شبكة عيون الإخبارية

عمرو سلامة يكتب: رسالة إلى الدولة الإسلامية.. لقد نحرتم إبداعنا (تحليل)

بعد أن رأيت الفيديو الأخير للدولة الإسلامية، الذي لا أنصح أحد أن يراه، وأنصح كل إنسان أنا يحيا ويموت بدون أن يدع هذه الصور تدخل مخزون ذكرياته، عندي عدة تعليقات عليه، من وجهة نظر تقنية بحتة كمخرج، ثم من وجهات نظر أخرى، نفسية، إنسانية وسياسية.

من وجهة نظر تقنية بحتة، سأتكلم أولا عن جودة الصورة، الإخراج بالذات، هذا الفيلم أخرجه شخص فكر جيدا قبل أن يصور، هو في الأغلب حضر وفكر كثيرا في كيفية تصوير هذا الفيديو بشكل يؤثر بشكل فعال في الجمهور المستهدف، هذا الفيديو إخراجه محترف، ربما أكثر من معظم الفيديوهات السابقة من كل المناطق الأخرى، إن كانت العراق أو الشام أو حتى سيناء.

لعب المخرج بشكل واضح على كآبة منظر البحر، خصوصا في وقت إختفت فيه الشمس، والسماء مليئة بالغيوم، أدوات التصوير محترفة، هذا الفيديو ورائه تفكير طويل، ومال صرف عليه، وأشخاص مؤهلين ومحترفين عملوا على تنفيذه.

إختيار اللون الأسود للذابحين واللون البرتقالي للضحايا، أيضا مؤثر بصريا جدا، منظر من السهل جدا أن يبث الرهبة في المتفرج، يجعلك تخف مرتين، من أن تقابل هذه الأشباح السوداء وتخف أن تكون مكان هؤلاء الضحايا المرتدين للون البرتقالي.

رمزية إستخدام البحر مهمة، حيث أنه يقنع الدول الأوربية أنه قريب منهم، هذا البحر الذي ينظرون إليه هو الآن ممزوج بدماء أبناء دينيهم، هكذا حاولوا أن يوصلون لهم.

من وجهة نظر نفسية، هناك ما يسمى ب Shock value وهو ما من الممكن أن يترجم إلى "قيمة الصدمة"، وهو أن أجعلك ترى ما لم تشاهده عيناك من قبل، شيء جديد على مخزونك البصري، شيء صادم جديد يستطيع أن يظل في ذاكرتك إلى الأبد.

قيمة الصدمة هي أداه يستخدمها صناع السينما والصورة والفن عامة لكي يبقى ما شاهدته في مخيلتك، كي لا تنساه، هذا أولا، وثانيا لإن بعد عصر الإنترنت، كلما زادت قيمة الصدمة كلما زادت إحتمالية إنتشار الفيديو، كلما صدمك كلما زادت إحتمالية أن تنشره أنت، أن تتكلم عنه، على الإنترنت وخارجه، وهذا هو المطلوب فعليا من هذه الفيديوهات، فبنشرك هم يظنون أنك تؤدي لهم خدمة جليلة.

من المثير للإنتباه أن تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، قادر أن يجد في كل قيمة صادمة جديدة، ولا أن يعيد نفسه، فبعد كل وحشية وحشية أخرى أعنف وصادمة بقيمة أكبر، هناك فعليا بينهم من يفكر قبل كل فيديو، في ما الجديد الذي سنقدمه في هذا الفيديو حتى لا يتشابه مع سابقيه.

من وجهة نظر إنسانية، وهذا هو العامل الأخطر، منذ أن بدأت هذه الفيديوهات في الظهور، من أيام ظهور تنظيم القاعدة في أفغانستان وهذه الفيديوهات تؤدي إلى نتيجتين، الأولى، هو اللا أنسنة، هذه الفيديوهات توضح لا أنسنة الإرهابيين لضحاياهم، فمن يقتله هذا ليس إنسان، هذا مسيحي أو كافر أو عدو، الإرهابي لن يكون إرهابي قبل أن يفكر في نفسه كمسلم قبل أن يكون إنسان، ويفكر في عدوه ككافر قبل أن يكون إنسان، يخلع عنه إنسانيته، مما يؤدي كرد فعل، أننا لن نرى الإرهابي كإنسان، سنراه كأداة قتل، كسفاح، وإن رأينا يفعل فيه كما فعل هو، لن نتأثر أو نتألم نحن أيضا.

