هناك من يقول إن تهنئة الأقباط بأعيادهم حرام شرعاً، وعلى رأس هؤلاء الشيخ السلفى المتشدد «ياسر برهامى» وأنصاره، وقرأت له مؤخراً قوله فى هذا الصدد: «وعمرنا ما حنتنازل عن مبادئ الإسلام حول هذه القضية، وهذا مذهبنا الذى ندين لله به»!! وأضاف قائلاً: «النبى عليه الصلاة والسلام لم يهنئ أهل العهد أو أهل الذمة بأعيادهم، وهذا أمر اعتقادى وجزء من الدين». انتهى كلامه الذى أراه يدخل فى دنيا العجائب، وهو أمر مرفوض فى يقينى من الناحيتين الدينية والدنيوية على السواء.
وأول ما يلاحظ فى كلامه استخدامه كلمة «حرام» التى أصبحت شائعة بين المتشددين من المسلمين، لدرجة أنها أصبحت تنافس «السلام عليكم»!! وعلماؤنا الأجلاء لا يستخدمون كلمة «حرام» إلا على سبيل الاستثناء وللضرورة ووفقاً لمعايير صارمة ومحددة، والحلال هو الأصل عندهم!
والقول بأن نبى الإسلام لم يعرف عنه تهنئة أهل الكتاب بأعيادهم، فتلك حجة لا قيمة لها لأن تلك التهنئة ليست من الدين فى شىء، بل هى من تقاليد المجتمع، ولم تكن معروفة فى عهده، عليه الصلاة والسلام.
وإذا نظرت حضرتك إلى بداية الجزء السابع من القرآن الكريم تجد قوله تعالى: «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون»، فهل يعقل بعد ذلك أن نسمع قولاً طائشاً متعصباً يقول إن تهنئتهم بأعيادهم حرام! والذى يؤكد صدق ذلك مكانة سيدتى مريم أم سيدنا المسيح، فهناك سورة كاملة سميت باسمها.
وفى سورة «الممتحنة» بالجزء الثامن والعشرين من القرآن الكريم نجد قوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم»، ويلاحظ فى هذه الآية معان ثلاثة موجهة إلى الناس كافة وعلى رأسهم بالطبع أهل الكتاب، فهى أولاً دعوة للسلام حتى مع اليهود الذين يعيشون بعيداً عن فلسطين المحتلة، ويلاحظ ثانياً دعوة إلى المودة فى قوله «أن تبروهم».. فهل يعقل بعد ذلك أن ترفض أن تقول لجارك القبطى: «كل سنة وأنت طيب» فى عيده؟ ويلاحظ ثالثاً أن تلك الآية جاءت بدعوة إلى العدل، ولذلك أعلنت دوما من منطلق إسلامى انحيازى إلى مطالب الأقباط فى المساواة، حيث الوظائف الكبرى حكر على المسلمين وحدهم، وانظر بنفسك إلى رؤساء الجامعات والمحافظين لتتأكد من ذلك، وكذلك حقهم فى بناء الكنائس التى يحتاجون إليها، وإلغاء تلك القيود المفروضة على بنائها بل وحتى ترميمها!!
والإسلام سمح لأتباعه بالزواج من بنات الأقباط، وأن نأكل من طعامهم ونخالطهم، ونبى الإسلام، عليه الصلاة والسلام، أنجب ابنه إبراهيم الذى لم يعمر طويلاً من ماريا القبطية، وكانت هدية من المقوقس حاكم مصر، واسم مريم تراه منتشراً بين بنات الإسلام، فهل يعقل بعد كل ذلك أن يأتى من يقول لنا: تهنئة الأقباط بأعيادهم حرام؟!، ولولا العقل لقلت إنه كلام مجانين، خاصة فى هذه الأيام الصعبة، حيث بلادى على كف عفريت بسبب الفوضى وأعمال العنف، فلا يقبل أبداً أن يأتى من يقوم «بتوليعها أكثر»!!
أخبار متعلقة :