شبكة عيون الإخبارية

"أعطيتني الحياة".. كيف يتعامل أطباء الرعاية الحرجة من "حقل ألغام" كورونا؟ (بودكاست)

مصراوي Masrawy

04:50 م الخميس 25 يونيو 2020


كتب - أحمد جمعة:
تعليق صوتي- شيماء حفظي:
جرافيك- مايكل عادل:

أكثر من 55 يومًا قضاها الدكتور شريف موسى، داخل مستشفى إسنا بالأقصر، رئيسًا للفريق الطبي والرعاية المركزة، بعد أن كانوا في طليعة المستشفيات التي دخلت منظومة عزل كورونا، واجه خلالها المرض حينما كان يكتنفه الكثير من الغموض، أزال مخاوفه، كسر حدة قلقه، وتعامل مع مصابي الحالات الحرجة من هم قاب قوسين أو أدنى من الرحيل.

ومع استمرار معاناة من جائحة كورونا، وتصاعد أعداد الإصابات يومياً، وحاجة الكثير من المرضى لأسرَّة رعاية وأجهزة تنفس، يبقى لأطباء الرعاية المركزة دور مهم في إنقاذ أرواح المئات يوميًا، رغم ما تعانيه المستشفيات من نقص في عدد الأطباء بشكل عام، وأطباء الرعاية الحرجة بشكل خاص، ما دفعهم لبذل الكثير من الجهد منذ بداية أزمة كورونا منتصف فبراير الماضي، والتحاقهم للعمل بمستشفيات العزل.

واجه "شريف" في بداية عمله بالعزل مشكلة مزدوجة، ففي البداية يتعامل مع مرض جديد عليهم، فضلًا عن استقبالهم أجانب بالفوج الأول للمصابين "كنا في البداية نتعامل مع مرض لا نعرف أبعاده، حتى وزارة الصحة لم تتيح لنا بروتوكولا للعلاج"، لكنهم لم يقفوا صامدين إزاء ذلك، بل قرروا بخبرتهم إعداد "بروتوكولًا محلياً" للحالات الوافدة، والذي نجح في زيادة نسب الشفاء وتقليل معدلات الوفاة واحتاج المرضى لأجهزة التنفس الصناعي.

كما غيّروا قليلًا من التوصيات الطبية التي وصلتهم، مثلما حدث في حالتين أو ثلاثة لأجانب بالرعاية المركزة "كانت التوصية وقتها وضعهم على جهاز تنفس صناعي كامل، وسيبهم ونصيبهم"، لكن الفريق الطبي قرر أن "يعافر معهم" بوضعهم على جهاز تحفظي ومتابعتهم على مدار الساعة "قعدنا جنب المريض 12 ساعة على الكرسي منتحركش"، وبعد 8 أيام من العلاج استعاد المرضى وعيهم، وخرجوا بعد إتمام تعافيهم "وبقوا أصدقاء لينا".

ومع ذلك، كان الخوف يتملك طاقم الرعاية المركزة في الأيام الأولى لعملهم بالعزل "كنا خايفين ناخد العدوى، ومكنش فيه دليل واضح للحفاظ على نفسنا، ومطالبين نشتغل مع مرضى كتير"، ومن ثمَّ لجأوا للاطلاع على الأبحاث الأجنبية بشأن الوقاية من العدوى، كما كان لهذا السبب أثر في عدم اجتماعهم سوياً داخل العزل "مكناش نأكل مع بعض، كل واحد يأكل لوحده في الأوضة، ومع الوقت خدنا ثقة في نفسنا وكونّا ملاحظات عن المرض وبدأنا ناخد احتياطات أقل شوية لكنها فعالة".

لكنهم على أية حالة لم ينقلوا شعور الخوف إلى مرضاهم "التعامل النفسي كان مهم في البداية لأن المرضى حاسين إنهم هيموتوا"، وساعدهم في ذلك إرسال وزارة الصحة طبيباً نفسياً مقيماً بكل مستشفى عزل، "حاولنا نمنع أي آثار محتملة لأن بعضهم كانت لديه دوافع انتحارية".

