شبكة عيون الإخبارية

متاحفنا المنسية: «من فات قديمه تاه»

اشترك لتصلك أهم الأخبار

«تحدد يوم ١٦ يناير سنة ١٩٣٨ موعدا للافتتاح، على أن يُشَرف حضرة صاحب الجلالة الحفلة، فاتخذت العدة لهذا اليوم العظيم، وتبارى الموظفون فى إنجاز أقسامهم، فكنت ترى الجميع فى حركة دائبة صباح مساء، وكان يشرف على هذه الحركة حضرة صاحب العزة محمد بك ذو الفقار، مدير المتحف، ويباشر كل صغيرة وكبيرة بنفسه بما عهد فيه من الدقة وحسن الذوق وجمال الفن. ولم يأت صباح يوم ١٦ يناير حتى كان المتحف كالعروس فى يوم زفافها فالنظام على أتمه والعرض على أكمله».

هكذا وصف حضرة المحترم حسن خليفة أفندى، وكيل المتحف الزراعى المنتدب فى عام 1938، الاستعداد لافتتاح المتحف الزراعى فى الدقى فى المجلة الزراعية المصرية فى عددها الخاص بمناسبة الافتتاح الذى حضره الأمراء ورجال الدولة وسفراء من أنحاء العالم. بعد 80 عاما تقريبا من الافتتاح، يذهب فنان الكاريكاتير محمد وهبة للمتحف ليجد «أكبر المتاحف المصرية.. مبانيه كانت قصرا لأخت الخديو إسماعيل.. وبه قاعة سينما كان يستخدمها الملك فاروق.. وبه لوحات لمحمود سعيد وتماثيل لمحمود مختار»، ويسأل الفنان نفسه: «ما العلاقة بين هؤلاء الملوك والفنانين بمتحف يضم النباتات وأدوات الزراعة؟، وللرد على هذا السؤال، تجول وهبة فى المتحف ليرسم تفاصيله المختلفة، وكتب إبراهيم عبدالعزيز ليصدر فى النهاية «فى المتحف الزراعى»، وهو دليل مصور مفصل يتجول بالقارئ من النافورة الإيطالية مرورا بمقتنيات العاج والفراشات والكاميرات، نهاية بصالة المأثورات الشعبية، ويكتب المؤلفان فى بداية الدليل: «حاول أن تنتعل أكثر حذاء مريح لديك، فأمامك جولة داخل 10 متاحف وليس متحفا واحدا». أذهب إلى المتحف الزراعى هذا العام، فيبلغنى الموظف على الباب: «المتحف الزراعى مقفول، متحف القطن مقفول، البهو العربى مقفول.. الحقيقة كل المتاحف مغلقة منذ حوالى ثلاث سنوات للتطوير.. ولا نعلم متى سيتم افتتاحها من جديد».

تفاصيل من نماذج الوشم المصرى من الأماكن والأزمنة المختلفة - المتحف الإثنوجرافى

يسعى العالم لاستعادة الحياة فى المتاحف فى أعقاب سنة ألحقت ضررا بالغا بالمتاحف على المستوى الدولى بسبب جائحة «كوفيد- 19»، ويكفى فى هذا السياق معرفة أن المجلس الدولى للمتاحف يذكر أن نسبة 95% من المتاحف فى إبريل 2020 كانت مغلقة، ولذا كان من الطبيعى أن يأتى الاحتفال بيوم المتاحف العالمى الشهر الماضى تحت شعار «مستقبل المتاحف: التعافى وإعادة التخيل».

فى ، شهدت الفترة الماضية زخما هائلا فيما يتعلق بالمتاحف مع احتفالية موكب نقل المومياوات وافتتاح متحف الحضارة، بالإضافة لقرب افتتاح المتحف المصرى الكبير، وهى فرصة لنتذكر امتلاك مصر لمجموعة كبيرة من المتاحف العظيمة، والتى بدأ إنشاؤها منذ أواخر القرن التاسع عشر، وكانت فى مجملها تعبيرا عن اهتمامات النخب المصرية والدولة آنذاك بأوجه مختلفة من التطور العلمى والفنى، ووفقا لأرقام الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، ففى عام 2019 بلغ عدد المتاحف فى مصر 77 متحفا، منها 39 متحفا أثريا وتاريخيا وإقليميا، وحققت تلك المتاحف إيرادات بلغت 21808 ملايين جنيه.

