شبكة عيون الإخبارية

«جنيف – طهران» اتفاق الرابح والرابح الأكبر (ملف خاص)

توصلت القوى الكبرى وطهران فجر الأحد في جنيف إلى أول اتفاق تاريخي لاحتواء البرنامج النووي الإيراني ويحمل أملاً بالخروج من أزمة مستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، اقتربت من حافة المواجهة العسكرية.حقق الاتفاق الأول الذي تم التوصل إليه بين إيران والقوى العالمية الست، بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة وألمانيا إرضاء لجميع الأطراف المشاركة فيه باختلاف مواقفهم ودوافعهم، حتى الحليف الأقرب لإيران، خرج وزير خارجيتها سيرجي لافروف ليعلن أنه «لا يوجد خاسر، من الاتفاق والكل رابح»، رغم أن الاتفاق قد يعني تقاربا «أمريكا-إيرانيا» على حساب روسيا.

وانتزعت إيران اعترافاً دولياً ببرنامجها النووي وتخفيفاً للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بالإضافة إلى فتح الطريق أمام زيادة نفوذها الإقليمي.

بينما اتخذت إسرائيل على الصعيد الرسمى موقفاً معارضاً بقوة للاتفاق، وهو ما فسره محللون إسرائيليون بأنه محاولة لتحقيق مزيد من المكاسب في ملفات متعددة، تضاف إلى استفادة إسرائيل من الاتفاق الإيراني.

