التعايش والتوحد مع الشخصية الفنية مزية يتمتع بها الفنان الراحل أحمد زكي، بتركيزه على أدق التفاصيل والإحساس بالدور الذي يجسده، مهتمًا بطريقة المشي وكيفية التحدث وحتى بنطق كلمة «ألو»، وهو ما أكده زملاؤه والمقربون منه.
في مختلف اللقاءات التليفزيونية التي ظهر فيها «زكي» يؤكد أنه يدرس الشخصية بتعمق شديد، حتى إن تفاصيلها تصل إلى «جهازه العصبي» ليكون صادقًا في تمثيله أمام المشاهد.
يقول «زكي» عن كيفية تجسيده مختلف الشخصيات: «الواحد لما بيحس الشخصية بيلاقي فيها حاجات بتبقى جواه.. لذلك في كل فيلم بتلاقي مشيتي متغيرة، مش ببقى قاصدها.. ببقى حاسس الحالة فا الحالة بتمشي كده».
تعمُّق أحمد زكي داخل الشخصية دفع المخرج محمد ياسين إلى تدقيقه في بعض المشاهد للفنان الراحل، مركزًا على طريقة رده على المكالمات الهاتفية في مختلف الأعمال، لتكون النتيجة التي توصل إليها، وفق رواية الابن هيثم زكي: «ملقتش فيهم واحدة شبه التانية.. كل رفعة تليفون مختلفة».
ومع تلك الحالة المختلفة التي رسخها الراحل أحمد زكي وفي ذكرى رحيله، رصد 8 قصص تعكس تعمقه الشديد داخل الشخصيات التي جسدها، وذلك على ألسنة زملائه الفنانين ونجله.
8. البيه البواب :
خلال تجسيده شخصية «عبدالسميع البواب» لم يفوّت أحمد زكي أي تفصيلة تتعلق بذلك الدور، وهو ما أوضحته الفنانة رجاء الجداوي ببرنامج «ممنوع من العرض»، عندما تحدثت عن كواليس مشهد تتسلم فيه صندوق المياه الغازية منه بعد أن يصعد من الدور الأرضي إلى الطابق الثاني.
وقتها طلب المخرج حسن إبراهيم من «رجاء» أن تقف قرب الباب حتى تفتحه بعد أن يطرقه «زكي»، وكانت التعليمات بأن يتحرك الأخير بعد سماعه إحدى الكلمات، بينما تبدأ الأخرى في الحركة بعد استماعها للفظ آخر.
وتروي «رجاء» أنها ظلت منتظرة لدقائق بعد سماعها إذن بدء الحركة لـ«زكي»، ومع تأخره فتحت الباب ظنت أن التصوير توقف، لكنها فوجئت بتكرار القائمين على العمل التعليمات من جديد، وهو ما أثار استغرابها، لتكتشف السبب لاحقًا وتوضح: «أتاريه شايل الشيلة وطالع من الدور الأرضي للتاني على رجليه عشان النفس يبقى متظبط مع الجملة اللي هيقولها، مش واقف مستخبي ويضرب الجرس على طول».
وقبل بدء عمله في الفيلم رفض أن تجسد شخصية زوجته الفنانة ميرفت أمين لعدم ملاءمتها للدور، وقال حسب ما ذكرته «رجاء»: «إزاي البواب ده يبقى متجوز الجميلة دي» ليبحث عن سيدة سمراء محلها، ونفس الأمر فيما يخص الأطفال واستبعد عددًا منهم لبياض لون بشرتهم.
7. المدمن :
أتقن «زكي» تجسيد شخصية «خالد عبدالحميد» في فيلم «المدمن»، وظهر في عدة مشاهد وهو يمسك السرنجة ويدخل إبرتها في ذراعه اليسرى لتعاطي المادة المخدرة.
المفاجأة وضحت خلال حواره مع الإعلامي مفيد فوزي، حينما قال الأخير: «غريب جدًا إنك إنت في فيلم المدمن أخدت الحقنة»، وهو ما لم ينفه «زكي» واكتفى بقوله: «طبعًا أنا مش هضرّ نفسي.. دي كلها حاجات طفيفة».
6.البريء :
كذلك توحّد «زكي» مع شخصية المجند «أحمد سبع الليل» في فيلم «البريء» حتى في طريقة المشي، وروى نجله «هيثم» أنه خلال عرض العمل لأول مرة على شاشة التليفزيون كان والده في غاية السعادة، ولفرط سروره بدأ يشرح له كيف أدى هذا الدور.
