كتب : الوطن منذ 13 دقيقة
قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، في حواره مع الإعلامية لميس الحديدي في برنامج "مصر أين وإلى أين؟"، إن أوباما قال لأركان الحرب إننا سنوجه ضربة أمريكية إلى سوريا، لكنهم رأوا أنها قد تحدث حالة فوضى عارمة بما يستدعي نزول القوات الأمريكية، وأدرك أوباما أنه صعد بأكثر مما هو ضروري، وأن "حججه ضعيفة" بخاصة في ظل وجود روسيا في الصورة.
*بنفس فكرة حركة التاريخ الواعية، إلى أين تأخذنا هذه الحركة في عام 2014؟
ـ حركة التاريخ الواعية تقودنا إلى شيء مهم جدا، أن هناك قوتان متلاقيتين، الأولى هي الرغبة الداخلية في التغيير، أو "حالة الثورة"، والأخرى هي محاولات إعادة السيطرة من الخارج، فاصطدمتا سويا، فدخلنا في حالة فوضى عارمة في المنطقة.
*إذا كان ذلك فدعنا نبدأ بسوريا وهي الأكثر تأثرا؟
ـ هي الاكثر في هذه القلاقل وأنا أعتقد أن سوريا أن ثمة شيء غريب حدث هناك وهي أن كل الأطراف تعجلت بشكل كبير، فالنظام بالتأكيد أمامه معارضة شديدة جدا تطلب التغيير، وهي محقة، لكن بين ما حدث في سوريا وما حدث في مصر تقع أحداث ليبيا، الناس في سوريا تنبهوا والنظام بات أكثر عنفا، عندما حدثت بعض الحوادث في دمشق تحرك النظام، وعندما حدث في درعا ذات الأمر بشكل أكثر عنفا، وفي ذات الوقت بدأ السلاح يتدفق من تركيا، وأصبحنا في حالة خطيرة، أنا شخصيا ومع تقديري لكل ما تراه الدول العربية، أرى أن سوريا في هذا الوضع ظلمت.
أحداث ليبيا كانت سببا لمبالغة النظام السوري في العنف وإصرار المعارضة على تسليح نفسها
*سوريا البلد أم سوريا النظام؟
ـ في تطور التاريخ وبما أننا نتحدث عن مساره في أي بلد، هناك سلطة تنشأ تتحول إلى قانون، سواء أكان عرفا أم قانون السلطة الأبوية التي تنشأ في هذه الأوطان، ثم تقوم الدولة ثم بعد الدولة تأتي الديمقراطية، الناس في سوريا أدركوا تماما أن هناك خطرا وجوديا، لأن الأسلحة كانت كثيرة ولم تتأخر.
*كأن الموقف كان معدا وجاهزا؟
ـ كانت على عجل لأن خطة حلف الأطلسي كانت موجودة باستمرار، فهناك خطتان متعارضتان متصادمتان واجهتا نفس الموقف على الأرض، الأولى حلف الأطلسي والثانية ثورة الشعوب على الأرض.
*لماذا تراجع أوباما من وجهة نظرك عن الضربة العسكرية لسوريا؟
ـ مستعد أن أقول وأنا أقرأ هنا مقالة لسيمور هيرش، وأنا أعرفه جيداً وكان ضيفي في القاهرة لمدة عشرة أيام وأنا معجب به جدا، واخترته حتى يتحدث هنا للشباب في مصر لأني أعتقد أنه أهم مخبر استقصائي، حيث كتب قائلا إن النظام السوري لا يمكن أن يكون هو من استعمل الغازات، ويتهم هنا النظام الأمريكي بأنه حاول تلفيق هذا الأمر بناء على ضغوط وأشياء أخرى كثيرة.
*لفق ؟
*تقريبا هذا المعنى، بحيث حيث نكتشف المقال أن مواقع الأسلحة الكيماوية الموجودة في سوريا محاطة بأجهزة مراقبة قوية وكبيرة مزروعة في الأرض لايعلم عنها النظام شيئا، وأنها تنقل كل حركة، وهي دولة بالفعل كل الدول تراقبها بداية من إسرائيل، التي تنقل كل حركة تجري أمام مخزن أو موقع به أسلحة كيماوية، ترصد وتنقل وتصل في نفس الوقت إلى تل أبيب وواشنطن.