«المتاحف فى مصر متنوعة، وتؤول مسؤوليتها لأطراف مختلفة، ولكن فى العموم فإن المتاحف التابعة لوزارة الآثار أفضل حالا من غيرها»، تشرح د. فاطمة كشك عالمة الآثار: «أما المتاحف الباقية فهى تتوزع بين الخاص، أو التابعة للجامعات، أو الوزارات المختلفة، ولا توجد معايير واضحة أو حاكمة لإدارة هذه المنشآت بالرغم من أهميتها».

تفاصيل من نماذج الوشم المصرى من الأماكن والأزمنة المختلفة - المتحف الإثنوجرافى

متحف البريد- ميدان العتبة

مغلق للتطوير من جانب وزارة الاتصالات.. ومن المفترض افتتاحه فى يوليو 2021

«حاولى تبصى من الشباك، الترميم من الداخل عظيم.. أوعدك لما تيجى المرة الجاية هتنبسطي»، يؤكد لى موظف البريد الجالس فى مدخل مبنى الهيئة فى ميدان العتبة، ألصق وجهى بالشباك وأرى قطعة ضخمة من الرخام الفاخر مركونة على الحائط ومحفورا عليها كلمات «افتتح فى عهد السيد الرئيس....»، وهو ما يدل على قرب الافتتاح بالفعل.

الهيئة القومية للبريد تعتبر من أعرق المؤسسات المصرية، حيث انتقلت ملكيتها من شركة البوسطة الأوروبية إلى المصرية عام 1865 بقرار من الخديو إسماعيل بعد قيامه بشرائها لإحساسه بأهمية البوسطة فى ذلك الوقت، وانتشار استخدام خدماتها من الحكومة والأفراد.

أما المتحف فتم إنشاؤه عام 1934 ضمن فعاليات مؤتمر البريد العالمى العاشر الذى أقيم فى القاهرة، وتم افتتاحه أمام الجمهور عام 1940 بعد اكتمال مقتنياته، وتجديده للمرة الأولى عام 1989، وهو يتضمن العديد من الأقسام، منها الأختام القديمة والخرائط والملابس التى تضم الحقائب البريدية والملابس الرسمية لكبار المسؤولين، وكذلك مجموعة فريدة للطوابع، ونماذج للحمام الزاجل فى قسم البريد الجوى، ونموذج لأول خطاب ورد إلى الإسكندرية من لندن بالطائرة عام 1929.

متحف السكة الحديد- محطة مصر- رمسيس

تم تطويره مؤخرا، تذكرة الدخول 5 جنيهات، مواعيد العمل من 10 ص إلى 2 ظهرا عدا العطلات

«اتجهت الفكرة إلى إنشاء متحف السكك الحديدية ليكون نواة لمتحف علمى فنى بمصر، وذلك بمناسبة انعقاد المؤتمر الدولى للسكك الحديدية فى يناير 1933، حيث تم تشييد البناء فى 26 أكتوبر 1932، وتم إعداده وافتتح لاستقبال الزوار فى 15 يناير 1933، وهكذا أتيح لأعضاء المؤتمر أن يشهدوا أول متحف للسكك الحديدية فى الشرق»، هكذا تشرح مقدمة دليل «متحف الهيئة القومية لسكك حديد مصر»، والذى يمكن شراؤه عند زيارة المتحف مقابل خمسة جنيهات. أدخل المتحف فى يوم حار، تفصل البوابة الزجاجية بين زحام وأتربة ميدان رمسيس وبين المتحف المجدد حديثا والذى يضم ما يقرب من 700 نموذج وعمل معروض، بالإضافة إلى مكتبة مهمة تضم وثائق وخرائط تبين تطور النقل فى مصر، وهو لذلك «يعتبر معهدا علميا فنيا تاريخيا لأقصى ما يمكن الإلمام به من وسائل النقل فى العصر الحديث والعصور الماضية».

تفاصيل من نماذج الوشم المصرى من الأماكن والأزمنة المختلفة - المتحف الإثنوجرافى

تم إنشاء أول خط للسكة الحديد فى مصر فى عهد الخديو عباس الأول عام 1854 ويعد من أقدم الخطوط فى العالم، والأول فى إفريقيا، وتضم مقتنيات المتحف نماذج من وسائل النقل قبل استخدام البخار، وكذا القاطرة البخارية الأولى فى العالم التى تم بناؤها عام 1781، وهى إهداء من «تانجيز ليميتد» من مدينة برمنجهام الإنجليزية إلى المتحف عام 1932، كما يضم المتحف أيضا نماذج لمحطات ومبان وتذاكر وملابس العاملين والعديد من المعروضات الأخرى.

