ما دفعنى لكتابة هذا المقال هو أننى كنت أتصفح بالأمس أحد المواقع الإخبارية، وقرأت تصريحات وزير سودانى عن حلايب وشلاتين. كانت تعليقات القراء المصريين عنيفة، وكلها عنصرية وتهكم على أشقائنا السودانيين. وكان الرد بالمثل من جانبهم تهكماً على مصر والمصريين. وتطور الأمر إلى الفخر والهجاء كأنهم الفرزق وجرير. ثم تحولوا إلى السب الصريح. لا أعرف سر ولع العرب بالسباب الفاحش المتعلق بشرف الأمهات. ثم بدأ التهديد بالضرب والاغتصاب. برغم أن جميع الخصوم على الفضاء الإلكترونى الذى لا يمكن أن يتحول إلى فعل حقيقى.
كل ما نهانا عنه القرآن الكريم نخوض فيه. ألم يقل عز من قائل: «ولا تنابزوا بالألقاب». وكل ما حذرنا الرسول منه نفعله الآن، ألم يغضب حينما تنابز الأنصار والمهاجرون، فقال قولته الخالدة: «دعوها فإنها مُنتنة».
ضربت كفاً على كف، وتذكرت حين كنت أعمل بمستشفى، وكان بعض الموظفين من طنطا وبعضهم من المحلة. وبرغم أن المدينتين شبه متجاورتين، فإنهم تحزبوا إلى فريقين متنافرين، وبدأت أسمع، غير مصدق، أشعار الفخر والهجاء.
أسخف أبواب الشعر هو باب الفخر والهجاء. تهجو من؟ وأنت ملىء بالعيوب! وتفخر بماذا؟ وأنت صنعة الله! ما الذى أستطيع أن أنسبه إلى نفسى؟ أنا بشر، وذكر، ومصرى، ومسلم، فهل اخترت شيئاً من هذه الأشياء!
أنا إنسان، وكان من الممكن أن أكون طائراً أو حشرة أو نباتاً أو جماداً.
أنا ذكر، وكان من الممكن أن أولد أنثى. فى ظلمة الرحم تسابقت النطف، بعضها يحمل الكروموسوم (إكس) والبعض يحمل الكروموسوم (واى). كانت بعض الحيوانات المنوية تقف وبعضها يبطئ وبعضها يموت. وبدت البويضة كنجم لامع بعيد! كمشروع جليل لم يتبلور بعد! حتى لم يبق فى حلبة السباق إلا حيوانان منويان أحدهما يحمل (إكس) والثانى (واى). كان مصيرى يتحدد وهما يقتربان من جدار البويضة. وفى لحظة خاطفة استطاع الكروموسوم (واى) أن يلتحم بالبويضة فأصبحتُ ذكرا تبعاً لذلك، ولو تأخر لحظة واحدة لالتحم بها الكروموسوم (إكس) ولأصبحت أنثى، قدّر الله ولم أقدّر أنا، فبماذا يفخر الذكور على الإناث؟.
أنا مصرى، ولكن من أى البلاد أتى أجدادى؟ لا يعلم إلا الله. كان الناس يرتحلون خلف الرزق دون تأشيرات أو حرس حدود. كان الهودج الذى يحمل جدى قد وصل إلى مفترق الطرق إلى عدة بلدان. كان مصيرى يتحدد، وترك جدى مقود الناقة التى راحت تتشمم الرياح. ثم انثنت الناقة فجأة تجاه مصر فأصبحتُ بالتالى مصرياً! فأى موضع للفخر هنا وأى موضع للهجاء!.
أنا مسلم، ولكنى سمعت هذه القصة الحقيقية من خالى «طارق نصار». كان فى الأردن فى مهمة عمل، حين قابل رجلاً يحمل لقب نصار أيضاً. وتبادلا الحديث عن سلالة الأجداد، ثم أخبره بالمفاجأة. عائلة نصار فى الأصل مسيحيون يقطنون فى تخوم جمهوريات روسيا الإسلامية، ثم ارتحلوا إلى الأردن منذ قرنين واستقروا هناك. ثم أعجب «إبراهيم باشا» فى إحدى غزواته بأجسادهم القوية فاصطحب فريقاً منهم إلى مصر، هؤلاء اعتنقوا الإسلام. فيما بقيت العائلة الأصلية فى الأردن، وظلت على ديانتها الأصلية. ولما كنت أحمل نصف ميراثى الجينى من أمى، فإن أجداد أجدادى مسيحيون.
نحن كما أرادنا الله أن نكون. قال ربنا «كن» فنكون. فبماذا يفخر أحدنا على الآخر؟ بل ماذا يملك أحدنا من نفسه؟ وكلنا مخلوقات رب العالمين.
أخبار متعلقة :