كتب : محمد عبدالجليل منذ 54 دقيقة
عدد كبير من الأعمال الكوميدية شهدتها خريطة الدراما الرمضانية هذا العام، ولكن رغم زيادة تلك الأعمال نسبياً مقارنة بالأعوام السابقة، فإن الجمهور لم يتفاعل مع عدد كبير من هذه الأعمال ولم تلقَ نجاحاً يتناسب مع هذه النوعية التى يفترض أنها الأكثر جماهيرية، كذلك حمل الموسم مفاجآت تتعلق بصعود وتزايد مشاهدة «الرجل العناب» على حساب تراجع نسبة مشاهدة «الكبير» لأحمد مكى، رغم أن الأخير تصدر نسب المشاهدة فى الأعوام السابقة.
الناقد محمود عبدالشكور يتحدث قائلاً: هناك ظاهرة إيجابية فى الدراما الرمضانية هذا العام، وهى عودة المسلسلات الكوميدية بنسبة كبيرة، مقارنة بسنوات سابقة لم يكن لها هذا الوجود بمثل هذه الكثافة، ولكن للأسف معظم هذه الأعمال تعانى من مشكلة أساسية تتعلق بالكتابة ووجود نص كوميدى قوى يمكن من خلاله تقديم أعمال على مستوى عال، إلا فى حالات قليلة منها «الرجل العناب» الذى أعتبر أن مؤلفه ولاء شريف اكتشاف وإضافة لكتاب الكوميديا فى السنوات الأخيرة، ولكن أزمة المسلسل تكمن فى أن عنصرى الإخراج والإنتاج لم يكونا على نفس مستوى الخيال الذى يملكه بقية صناع العمل، فالثلاثى شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمى يقدمون كوميديا مبتكرة وأفكارا طازجة غير مستهلكة وتعتمد على فن «البارودى» أو المحاكاة الساخرة كما يطلق عليها، أما «الكبير» فهو يعكس اجتهاد بطله أحمد مكى فى تقديم شخصية تحتمل أن تقدم فى أجزاء عديدة، ولكنى أتصور أنه لم يكن هذا العام على نفس مستوى ما سبق تقديمه فيما مضى، وكذلك «ألف سلامة» لأحمد عيد الذى سقط فى فخ الفكرة التقليدية ولم يقدم جديدا على مستوى الأداء الذى يتميز به، أما «قشطة وعسل» فلم يستوقفنى على الإطلاق أى شىء مميز به، حيث شعرت فى العديد من «الإفيهات» التى تلقى بالابتذال الذى لم يشجعنى على استكمال المشاهدة.
وأكد «عبدالشكور» أن «العراف» يملك مقومات العمل الكوميدى الذى يمكن أن يصنف ككوميديا إنسانية سوداء، حيث رأى فى الدراما التى تعتمد على المفارقة مقومات جيدة لصنع الكوميديا وذلك بجانب شخصية النصاب الطريف التى يقدمها عادل إمام والمواقف التى يوضع فيها، فتنتج عنها مشاهد كوميدية عالية.