وروى «هيثم»: «قال لي بص الشخصية عاملة إزاي ومشيتها عاملة إزاي، وقام قلدها لي، وقال لي بص قفاه عامل إزاي عشان غبي مش فاهم حاجة».
كما كشف الإعلامي مفيد فوزي أن المخرج الراحل عاطف الطيب فوجئ بإصرار أحمد زكي على النزول بنفسه إلى الترعة في أحد المشاهد، رغم معاناته سابقًا من مرض البلهارسيا.
5. ناصر 56 :
في السنوات الأخيرة من حياة أحمد زكي، كان الدكتور ياسر عبدالقادر، الطبيب المعالج له، قريبًا منه بشدة، وهو ما تمخض عنه تبادلهما الحديث فيما يخص كل الأعمال الفنية التي أداها الفنان الراحل.
وقال «عبدالقادر» متعجبًا بخصوص فيلم «ناصر 56»: «تصوري أنا لقيت أحمد زكي طِوَل»، ليروي أن الراحل فسر له كيف دفعه للشعور بطول قامته: «بقوم على 4 مفاصل وأتحرك ببطء وأطلع برجليا الأول وأفرد ضهري فأديلك الإحساس بإني بطول، فيديك إحساس إني عبدالناصر».
4. الأيام :
حتى يجسد شخصية الأديب الراحل طه حسين في مسلسل «الأيام» استعان بأحد أساتذة اللغة العربية لجعل مخارج ألفاظه منضبطة، كذلك درس تفاصيل الفرد الذي يعاني من فقدان البصر.
وكشف «زكي»، في حوار له، أنه فوجئ بوجود 10 تصنيفات للشخصيات الكفيفة، مشيرًا إلى أن من يعيش بمنطقة عشوائية تكون طريقة حديثه عشوائية ولا يتحكم في تعبيرات وجهه، أما من يقطن في حي مثل الحسين يكون سعيدًا حتى في ألفاظه، ودلّ على النوع الأخير بالفنان الراحل سيد مكاوي.
وأردف أن الشخص الذي يصاب بفقدان البصر يعاني من انفعال شديد في طريقة حديثه وتصرفاته، وعلى هذا المنوال ظل يبحث في تفاصيل المكفوفين إلى أن تمكن من تجسيد طه حسين على أكمل وجه.
3. عيون لا تنام :
في فيلم «عيون لا تنام» ظهر «زكي» في أحد المشاهد وهو يحمل أسطوانة غاز مشتعلة على كتفه ويجري بها بعيدًا، حتى ينقذ ورشة «إبراهيم» (الفنان فريد شوقي) من الانفجار.
هذا الأمر حدث فعليًا، وفق شهادة المخرج رأفت الميهي للإعلامي مفيد فوزي، والذي كشف له أن «زكي» تعرّض للإصابة بحروق جرّاء حمله أسطوانة الغاز الملتهبة على كتفه.
2. موعد على العشاء :
وحتى يكون أحمد زكي صادقًا مع المشاهد في أدائه ألحّ على المخرج الراحل محمد خان للدخول بنفسه ثلاجة الموتى خلال تصويره أحد مشاهد فيلم «موعد على العشاء».
وروى «زكي»، في حوار مع مفيد فوزي: «كان إحساس غريب جدًا.. المخرج بتاعي ذُهل لما قلت له عاوز أدخل التلاجة اللي بيقعد فيها الموتى».
وكاد يفقد حياته فعليًا داخل الثلاجة، وقال حسب ما نقله الكاتب البحريني حسن حداد في كتابه «تعال إلى حيث النكهة»: «أحسست بأن أعصابي كلها تنسحب وكأنما توقفت دقات قلبي، وأنا أحاول تمثيل لحظة الموت، وقد ضغطت على قدمي بشدة لأنبه أعصابي وأنذرها».
1. الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين :
أصر كذلك على الالتزام بتفاصيل مشهد يظهر أحد الأفراد ماسكًا رأسه ويضع وجهه في برميل ماء متسخ، وذلك بمسلسل «الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين».
وقتها أحضر المخرج ناجي أنجلو برميلًا يحتوي على مياه نقية حتى يتمكن «زكي» من تصوير المشهد، لكن المفاجأة تمثلت في إصراره على وجود نظيره الممتلئ بالماء المتسخ، وقال: «أنا لازم أحس بده»، وفق رواية الفنانة «إيمان».
أخبار متعلقة :