*هل هذه المراقبة لايعلم عنها النظام ؟
*نعم لايعلم عنها النظام شيئا، حتى أن سيمور هيرش ذهب إلى أن مكتب الأسد كان مراقباً بنفس الأجهزة، والسوريون اكتشفوا أن ثمة بعض التسريبات يبدو فيها ثمة اختراق لمكتب الرئيس، فقاموا ببعض الإجراءات التي أغلقتها، لكن تلك الأجهزة الموجودة حول مواقع الأسلحة الكيماوية بقيت كما هي، وتعمل بشكل جيد، ويحكي أنها أجهزة دقيقة وأن وجودها شيء منطقي، ويقول إن الأجهزة رصدت تحركات في مخازن الأسلحة النووية، وهي حركة إما لاستعمالها من جهة أو لاختبارها، لأنه باستمرار الأسلحة الكيماوية لا يمكن أن تبقى في غلافها أكثر من ثلاثة أيام، وإلا ينصهر الغلاف، لابد أن تعبأ في آخر لحظة، نعود للملاحظة، ويقول إنه في ديسمبر أطلق أوباما تحذيرا أن نظام بشار الأسد يستعد لاستخدام الأسلحة الكيماوية، وعليه أن يتراجع، لأن هناك ضحايا سيكونون بالمئات، ويعود هيرش قائلا إن هذه الإدارة أخذت مقدمات ماحدث في ديسمبر وألصقتها بعد تغيير التاريخ إلى نوفمبرالماضي، وقالت إن النظام استخدم الأسلحة الكيماوية، وأن المعارضة لديها هذا السلاح، وأنها هي من بدأت بالاستخدام هذه المرة رغبة منها في توريط النظام.
* وبالتالي لماذا تراجعت الولايات المتحدة عن الضربة؟
ـ يكفي أن الحجة الأساسية الوحيدة الأمريكية في المسألة السورية، أن النظام وحده من يستخدم هذه الأسلحة، وهي النقطة التي حاول البيت الأبيض ترويجها واستغلالها، وصعد الموقف، وعندما جاء رؤساء الحرب الأمريكان ليستشيرهم أوباما، وكان واضحا في المعلومات أن البيت الأبيض حاول تكذيب أنه أخفى أن المعارضة لديها سلاحا كيماويا، وعندما قال أوباما لأركان الحرب إننا سنوجه ضربة أمريكية، فماذا بعد الضربة وكيف يمكن توجيهها؟ فرأوا أن بعد الضربة قد تحدث حالة فوضى عارمة بما يستدعي نزول القوات الأمريكية، وأدرك أوباما بعد اجتماعه أنه صعد بأكثر مما هو ضروري، وأنه أصبح في مأزق، وانتهى الأمر بإحالته إلى الكونجرس.
*هل انتهى القرار بسبب ذلك؟
ـ أستبعد أن تكون الادارة الامريكية رتبت كل شيء بمفردها، حتى من واقع تقارير الأمم المتحدة التي تغضبهم الآن أثبتوا أن المعارضة كان لديها سلاح كيماوي، وقد استخدمتها، وهنا لم تعد القضية واضحة وظاهرة لكي تضرب سوريا بصواريخ تصل إلى 250-300 صاروخا، وهذه الخطة المعدة، وروسيا كانت تعارض، ولابد من حجج أقوى، وواضح أنها كانت تقف على أرضية لكنها تنتظر، ثم ينتهي الأمر بنزع الأسلحة الكيماوية، لكن المدهش في الأمر أن بعض الدول العربية غضبت لأن الضربة العسكرية ألغيت، وأحد هذه الأمور أن سفير السعودية في بريطانيا كتب مقالا في "ديليجراف" قال فيه: "إننا سوف نكمل المهمة وحدنا"، ولا أعلم كيف ترتب هذه السياسات.
*إذن.. في المستقبل ماذا ترى؟
ـ أنت أمام نظام أولا استطاع أن يتوقى الضربة.
*هل أصبح نظام الأسد أقوى؟
ـ هناك شيئان حدثا، أولا أنه إستطاع تعزيز موقفه على الأرض، من البداية كانت هناك مشكلة وأنا حاولت أن أستقصيها، أن النظام عندما بدأت الأحداث قرر أن يتمسك بالمدن وليس بالريف، وقوته محدودة، وهناك أسلحة في كل مكان، وبالفعل استطاع الامساك بالمدن في كافة المحافظات، باستثناء بعض الأماكن التي احتلتها المعارضة، ودخلت فيها النصرة الآن، وهي مدينة الرقة وأهل الرقة الآن يصرخون، والله يكون في عونهم، لأن من يحكمهم هم حركة نصرة الإسلام، وفرضوا قوانيين وقواعد ويطبقون العقوبات في الشارع بالذبح، وبالتالي النظام بات أقوى لأسباب، أولها تحسن موقفه على أرض المعركة، والثاني تجنبه الضربة الأمريكية، وثالث الأمور هي صورة التربص، وهو يستحق هذا التربص، لكن التربص بأكثر من اللازم في ظرف غير ملائم، لو أن أحدهم تربص بآخر في ظرف طبيعي ليس مشكلة، لكن التربص كان في ظرف الناس جميعها تسقط.
أخبار متعلقة :