كنت أوثر ألا يفض اعتصام رابعة والنهضة على هذا النحو الذى جرى يوم الأربعاء ١٤ أغسطس، من منطلق الحرص على عدم إراقة دماء..لكن هكذا جرت أقدار الله.. وما حدث فى ذلك اليوم، والأيام التى تلت حتى مساء الجمعة ساعة إرسال المقال، يستوجب الدعاء واستمطار رحمات الله بأن يتقبل جميع الضحايا بواسع رحمته، وأن ينزلهم منازل الشهداء، وأن يلهم أهلهم وأولادهم وذويهم الصبر والثبات، وأن يقى مصر وأهلها من كل سوء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
لقد بلغت حصيلة الضحايا - حسب تقدير وزارة الصحة - فى القاهرة والجيزة وبقية المحافظات أكثر من ٦٠٠ قتيل وأكثر من ٤٥٠٠ مصاب، بعضهم من المعتصمين وبعضهم الآخر من المشتبكين مع الأجهزة الأمنية والأهالى.. منهم أيضاً ٥٢ قتيلاً وأكثر من ٣٠٠ مصاب من ضباط وجنود الشرطة.
بالرغم من المصاب الفادح، إلا أن الإنصاف يقتضينا أن نقول إن الاعتصامين لم يكونا سلميين، وإن الحكومة والأجهزة الأمنية أعطت للإخوان ومن معهم فرصاً كثيرة لفض الاعتصامين بشكل يحفظ الدماء والأرواح.. لكنهم لم يقرأوا - كالعادة - تلك الرسائل.. بل زادهم ذلك كبراً وغطرسة وغروراً.. تصوروا فى لحظة إنهم يمثلون الطرف الأقوى، وأن عروض المصالحة والوساطات التى جرت، خاصة على يد الوفود الأجنبية تعبر عن ضعف مؤسسات الدولة، وهو ما جعلهم يرفعون شروطهم.. بعضهم طالب بعودة مرسى لسدة الحكم، وإلغاء قرار تعطيل دستور ٢٠١٢، وعودة مجلس الشورى المنحل.. وقد ذهب بأحدهم الشطط أن صرح بأنه فى اللحظة التى يعود فيها مرسى للرئاسة، سوف تتوقف أعمال العنف فى سيناء(!!).. وفى مرحلة أخرى تلخصت طلباتهم فى الإفراج عن مرسى، دون عودته إلى الحكم، والإفراج عن القيادات المحبوسة على ذمة قضايا، وعدم ملاحقة القيادات الأخرى أمنياً وقضائياً.. إلخ.. غير أن هذه الطلبات كانت خارج السياق الذى فرضته عشرات الملايين الذين خرجوا فى ٣٠ يونيو، و٣ يوليو، و٢٦ يوليو.
من المؤكد أن الإخوان ومن معهم كانوا يعولون بشكل رئيسى على دعم الإدارة الأمريكية لهم، وأنها سوف تقوم بالضغط على مؤسسات الدولة، على اعتبار أن مصلحتها مع عودتهم.. نسوا إن الإدارة الأمريكية تتعامل مع الأقوى، وأنها حين تعاملت معهم فى البداية كان معهم الشعب، والجيش، والشرطة.. أما الآن فليس معهم أحد.. خسروا كل شىء بفشلهم وسوء تقديرهم وعدم إدراكهم لما يحدث حولهم.. لقد كانت أخطاء الإخوان قاتلة.. فشلوا فى تحقيق الاستقرار السياسى، وفشلوا فى إيجاد الحد الأدنى من التعافى الأمنى، وفشلوا فى التوصل إلى حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة.. بل أدى إعلانهم الدستورى المشؤوم إلى الانقسام والتشرذم، والاحتراب الأهلى، والعنف المجتمعى، علاوة على انهيار دولة القانون.
مع عملية فض اعتصام رابعة والنهضة، جرت أعمال اقتحام لأقسام شرطة، وحرق لكنائس ومجمعات محاكم، واعتداء على ممتلكات عامة وخاصة.. إلخ، فى عديد من المحافظات. وكان هناك تخطيط لتصبح مصر سوريا ثانية.. وإذا ثبت من خلال التحقيقات والمحاكمات أن الإخوان ومن معهم قاموا بذلك، فقد كتبوا نهايتهم بأيديهم، سياسياً واجتماعياً ودعوياً وتاريخياً.. إن الإخوان لم يخسروا الحكم فقط، لكنهم خسروا ما هو أهم من الحكم.. خسروا ثقة الناس بهم وتعاطفهم معهم، بل إنهم نالوا سخطهم وغضبهم وحنقهم.. حتى أن البعض الآن ينادى بجعل الإخوان منظمة إرهابية، يجب حلها، وحل الحزب التابع لها.
بعد إعلان حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال، هل يريد الإخوان، ومن معهم، أن تستمر حلقة العنف؟ هل يريدون إيقاع مصر فى بحار من الدم؟ هل يريدون دفع الأمن للتعامل معهم بشراسة وقسوة وعنف، حتى يسقط مزيد من الضحايا؟ هل يريدون أن يكونوا أداة فى المخطط الأمريكى/ الصهيونى الذى يستهدف تفتيت المنطقة وتركيع الأمة، عن طريق تكريس الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية، وإشاعة الفوضى وزعزعة أمن البلاد، والبدء فى إضعاف الجيش المصرى.. هذه جريمة لن يغفرها لهم الشعب ولا التاريخ، وسوف تلاحقهم أينما ذهبوا وأينما حلوا.. ثم ليسأل الإخوان أنفسهم عن الدور الذى قاموا به فى تعزيز أمن وسلامة العدو الصهيونى، والذى نالوا به الرضا الأمريكى خلال فترة حكمهم، ولعل الخطاب الذى أرسله مرسى إلى السفاح الصهيونى شيمون بيريز يقول له فيه نتمنى لكم الرغد فى «بلادكم»، ويخاطبه قائلا: «صديقى الوفى»(!!)، لهو أكبر دليل.
أخبار متعلقة :