اللا أنسنة هي أهم أسباب الحروب وإنتشارها وإستحقار أي رأي يدعوا للسلام، لإن كل طرف إنتفى عنه الإنسانية بسبب أفعال عدوه اللا إنسانية.

الشيء الثاني الذي تؤدي إليه الفيديوهات هو ما يسمى "Compassion fatigue" أو "إرهاق التعاطف"، حيث أن بعد فترة، قدرة الإنسان على التعاطف تقل، وهذا شيء في غاية الخطورة، التعود على مناظر القتل وسفك الدماء بهذه الطرق المبتكرة، تجعل الإنسان يتبلد، إن وجد قتيلا في طريقه للعمل تعداه كإنه لم يرا شيئا، وهذا يؤدي لقلوب جامدة، لا تتأثر من الظلم ولا تريد أن تحاربه أو تقاومه وستتعود بل وتألف على التعايش معه.

من وجهة نظر سياسية، هذا المخرج الذي صور هذا الفيديو، أو هذا الذي تخيله وأبدعه، كان من الممكن الآن أن يكون صديقك، الذي يخرج فيلما فنيا، كان من الممكن أن يكون شخص له طموح، يريد أن يمتع الناس، أو يعبر عن نفسه بشكل فني، لكنه الآن يفكر فقط في كيف يبث الرهبة في قلوب أعدائه، كيف يقتل ويروج للقتل.

هذا الذي قتل وذبح، كان من الممكن في ظروف أخرى أن يكون زميلك في العمل، كان من الممكن أن يكون لاعب كره، أن يكون زوج أو أب أو شخص يبني الأرض ويعمرها، عنده طموح شخصي، يجعله يعمل ويفيد البشرية ومن حوله، لكنه الآن فقط أداة قتل.

النظم العربية، عندما إهتمت بقصورها أقصر من شعوبها، إهتمت بالسيطرة على الحكم أكثر ما إهتمت بتعليم شبابها، إهتمت بمزانيات الأدوات الأمنية والقمعية أكثر من ما إهتمت بالفن، شغلها طموحها في البقاء للحكم للأبد أكثر ما إهتمت بإعطاء كل مواطن حلم شخصي وطموح لإثبات ذاته، كل هذا أدى إنتشار الإحباط عند الشعود، وكل شخص محبط هو مرشح لدور الإرهابي وهو أفضل وقود للإرهاب.

ليس المحبط هو الفقير فقط، الغني قد يحبط من حال بلده، الذي لا يرى نظام أو عدل حوله هو إنسان محبط، المحب لوطنه ولا يجده يسير في الإتجاه الصحيح هو إنسان محبط، الشخص الذي قتل له صديق ولم يعاقب قاتله هو إنسان محبط، الشخص الذي سجن له قريب ظلما هو إنسان محبط.

المحبطين هم وقود الحركات الإرهابية، هم وقود الثورات، هم حتى وقود القمع، وحكامنا العرب لم يتخاذلوا يوما في إنتاج المزيد من المحبطين، بل أضافوا للإحباط جهل وفقر، ليسهل على كل محبط أخذ قرار الإتجاه للإرهاب.

لن أتكلم عن الخطاب الديني، قد تجد دولة بكاملها تؤمن بأفكار أكثر تطرفا من أفكار داعش، لكنها لا تمارس القتل اليومي، لإن عند مواطنيها أحلام شخصية وطموحات فردية وأحلام كبيرة للدولة ولكل فرد فيها، ولهذا لن يتمرسوا الإرهاب، لإن ثقافة الحياة حينها تشغلهم أكثر من ثقافة الموت.

الإرهاب صناعة الظلم أولا، الإحباط ثانيا، الخطاب الديني كله ثالثا.

أنا كصانع سينما على صعيد آخر هذه الفيديوهات تحبطني، لو كنت قررت أن أكون قاسي القلب، وأريد أن أخرج مشاهد للعنف تصدم المشاهد، كان إبداعي قاصرا أن يأتي بكل هذا القدر من الوحشية.

إلى الدولة الإسلامية، أنتم كما محوتم إنسانيتكم تمحوا إنسانيتنا معكم، كما نحرتم رقاب الأبرياء نحرتم إيماننا أن هناك عدل على هذا الكوكب البائس، نحرتم إبداعنا، إبداعنا حتى في تخيل نهاية سعيدة لكل هذه المعاناة والألم.

رحم الله الأبرياء، لعن الله كل من كان سببا.

اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة

SputnikNews

أخبار متعلقة :