أما الكاتب وليد يوسف فيرى أن هناك العديد من الأعمال الدرامية بها كثير من المشاهد والمواقف والشخصيات التى تصنع كوميديا أكثر من المسلسلات التى تم تصنيفها مسبقاً بالكوميدية، حيث يقول: هناك مثلاً «ذات» الذى يحتوى على مواقف كوميدية كثيرة نابعة من شخصيات مثل «عبدالمجيد» الذى يجسده باسم السمرة، وعلاقته بجيرانه وزوجته، وكذلك شخصية «خضرة الشناوية» التى تجسدها القديرة عايدة عبدالعزيز فى «موجة حارة» وعلاقتها بابنتها وزوجته، وغيرها من الأعمال الأخرى، أما فيما يتعلق بالمسلسلات الكوميدية فأرى أن حلقات مسلسل مثل «الكبير» لأحمد مكى متفاوتة فى مستواها هذا العام ما بين الجيد والسيئ حيث لم تأت على وتيرة واحدة، ولا أملك تفسيرا لذلك ربما بسبب ورشة الكتابة التى يعتمد عليها وإما بسبب استنفاد الشخصية لأغراضها، ولكنه فى النهاية يظل أكثر الأعمال تماسكاً، وبالنسبة لمسلسل «الرجل العناب» فتكمن مشكلته الرئيسية فى الإخراج، وكذلك الإطالة فى «الإفيهات» التى يتم إلقاؤها بشكل يفقدها بريقها فى بعض الأحيان، أما مسلسل «جوز ماما» فأتصور أنه استنفد أغراضه منذ الجزء الأول وما يتم تقديمه فيما يلى ذلك لا يخرج عن إطار التجارة التى يتحملها للأسف المشاهد وحده، كذلك لم ينجح سامح حسين فى تقديم أى جديد يذكر من خلال مسلسل «حاميها حراميها» حيث وقع فى فخ التكرار للفكرة.
وأكد «يوسف» أن مسلسلا مثل «نظرية الجوافة» لإلهام شاهين فقد كثيرا من بريق «الإفيهات» الكوميدية التى قدمت به، والتى كانت ستصبح ذات معنى لو قدم العمل فى فترة حكم «الإخوان»، واعتبر هذا المسلسل من الأعمال التى «ركبت الموجة» وإن كان صناعها يملكون نية سليمة ومشروعة.
ويرى الكاتب لينين الرملى أن المشكلة الكبرى التى تواجه جميع الأعمال الكوميدية المعروضة فى رمضان هى غياب النص الجيد، حيث قال: «لا أتابع جميع الأعمال بشكل منتظم ولكن من انطباعاتى الأولى عن غالبيتها أنها تعتمد على الإضحاك فقط دون أن تحتوى على دراما حقيقية مكتوبة، وذلك بسبب اعتقاد راسخ عند صناع هذه الأعمال بأن النجم وحده هو القادر على صنع كل شىء فى العمل، وهذا غير صحيح، فالاستسهال للأسف بات الظاهرة الأكثر تمكناً فى الأعمال الكوميدية، حيث أصبح التقليد والتكرار والاستنساخ سمة غالبة فى كثير من الأعمال، وبالتالى يصبح معظم ما يقدم خالياً من الأفكار وهدفه فقط هو الإضحاك من أجل الإضحاك».
ويتفق معه الكاتب محمود الطوخى حيث يصف غالبية الأعمال التى تقدم بـ«الدراما الصينى» التى تشبه المنتجات الصينية التى تفسد بعد استخدامها مرة أو مرتين، يقول: غالبية الأعمال تعتمد على الإضحاك المؤقت دون أن تحمل فى طياتها فكرة أو رسالة تكتب للعمل الاستمرارية وتضمن له أن يظل فى دائرة اهتمام المشاهد على مدار سنوات طويلة مثل مسلسلات كثيرة لا تزال تعيش حتى هذه اللحظة ليس فقط بسبب وجود إفيهات كوميدية بها بقدر ما كانت تحمل أفكارا تصلح للاستمرار، ومسلسل مثل «الكبير» لأحمد مكى رغم أنه يحتوى على قدر كبير من الإضحاك فإنه بعد أن ينتهى لا يقف أحد أمامه ويتأمل فى الفكرة التى يحملها، وهذه للأسف سمات الكوميديا الأساسية التى غابت عن تلك الأعمال، فالكوميديا هى أن نضحك على أنفسنا ومن أنفسنا ونسخر من واقعنا ولكن نتأمل فيما يتم تقديمه، وليس أن نكتفى بإلقاء الإفيهات أو النكت وإلا فماذا ستكون فائدة الدراما إذن ودورها فى المجتمع؟