حديثى هنا ليس عن حركة بعينها أو تيار سياسى محدد بل عن حالة لجأ إليها البعض بعد الثلاثين من يونيو ليعلن بها عدم انتمائه لأى من الميدانين: التحرير أو رابعة. يرفض أصحاب هذا الفكر أن ينضموا لصفوف الإخوان ولا يؤيدون عودة مرسى للحكم، ولكنهم فى نفس الوقت يرفضون أن تكون المؤسسة العسكرية هى البديل، وبالتالى ليسوا على استعداد لقبول أى دور لهذه المؤسسة على الساحة السياسية غير غافلين عما ارتكبه المجلس العسكرى من أخطاء فى المرحلة الانتقالية الماضية. الميدان الثالث يعكس مشاعر مختلطة، هو محاولة للوصول لحل وسط، لمنطقة تصالح مع النفس والآخر على حد سواء وسط حالة الاستقطاب التى نشهدها الآن. وهو محاولة لتبرئة الذات من عواقب تبنى موقف قاطع فى هذا التوقيت الحرج مع الوضع فى الاعتبار أن الانحياز لأحد الفريقين اليوم قد يكلف صاحبه الكثير.
تتعدد الشعارات داخل هذا الميدان الافتراضى إلى درجة تجعلك تتساءل إن كان كل ما يطمح إليه أصحابه هو إعلان الاختلاف. البعض يرفض البقاء تحت كل من خان «عسكر» كان أو «إخوان»، فهم لم ينسوا أن جيكا قد قتل فى عهد مرسى وأن مينا دانيال قد قتل فى عهد طنطاوى، كما لم ينسوا أن الكل قد وعد بالقصاص للشهداء وأن الكل قد تخاذل. منهم من يرى أن العودة لأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير هى بداية الحل، وبالتالى يصرون على المطالبة بتطهير الداخلية وابتعاد الفلول عن المشهد، ومنهم من استفزه إعلام التهليل والتحريض والازدواجية فى التعامل مع المبادئ والحريات، ومنهم من يدين العنف بكل أشكاله ويرفض إراقة مزيد من الدماء.
من منا يستطيع أن يوجه اللوم لفريق يحمل أفكارا بهذا النبل، ولكن من حقنا جميعا أن نسألهم إن كان هذا هو التوقيت المناسب لشق صفوف المصريين بمطالب يمكننا جميعا أن نتفق عليها وننادى بها. ألم يكن من الأحرى أن نتوحد لنضمن قيام الدولة من جديد؟ لم يتمكن هذا الفريق من تجاوز جرح الفشل الذى تلا الثورة عندما لم يستطع أن يمارس أى دور على الساحة، وعندما ترك ثورته لآخرين يتحدثون باسمها. وجاء الثلاثون من يونيو ليؤكد نفس الحقيقة من جديد، وليثبت انفصالهم الشديد عن الشارع وعن المزاج العام للمصريين. ها هم يرتكبون نفس الأخطاء إذ يظنون أنهم يمتلكون الحق المطلق، وأنهم وحدهم أصحاب الأفكار المثالية والنقاء الثورى وأن كل من يخالفهم الرأى قد خان الثورة وباع دم الشهداء. ألم تكن كلمة الملايين الذين نزلوا للشارع كافية ليعيدوا حساباتهم وليتيقنوا أنه لم يعد أمامنا جميعا سوى الإنصات لصوت المصريين. تتجلى قسوة الدرس فى الثلاثين من يونيو لأنه قد أكد أن خارطة موازين القوى فى الشارع بعيدة كل البعد عن تنظير المحللين وهتاف الحناجر.