شبكة عيون الإخبارية

مدينتين قررتا الاستقلال عن سنة 1919 : امبراطورية " المنيا " لصاحبها " الشيخ حتاتة " ...

في مارس 1919، نشرَت مجلة «كل شئ والدُنيا»، تقرير عن بلاد «مُدن» مصرية، أعلنت استقلالها، عقب نفي الزعيم، سعد زغلول، إبان ثورة 1919، وافتتحت المجلة صفحاتها بالكلمات التالية: «نحنُ الآن في شهر مارس 1919، وقد تحولت كلها إلى أتون ملتهب، وقام أهلها يصرخون في وجه الظلم، ويحتجون على الحالة الشاذة التى يريدُهم عليها الاحتلال».

بدأت القصة عقب نفي سعد زغلول في مارس 1919، اندلعت الثورة في كل مكان تنادي بالإفراج عن سعد زغلول ورفاقه وباستقلال مصر، وسادت الفوضى في البلاد وانقطعت خطوط المواصلات في أنحاء كثيرة، ونادى الشعب المصري بجلاء الإنجليز عن مصر، ولكن لم تكن المطالبة باستقلال مصر هو الطلب الوحيد فمن بين البلاد التي طالبت باستقلال مصر وأعلنت استقلالها في هذه الثورة «جمهورية زفتى» و«إمبراطورية المنيا».

«المصري لايت» يسترجع معكُم قصة أسرتين استقلوا عن مصر سنة 1919، ونادوا باستقلال محافظاتهم، لتُصبح «جمهورية زفتى» و«امبراطورية المنيا»، وفقًا لما نُشر في مجلة «كُل شئ والدنيا» في نفس السنة.

" امبراطورية المنيا – الشيخ حتاتة "

اشتعل فتيل ثورة استقلال المدن المصرية بدءً من محافظة المنيا، حيثُ قام الشيخ، أحمد حتاتة، بالمطالبة باستقلال المنيا وضواحيها، وأقام لنفسه إمبراطورية جعل جيشها من الخفراء النظاميين الذين وعدهم برفع مرتباتهم، وبعض المتطوعيين للدفاع عن الإمبراطورية الصغيرة، وجمع حوله مجموعة من كبار البلد، بمثابة هيئة استشارية لهُ للوقوف ضد المحتل.

وبين عشية وضُحاها، أصبح الشيخ أحمد حتاتة، الطالب الأزهري، امبراطورًا «قد الدنيا»، حسبْ ما وصفته المجلة آنذاك، ولم ينته الأمر عند تكوين الإمبراطورية، بلّ أمر بتكوين حكومة تُتابع سير النظام العام، وكان الدكتور محمود بك عبدالرازق، أحد أقطابها البارزين.

" جمهورية زفتى- يوسف الجندي "

أما مدينة «زفتى» التابعة لمحافظة الغربية، فكانت لها الحكاية الأشهر في تاريخ استقلال المدن، وخاصةً بطلها الشهير، يوسف الجندي، طالب كلية الحقوق الذي كان يُحرض طلاب الجامعة على الاحتجاج على الأوضاع السياسية، حيث كان يعقد جلساته «الثورية» في محال «جروبي» وحديقة «بيت الأمة».

وكان «الجندي» ينتمي إلى زفتى، فهى مهد خلقته، وعندما علم بالثورة في المدينة، قرر السفر وتشكيل لجنة للثورة من بعض الأعيان والأفندية والمتعلمين والتجار، وبرفقة أسرة «كشك»، واتخذت لجنة الثورة مقرًا لها قاعة واسعة في الدور الثاني من مقهى يوناني، يُدعى «مستو كلي».

واجتمعت لجنة الثورة وقررت أن تبدأ بوضع يدها على السلطة الفعلية بالاستيلاء على مركز البوليس، وزحف يوسف الجندي إلى المركز على رأس تظاهرة ضخمة ضمت كل الرجال، وجيوش الصبية الصغار، القليلون منهم حملوا بنادقهم القديمة وتسلح الآخرون بالعصي وفروع الأشجار والفؤوس.