المتحف الجيولوجى- كورنيش النيل المعادى

مواعيد العمل من ٩ إلى ٢ يوميا- تذكرة الدخول ١٠ جنيهات

هل تعلم أن هناك ديناصورا مصريا، وأن لدينا قطعة من القمر؟، هذه المعلومات وغيرها الكثير يمكن أن تعرفها بزيارة المتحف الجيولوجى الذى يضم مقتنيات تفتح أبواب المعرفة لتراثنا الطبيعى، «لم يكن قرار إنشاء المتحف الجيولوجى المصرى فى بداية القرن الماضى ترفا، بل سبقت مصر بذلك أغلب الدول المتقدمة، علاوة على أنه كان المتحف الجيولوجى الرابع على مستوى العالم، والأول فى إفريقيا والشرق الأوسط» كما يوضح كتيب تعريفى عن المتحف يمكن شراؤه بـ 30 جنيها عند زيارة المتحف. أنشئ المتحف عام 1901، كواحدة من إدارات هيئة المساحة المصرية، وافتتح للجمهور عام 1904، ومن أولى العينات التى تم عرضها به كانت مجموعة الحيوانات الفقارية الثديية التى اكتشفت فى الفيوم عام 1879 وتم إرسالها لإنجلترا من أجل تعريفها ثم أُعيدت لمصر.

فى البداية، كان مقر المتحف بشارع السلطان حسين، الشيخ ريحان حاليا، بالقرب من ميدان التحرير، وكان المبنى «ذا طراز فريد كأحد المعالم الحضارية والمعمارية لمدينة القاهرة»، ويذكر الدليل أن المتحف كان على الطراز اليونانى- الرومانى فى حديقة وزير الأشغال. ولكن فى عام 1982، تم هدم هذا المبنى لتوسيع الطريق من أجل إنشاء مترو الأنفاق، وتم نقل مقتنياته إلى موقعه الحالى على كورنيش النيل فى المعادى، حيث تتراكم الأتربة على خزائن تراث مصر الجيولوجى بعد أن فقدت وسط المدينة دون رجعة مبنى معماريا مميزا وقيمة تاريخية مهمة دون رجعة، ويدون الكتيب أن هيئة المساحة الجيولوجية قد بذلت منذ ذلك الحين مجهودات كبيرة للانتقال إلى مبنى مناسب، أو إنشاء متحف جديد فى مكان مناسب، لكن عدم تخصيص الأرض اللازمة لإقامة مبنى جديد، بالإضافة إلى نقص الاعتمادات والإمكانات حالا دون ذلك.

تفاصيل من نماذج الوشم المصرى من الأماكن والأزمنة المختلفة - المتحف الإثنوجرافى

متحف الإثنوجرافيا- شارع قصر العينى، مبنى الجمعية الجغرافية

مواعيد العمل من ٩ إلى ٢ يومى السبت والأربعاء

«المكان مغلق للترميم»، يؤكد لى رجل الأمن، ولكن مع إلحاحى يقول «مغلق فقط»، ولكنى لا أتوقف عن المطالبة بزيارة المكان، وأنتظر 15 دقيقة حتى صدور الموافقة الأمنية التى تسمح لى بالدخول إلى مبنى الجمعية الجغرافية الملاصق لمبنى مجلس الوزراء، ولكن بعد عبور هذه التحديات أكتشف أن جزءا مهما من المتحف مغلق منذ شهور، وأن المفتاح «غير موجود»، وأفهم أن الموظف المسؤول غير متاح حاليا.

تم تدشين الجمعية الجغرافية بقرار من الخديو إسماعيل عام 1875، وكانت فى ذلك الوقت هى الجمعية التاسعة على مستوى العالم، والأولى من نوعها خارج أوروبا والأمريكتين، وانتقل مقر الجمعية إلى موضعها الحالى عام 1925 فى مبنى أنشئ فى عهد الخديو إسماعيل وشغلته وكالة حكومة السودان لمدة 20 عاما قبل أن تحصل عليه الجمعية.