«إيران».. الرابح الأكبر نووياً واقتصادياً وسياسياًحققت إيران حزمة كبيرة من المكاسب تتخطى الجانب النووى إلى الجوانب السياسية الداخلية والإقليمية، فضلا عن استعادة الاقتصاد الإيرانى جزءاً من توازنه. ويعد البرنامج النووى أكبر المكاسب، والرابح الأكبر فى اتفاق جنيف مع الاعتراف الدولى به بل وإتاحة الفرصة لطهران، التى تعلن أنها تسعى لطاقة نووية سلمية، لمواصلة تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتعدى 5% على أراضيها، حيث لا يتطلب الاتفاق إغلاق منشآت التخصيب التى بنتها، كما طلبت إسرائيل، ولا حتى نقل نتاج تخصيب اليورانيوم إلى خارج أراضيها، كما طلبت القوى الغربية فى الماضى. ويُبقى الاتفاق فى يد إيران المنشآت النووية التى يمكن أن تشكل فى المستقبل أساسا لوثبة سريعة ومحمية نحو القدرة النووية العسكرية. ثانيا، حقق الاتفاق مكاسب اقتصادية لإيران يمكن أن تجعلها تتنفس الصعداء ويكبح الميل إلى الانهيار.ويشمل الاتفاق موافقة الدول الست الكبرى على تخفيف العقوبات بشكل «محدود ومؤقت ومحدد الأهداف ويمكن إلغاؤه»، وتصل قيمته إلى حوالى 7 مليارات دولار. وتلتزم الدول بعدم فرض عقوبات جديدة خلال فترة الـ6 أشهر إذا احترمت إيران تعهداتها. كما ينص الاتفاق على تعليق «بعض العقوبات على الذهب والمعادن الثمينة وقطاع السيارات والصادرات البتروكيميائية الإيرانية». ويسمح الاتفاق بتحويل مبلغ قيمته حوالى 4.2 مليار دولار من مبيعات النفط الإيرانى الخاضع لعقوبات خلال فترة 6 أشهر. ثالثا، تحقيق إيران هذا الاختراق فى أزمتها النووية مع الغرب، والتى استمرت 10 سنوات، يكسب النظام الحالى شعبية داخلية تغطى على التصدعات التى عانى منها جراء فترة حكم الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، فضلا عن أنها تزيد من شعبية الرئيس الحالى حسن روحانى.على الصعيد الدولى، تستعيد إيران نفوذها الناعم فى المنطقة بما يعطيها مساحة للحركة والمناورة الإقليمية، ويحبط أى تهديدات عسكرية، خاصة الإسرائيلية، حيث سيكون من غير المقبول تهديد دولة ارتبطت مع الدول الكبرى باتفاق. وبعد انقضاء 6 أشهر يمكن أن يقوم الإيرانيون، وهم متحررون إلى حد ما من ضغط العقوبات، بالعودة إلى العمل بشكل كامل فى البرنامج النووى، وحتى المضى قدماً فى مكونات برنامج التسليح.«إسرائيل».. ادعاء الخسارة يمنحها مزيدا من المكاسبهاجمت إسرائيل اتفاق جنيف بشدة، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو بأنه «خطأ تاريخى».ولكن ظهرت تقارير إسرائيلية تشيد بالاتفاق ووصفته بالإنجاز العظيم للقوى العظمى فى مواجهة إيران، بما يجعل التصريحات الإسرائيلية الرسمية تصب فى خانة «كان بالإمكان انتزاع مكاسب أفضل من طهران، ويمكن انتزاع مكاسب أكبر بإظهار معارضتها للاتفاق». وكتبت الدكتورة إيميلى لانداو، رئيسة برنامج مراقبة السلاح والأمن الإقليمى فى معهد أبحاث الأمن القومى الإسرائيلى بجامعة تل أبيب، مقالا بموقع «والا» الإخبارى الإسرائيلى بعنوان واضح: «ليست مصيبة كبيرة: الاتفاق مع إيران ليس مخيفا كما يقولون لكم».وأكدت لانداو أن الاتفاق قام فعليا بتجميد البرنامج النووى الإيرانى مقابل تخفيف بسيط للعقوبات المفروضة على طهران.وأوضحت لانداو أن أكبر إنجازات الاتفاق هو إسقاط 3 مطالب رئيسية كانت تصر عليها إيران: فتم إسقاط بند كان ينص على حق إيران فى تخصيب اليورانيوم، ولم تتم إزالة العقوبات الرئيسية، وتم منع إيران من استكمال أعمال البناء فى مفاعل المياه الثقيلة فى «آراك».وبحسب عدد من المراقبين، تنطلق الحملة الدعائية الإسرائيلية الناقدة للاتفاق الإيرانى بهدف تمهيد الرأى العام الدولى لتلبية وقبول عدد من المطالب الإسرائيلية، سيكون على رأسها قائمة من صفقات الأسلحة المتطورة فى صورة منح أو شراء مقابل التسديد على فترات طويلة.ويرى مراقبون أن قادة تل أبيب يستغلون الملف الإيرانى لتضخيم صورة الضغوط التى يتعرضون لها، من أجل تخفيف الضغوط التى يتعرضون لها من الغرب والولايات المتحدة فيما يتعلق بملف المفاوضات مع الفلسطينيين واستئناف البناء الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية.«روسيا والصين».. توسيع التعاون مع إيران فى العلناتخذت الدول الست الكبرى موقفا واحدا تجاه البرنامج النووى الإيرانى، إلا أن تلك الدول تختلف فيما بينها حول هدف كل منها من الاتفاق، كما تختلف نتائجه من دولة لأخرى.وجاءت روسيا والصين ضمن الدول المرحبة بالاتفاق، حيث أعلن وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف أنه «لا يوجد خاسر، من الاتفاق والكل رابح»، وأنه يخول إيران ممارسة حقوقها المشروعة كعضو فى معاهدة الحد من انتشار السلاح النووى. كما وصفت الصين الاتفاق بـ«التاريخى»، ورأت أنه «سيساهم فى صون السلام والاستقرار فى الشرق الأوسط»، رغم أن الاتفاق قد يمنح إيران الفرصة للخروج من تحت عباءة الحليفين الروسى والصينى وللتقارب مع الغرب.ولكن كلا من البلدين يمكنهما تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية نتيجة للاتفاق، فالآن ستتعاون موسكو وطهران فى مجال الذرة السلمية، بشكل علنى دون التعرض لعقوبات أو ما شابه، كما أن ذلك سيدعم مسائل التعاون العسكرى التقنى بين روسيا وإيران على المدى البعيد، خاصة فى مجال الصناعات العسكرية. ويرى مراقبون أن توسيع التعاون العسكرى بين موسكو وطهران، سيعطى روسيا موطئ قدم عسكرى جدى على سواحل الخليج العربى، وسيجعلها تنافس أمريكا فى موقعها ونفوذها فى منطقة الخليج، وكذلك فى سوق بيع السلاح. كما أن الصفقات العسكرية الروسية- الإيرانية، قد تكون مقدمة لصفقات سلاح روسى إلى ومصر، وبالتالى ستؤدى إلى دور أكبر لروسيا للعمل كوسيط بين الرياض وطهران، وتحقق بذلك هدفا استراتيجيا آخر لها. وبالنسبة للصين، فإنها تتابع مصالحها الاقتصادية والأمنية، وفى نفس الوقت تثبت تعاونها مع الولايات المتحدة والغرب عموما، على منع انتشار الأسلحة النووية.وبهذه الطريقة تكون الصين مع روسيا والهند والعديد من البلاد التى تعارض الولايات المتحدة، جبهة موحدة بشكل غير مباشر، ضد سياسة واشنطن التى يعتبرونها «أحادية» فى العالم. ويتضح هذا أكثر فى حفاظ كل من الصين وروسيا على موقفهما تجاه الأزمة السورية، والحفاظ على العلاقة مع النظام السورى، والدفاع بقوة عن بقائه، حيث إن الأرض السورية موطئ القدم الوحيد لروسيا خارج حدود الاتحاد السوفيتى وأوروبا الشرقية، وهو ما يتعارض مع مصالح الغرب وخاصة واشنطن.«الخليج».. مخاوف
>من هيمنة الجار اللدود

