسيك، أما تينيسي فـتستورد سلعاً وسيطة بملياري دولار، وكنتاكي 1.6 مليار دولار.
وبالنسبة لشركات السيارات فإن التعريفات ستخفض الأرباح بمئات الملايين من الدولارات، حيث أن التعريفات الموجودة بالفعل منذ نهاية العام الماضي كلفت شركات السيارات 14 مليار دولار شهرياً في التجارة المعاد توجيهها، ويعكس ذلك ارتفاع تكاليف نقل سلاسل التوريد، وهذه النفقات سيتم نقلها حتما إلى المستهلكين.
وأسعار السيارات في ارتفاع بالفعل في الولايات المتحدة والمشتريين سيتجهون لخفض الإنفاق أكثر، وهناك تقريباً نحو ثلث واردات السيارات الأمريكية من حيث القيمة تأتي من المكسيك، كما أن التعريفات على واردات المنتجات البترولية ستؤدي إلى مزيد من الارتفاع في تكلفة القيادة.
وقد تقلص أيضاً تعريفات ترامب من الاختيارات بالنسبة للمستهلكين وذلك بدفع المكسيك للتجارة مع دول أخرى مثل الاتحاد الأوروبي، حيث أن للدولة 11 اتفاقية تجارة حرة يتضمن 46 دولة، حيث من المتوقع أن يسمح الاتفاق الذي تمت إعادة التفاوض عليه مع الاتحاد الأوروبي بنقل جميع السلع بدون رسوم جمركية.
وسواء كانت الحرب التجارية معركة سهل الفوز بها أم لا، فإن الأمر قد يتوقف على من يدفع الثمن، وفي تلك الحالة فإنه يبدو أن المستهلك الأمريكي هو الضحية.
أخبار متعلقة :