إذا تابعنا كلمات أعضاء مجلس العموم البريطانى المعارضين لمشاركة بريطانيا فى العملية العسكرية الأمريكية ضد سوريا فستكتشف أن السبب الرئيسى لرفضهم هو إدراكهم أن إضعاف أو إسقاط نظام بشار الأسد يعنى فتح الطريق أمام التيار الإسلامى المتشدد لحكم سوريا نظراً لضعف المعارضة المدنية. من المؤكد أن الرئيس أوباما وأفراد إدارته قد شعروا بالغضب فى قرارة نفوسهم لانسحاب بريطانيا من التحالف الذى سبق له تسليم ليبيا بعمليات عسكرية واسعة للإسلاميين، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن قرار توجيه ضربة أمريكية على لسان وزير الخارجية كيرى وعلى لسان أوباما نفسه اقترن باستخدام صفة عملية محدودة. لقد أغضبت حدود العملية المحدودة هذه أطرافاً إقليمية فى مقدمتها نظام الحكم الإسلامى فى تركيا، كما أغضبت المعارضة السورية الإسلامية، حيث إن العملية لا تعنى إسقاط النظام وتمكين الإسلاميين. فى الوقت نفسه نلاحظ أن أطرافاً من المعارضة السورية المدنية قد رفضت من حيث المبدأ تدخل أمريكا بضربة عسكرية، لأنها تعرقل الحل السياسى. يرى محللون دوليون أتفق معهم أن استرتيجية أوباما منذ تسلم الحكم قامت على مبدأين لتحقيق المصالح الأمريكية العليا فى الشرق الأوسط والقضاء على مخاطر تنظيمات الجهاديين الإسلاميين التى هددت سلامة الأراضى الأمريكية عام 2001 المبدأ الأول يتضمن رفض أوباما للعمليات العسكرية الواسعة التى قام بها بوش الابن.
المبدأ الثانى هو تمكين القوى الإسلامية السياسية من حكم بلدان «الربيع العربى» تونس وليبيا ومصر وسوريا.
إن هذه الاستراتيجية تحقق من وجهة نظر أوباما عدة أهداف أساسية الهدف الأول: العودة إلى تطبيق مبدأ «الفتنمة» الذى طبق فى الشرق الأقصى بالحرب الفيتمانية عندما قرر الأمريكيون تفادى الخسائر البشرية فى صفوف قواتهم عن طريق دفع الفيتناميين أنفسهم إلى تحمل أعباء القيام بالمعركة لمحاربة القوات الشيوعية. إن هذا المبدأ هنا فى الشرق الأوسط يعنى انسحاب الجيوش الأمريكية من مواجهة الجهاديين الإسلاميين وتسليم هذه المهمة إلى الإسلاميين المعتدلين. إن أسلمة الصراع هنا تفترض قدرة الحكام الإسلاميين الجدد على منع تنظيم القاعدة واشباهه من التعرض للمصالح الأمريكية سواء استخدام الحكام أسلوب الاحتواء والإغراءات أو استخدموا أسلوب الضغط والتهديد.
الهدف الثانى: تبييض وجه أمريكا وغسله على السطح من وصمة دعم الأنظمة الديكتاتورية لمدة ستين عاماً فى المنطقة مقابل قيام هذه الأنظمة بخدمة المصالح الأمريكية وتتم عملية التبييض من خلال الإعلان عن دعم ثورات الشعوب العربية وتطلعاتها إلى الديمقراطية والحريات والكرامة الإنسانية من خلال الاطمئنان إلى أن فساد عملية الانتخابات بعد نجاح الثورات سيمكن الإسلاميين من الاستيلاء على الحكم باستخدام عنصرين: الأول العواطف الدينية لدى البسطاء والثانى استخدام الرشاوى والأموال لشراء الأصوات الانتخابية.
لقد أضيف عنصر ثالث فى مصر وهو يتمثل فى ظاهرة «عاصرى الليمون» أى الذين أقدموا على انتخاب المرشح الرئاسى الإسلامى رفضاً لمرشح النظام القديم، والذين اكتشفوا بسرعة أن أصواتهم الانتخابية ذهبت لديكتاتور جديد فى ثوب دينى.
الهدف الثالث:
الحصول على حلفاء إقليميين جدد فى تونس وليبيا ومصر وسوريا، يمثلهم الحكم الإسلامى عليهم إثبات الإخلاص الفائق للمصالح الأمريكية، والقدرة على حمايتها سواء فيما يخص أمن إسرائيل وإيجاد حلول مربحة لأطماعها التوسعية تسوى الصراع العربى الإسرائيلى أو فيما يخص لعب دور الشرطى الإقليمى لحساب العمدة الأمريكى.
إن هناك من المحللين الدوليين من يرى أن تراجع أوباما عن مبدأ عدم استخدام القوة العسكرية فى حروب بالمنطقة يعني بداية تهاوى المبدأ الأول فى الاستراتيجية ويعنى عودته لتبنى مبدأ التدخل العسكرى النشط الذى أرساه وطبقه بوش الابن. غير أننى أعتقد أن محدودية الضربة المقررة للنظام السورى تجعل منها ضربة رمزية غير مؤثرة فى مجرى الحرب الأهلية السورية، هل نستنتج من هذا أن أوباما يتراجع عن مبدأ تمكين الإسلاميين من الحكم فى سوريا وأنه يحافظ على بقاء نظام الأسد قوياً ليتولى المهمة التى كانت منوطة أيام بوش وأسلافه بالنظم الديكتاتورية، وهى مهمة احتواء ومحاربة مخاطر الجهاديين الإسلاميين وصدها عن النيل من المصالح الأمريكية.
تقول بعض التحليلات الإسرائيلية إن الجسارة التى أظهرها نظام بشار الأسد فى استخدام الأسلحة الكيماوية نتجت عن حسابات سياسية أجراها للوضع فى مصر بعد الإطاحة بحكم الإخوان، فقد استنتج الأسد أن رد الفعل الأمريكى المتراخى حيال إطاحة الشعب والجيش بحكم حلفاء أمريكا الجدد فى مصر يعنى بداية لتراجع أوباما عن استراتيجية تمكين الإسلاميين من الحكم فى المنطقة، وبالتالى قرر الأسد اختبار هذا الاحتمال بتوجيه ضربة محدودة بالسلاح الكيماوى لمناطق الجهاديين الإسلاميين.
فهل يعنى الرد بضربة أمريكية رمزية محدودة لا تطيح بنظام الأسد، أن أوباما بدأ يعيد النظر بالفعل فى مبدأ تمكين الإسلاميين من الحكم فى المنطقة، ستزداد الإجابة تبلوراً مع الأيام والتطورات فى كل من سوريا ومصر.
أخبار متعلقة :