> رغم أن اتفاق جنيف يعمل على ضمان عدم امتلاك إيران السلاح النووى، تأخر رد فعل معظم دول الخليج نوعاً ما، باستثناء الإمارات، التى سارعت إلى الترحيب بالاتفاق، آملة فى أن يسهم فى «استقرار المنطقة». ولاحقاً، توالت التصريحات المرحبة، ولو بحذر من البحرين وقطر والكويت، وأخيراً السعودية، فى وقت يسود فيه دول الخليج شعور عام بعدم الارتياح تجاه محاولات إنهاء عزلة إيران الدولية. وتعتبر أنظمة الدول العربية السنية، وخاصة دول الخليج، الجار الإيرانى الشيعى «خصماً»، وتشعر بالارتياب تجاه احتمال حدوث أى تقارب من الغرب من شأنه أن يعود بالنفع على طهران، لذا فإن القلق يساورها من أن يكون الاتفاق مؤشراً على تحسن العلاقات التى يشوبها العداء منذ 30 عاماً بين طهران وواشنطن، مما قد يزيد النفوذ الإقليمى لإيران ويصعّد حدة التناحر الطائفى فى المنطقة. ويواجه حكام الخليج إيران على عدة جبهات فى أنحاء المنطقة، ومنها سوريا. وتتهم دول الخليج طهران بإذكاء الاضطرابات فى عدد من دول المنطقة، مثل اليمن والبحرين ولبنان والعراق، فى حين تنفى إيران هذا التدخل.وتُضاف أيضاً إلى قائمة التوترات بين طهران والخليج، أزمة الجزر الـ3 المتنازع عليها بين إيران والإمارات. وفى تعبير منه عن مخاوفه من تبعات الاتفاق النووى إقليمياً، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشورى السعودى عبدالله العسكر: «أشعر بالقلق بشأن إتاحة مساحة أكبر لإيران أو إطلاق يدها أكثر فى المنطقة». واعتبر المحلل السياسى السعودى، جمال خاشقجى، أن «المشكلة الأساسية بالنسبة لدول الخليج هى تدخل إيران فى شؤون المنطقة»، قائلا إن طهران «تخلت عن المشروع النووى وكسبت الهيمنة».«الغرب».. استراحة
>تتفادى السيناريو العسكرى
بعد توتر وتصعيد دبلوماسى واقتصادى استمر لسنوات، سجل «اتفاق جنيف» لحظة فارقة أرادت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من خلالها وقف عقارب الساعة وفرض سقف على الأنشطة النووية الإيرانية كخطوة أولى تمثل «استراحة للطرفين»، فى انتظار التوصل إلى اتفاق نهائى خلال 6 أشهر، ومن ثم تراجعت سيناريوهات الحرب التى لوح بها الغرب مؤخراً بشكل مكثف فى حالة وصول المفاوضات مع إيران إلى طريق مسدود، فضلاً عن عودة شريك اقتصادى قوى لأوروبا بعد تخفيف الحظر على التعامل مع إيران.وتعتبر الولايات المتحدة الاتفاق نصراً دبلوماسياً تاريخياً لإدارتها نحو تحقيق فرصة لإنهاء أعقد الملفات التى واجهتها، دون اللجوء إلى الحلول العسكرية، فقد تسابقت الأطراف المشاركة إلى وصف الاتفاق بالجيد، بعدما قبلت إيران بفرض قيود على برنامجها النووى مقابل تخفيف العقوبات لمدة 6 أشهر تعمل خلالها إيران مع الدول الكبرى على التوصل إلى اتفاق دائم. ورغم أن اتفاق جنيف مؤقت، فإنه يعد «خطوة أولى مهمة» كما وصفته النخبة الأمريكية والأوروبية، ويمثل اختبارا لنوايا ودوافع الطرفين وهو ما اعتبرته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية فرصة لكسب الوقت واستعادة الثقة فى النظام الإيرانى. ورأت صحيفة «بوليتيكو» الأمريكية أن «اتفاق جنيف» خطوة يمكن أن تحدث تغييرات استراتيجية، مشيرة إلى أن الكونجرس كرس عشرات الآلاف من الجنود ومليارات الدولارات من الأسلحة وقواعد عسكرية فى الشرق الأوسط بهدف ردع الكابوس النووى الإيرانى».ويمكن لتحييد الخطر النووى من المعادلة الجيوسياسية أن يقلل المخاوف التى تشعر بها الولايات المتحدة وحلفاؤها، خاصة إسرائيل، وربما تتجاوز الآثار السياسية والدبلوماسية إلى أبعد من ذلك، فقد تتخلى الولايات المتحدة أو تحد من خططها لبناء نظام الدرع الصاروخى المصمم لحماية العواصم الأوروبية من هجوم صاروخى إيرانى. ولا تتوقف الأرباح التى جنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون على النجاح الدبلوماسى الذى حققوه وتفادى الدخول فى مواجهات عسكرية مع إيران، حيث يتوقع خبراء أن يستفيد الأوروبيون اقتصادياً من اتفاق جنيف، حيث كانت أوروبا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لإيران، ويصل حجم التجارة المتبادلة بينهم إلى نحو 20 مليار دولار.

SputnikNews

أخبار متعلقة :