وشاءت الظروف أن تجنب الدولة الجديدة إراقة الدماء، إذ كان مأمور المركز رجلًا وطنيًا اسمه «إسماعيل حمد» ومعه معاون بوليس اسمه «أحمد جمعة» وخرج المأمور إلى التظاهرة وسلم يوسف المركز والسلاح وقيادة الجنود والخفراء، ثم عرض خدماته عليه كمستشار للدولة الجديدة يشير عليها بوصفه خبيرًا بأحوال الإدارة فيها.

واتجهت التظاهرة بعد ذلك إلى محطة السكة الحديدية والتلغراف فسيطرت على التلغرافات فورًا، واستولت على عربات السكة الحديد التي كانت واقفة مشحونة بالقمح تنتظر إرسالها إلى السلطات الإنجليزية.

جمع «الجندي» الأعيان ودعاهم إلى التبرع ليصبح للدولة الجديدة خزانة، وكانت هناك حركة تبرعات أخرى جارية لتمويل الوفد، وكان يجيء إلى زفتى كل أسبوع مهندس من طنطا يتسلم التبرعات المتجمعة اسمه، عثمان محرم، وتبرع الأعيان أيضًا للدولة الجديدة.

وجندت لجنة الثورة كل التلاميذ المتعلمين الموجودين في القرية وقسمتهم إلى فرق: فرقة تقوم بدوريات مستمرة لحفظ الأمن، وفرقة تراقب الحدود لتمنع تسرب مواد أو دخول الجواسيس، وفرقة تشرف على عمليات الري وتزويد الأرض بالماء، وظهر أن في قلب «زفتى» توجد مطبعة صغيرة يمتلكها (محمد أفندي عجينة)، أخذت تطبع قرارات لجنة الثورة وتعليماتها وأخبارها وتوزعها على الناس، وفقًا لمقال الكاتب، إبراهيم كامل.

وطارت الأنباء إلى القاهرة وعبرت البحار إلى لندن ونشرت جريدة «التايمز» في صدرها أن قرية زفتى قد أعلنت استقلالها، ورفعت على مبنى المركز علمًا جديدًا.

وأعلن في القاهرة أن فرقة كبيرة من الجنود الأستراليين – وكانت تابعة للإنجليز – سوف تذهب إلى «زفتى» لتخضع القرية الثائرة، وأخذ الفلاحون يحفرون حول دولتهم الخنادق وينقلون إليها البنادق القليلة، والذخيرة العتيقة التي لم تستخدم منذ زمن بعيد يستعدون للقاء الإنجليز.

وفى فجر يوم 29 مارس 1919 فوجئ أهالى زفتى بعشرات المراكب التى تحمل جنود الرسالية الأسترالية تقوم بعمليه انزال الجنود على شاطئ النيل بالبلد، وقيامهم بإطلاق النار في الهواء أو على كل من يحاول عرقلة استلائهم على البلده وقاموا بالتفتيش عن يوسف الجندى.

وأعلنوا عن مكافئة مالية لمن يرشد عنه ولكن عندما تأكد للجميع أن الأمر أنتهى قاموا بتهريب يوسف الجندى ورفاقه إلى عزبة سعد باشا والواقعه في قرية مسجد وصيف واستقبلتهم أم المصريين، السيدة صفية زغلول، وقامت باخفاءهم في أماكن مختلفه حتى أفرج عن سعد زغلول ورفاقه يوم 17 ابريل من عام 1919.

ولم تستمر جمهورية «زفتى» أكثر من بضعة أيام، وسرعان ما استطاع النظام الحاكم والإنجليز من القضاء على تلك الحركات الثورية وعادت الأمور كما كانت قبل الثورة.

 

أخبار متعلقة :