وعلى الرغم من نقص الموارد، فإن مبنى الجمعية ساحر فى تصميمه، وربما يكون أشهر معالمه قاعة المحاضرات الكبيرة التى يرتفع سقفها على 12 عمودا من الحديد تم صبها فى باريس، ويحتل المتحف الدور الأرضى من المبنى ويضم مجموعة مهمة، من بينها أدوات الحلى والمجوهرات واللعب، ونماذج أصلية من الخط والأقمشة، وجميعها تمثل جوانب مختلفة تعكس عادات وتقاليد وأدوات المصريين رجوعا إلى القرن الثامن عشر.

ويضم المتحف أيضا قاعة إفريقيا، وقناة السويس، ومكتبة كانت نواتها 2500 كتاب من إهداء الخديو إسماعيل، ومكتبة أخرى للخرائط والأطالس، «عندنا إحدى النسخ الأصلية لكتاب وصف مصر، وغيره من المقتنيات الثمينة التى لا تعوض، ولكن لا يوجد أى دعم للحفاظ عليها، وحتى المبنى الذى تم تسجيله فى الآثار لا توجد موارد لترميمه والحفاظ عليه»، كما تشرح لى إحدى الموظفات أثناء وجودى فى المكان.

قاعة المحاضرات فى مبنى الجمعية الجغرافية

متحف الشمع- حلوان

مغلق منذ عام ٢٠٠٩

يؤكد لى تطبيق خرائط جوجل أنى وصلت إلى متحف الشمع، وأن مواعيد العمل تبدأ من الساعة العاشرة صباحا، على يسارى سور طويل، ثم شباك تذاكر مغلق بقطعة كبيرة من خشب الأبلكاش، وباب يجلس خلفه موظف يؤكد لى أن المتحف مغلق منذ أكثر من عشر سنوات دون أسباب واضحة، وأن لا أحد يمتلك معلومات عن مستقبل المكان.

وراء الباب حديقة مهملة، تتناثر بها بعض التماثيل، وفى آخرها مبنى من طابق واحد، يقول لى الموظف الثانى «المكان مغلق للترميم»، ولكن لا توجد أى إشارة عن عملية الترميم وشكلها، ووسط حرارة الجو التى لا تحتمل أتساءل عن مصير المعروضات المصنوعة من «الشمع» وحجم التلف الذى يمكن أن يصيبها دون أن أجد إجابة. جاءت فكرة المتحف وتنفيذه بعد ذلك على يد الفنان التشكيلى فؤاد عبدالملك، الذى درس صب الشمع فى باريس فى فترة الثلاثينيات من القرن الماضى، وبالتعاون مع عدد من الفنانين، من بينهم حسين بيكار وعلى الديب تم تأسيس وافتتاح المعرض فى مقره الأول بشارع الجمهورية، ثم نقله إلى قصر بشارع قصر العينى، وعند هدم هذا القصر تم نقله مرة أخرى عام 1956 إلى مقره الحالى فى حلوان، وهو مقر يتبع قطاع الفنون الجميلة فى وزارة الثقافة.

المؤسف أنه فى الوقت الذى ينهار فيه متحف الشمع الأول من نوعه فى مصر والمنطقة، تتوسع وتزدهر متاحف الشمع العالمية وحتى الإقليمية، وللمقارنة فقط نذكر أن متحف مدام توسو للشمع فى لندن يستقبل سنويا أكثر من 2 مليون زائر، وهو الأمر الذى شجع دبى على افتتاح نسختها الخاصة من المتحف اللندنى الشهير فى العام الماضى.

■ ■ ■

وفقا للمجلس العالمى للمتاحف فإن المتاحف: «مصدر أساسى للهوية، للمقاومة، لتعافى المجتمعات المحلية، وهى ليست فقط أماكن لاحتواء المقتنيات، لكنها مراكز لتبادل العلم والتواصل الاجتماعى، كما أنها مرآة للمجتمع»، وبالعودة للمتحف الزراعى، نجد أن مصيره غير واضح رغم مرور سنوات على «أعمال التطوير» التى كانت مبررا لإغلاقه بالكامل مع إغلاق حدائقه أيضا، على الرغم من النداءات المتكررة لإنقاذ المتحف من حالة الإهمال، مصير هذا المتحف، ومصير باقى المتاحف يستحق الاهتمام من الجميع لأن «من فات قديمه تاه».

المصرى اليوم

أخبار متعلقة :