الملابس الوقائية الكاملة، كانت من بين الأزمات التي واجهها شريف وزملاءه خلال عملهم بالرعاية المركزة "كنا بنقفل التكييف في الأول لأن التوصية الطبية وقتها أنه ينشر العدوى، وحرفيا بنطلع زي شعور البيضة المسلوقة"، ويتذكر ذلك اليوم الذي سقطت زميلته مغشياً عليها من شدة الحر ونقص السوائل "كنا بنقعد 8 ساعات في البدلة وكان معانا دكتورة أغمى عليها مرتين من شدة الحر والخنقة".

لم تقتصر مهمة أطباء الرعاية بإسنا على متابعة تخصصهم فقط، إذ حدث للمرضى في الكثير من الأوقات مضاعفات أخرى بخلاف أزمات الجهاز التنفسي، وكان من الصعوبة توفير كافة التخصصات الطبية بالمستشفى في البداية، لذا اتصلوا بزملائهم من التخصصات الأخرى لمعرفة التوصية الطبية إزاء هؤلاء المرضى "خدنا منهم المعلومات وطبقناها بإيدينا زي تنفيذ جلسات الغسيل الكلوي والتعامل مع شكاوى مرضى القلب".

ما كان يرفع من الروح المعنوية لهؤلاء الأطباء هو نسب الشفاء المرتفعة التي يُسجلها المستشفى يوميا بالمقارنة بباقي مستشفيات العزل "إحنا مش أقل من مستشفيات كتير بره، وساعات بنكون أحسن، وكنا فاكرين دا إنه استهلاك محلي"، لكنهم شعروا بذلك عندما أرسلت لهم السفارات الأجنبية بخطابات شكر نظير جهودهم في علاج مرضاهم "جالنا 52 أجنبياً، مات واحد فقط وكان رجلًا 91 سنة وتوفي في الإسعاف قبل أن يصل إلينا".

كما لمس "شريف" ذلك مباشرة عندما شكرته سيدة إيطالية على الاعتناء بصحتها حتى تماثلها للشفاء "قالتلي إنت إدتني الحياة من تاني"، كما سمعها مجددًا من عجوزين أمريكيين "قالولنا أنتوا حافظتوا على العلاقة بنا إن محدش فينا مات وخرجنا كويسين من عندكم ومكناش نتوقع دا يحصل، وحظنا كويس إننا موجودين في مصر".

وبحسب مدير الفريق الطبي بإسنا، وصل إلى 4 أطباء منهم عروض عمل بإيطاليا نتيجة للسمعة الجيدة التي حققها المستشفى في العلاج، لكنهم لم يستجيبوا لتلك "الفرصة"، وكان لهم رأي آخر "صعب نسيب البلد وأهلنا في الوضع الحالي، لازم نكمل مهمتنا الأول".

أكثر ما يفتقده شريف خلال عمله شعوره بالدفء الأسري، فزوجته تعمل هيّ الأخرى بمستشفى حميات الإسكندرية المخصص لعزل حالات كورونا "بتروح أسبوعين وأنا أسبوعين، وده سبّب فراغ عاطفي، الواحد كان بيدمع لوحده بس كان بيخفي دموعه".

"حقل ألغام كورونا"

لم يختلف الوضع كثيرًا، مع الطبيب محمد أبوحطب استشاري الرعاية المركزة بجامعة الأزهر، والذي جرى التواصل معه للانضمام إلى الفريق الطبي بمستشفى "أبوتيج" بأسيوط مع بداية تشغيله لعزل كورونا، وحينها كان مخالطًا لحالة إيجابية "اعتذرت عن الفوج الأول وقعدت فترة لما اطمنت على نفسي وبعدين رحت متطوعًا".

أدرك "أبوحطب" مبكرًا اختلاف مهمته الجديدة عما سبقها من عمل اعتاد عليه منذ عام 2009: "الفيروس بيعمل تغيّرات مرضية في الرئتين ومعظم الأجهزة الحيوية، وله نوع أشد خطورة وفتكًا بالإنسان"، للدرجة التي تصل إلى تسببه في تغيّر غازات الدم وتدمير الشعب الهوائية والرئتين. ورغم ذلك؛ فكثير من الجهود التي يبذلونها مع المرضى لا تنتهي كما يرغبون "فيه ناس كتير طلعت من الرعاية تحسن، لكن فيه حالات توفت.. إحنا بنواجه مرض بيحاربك من كل اتجاه".

وكان أصعب وقت يمر عليه عندما يتابع حالات شابّة استجابت في الأيام الأولى للعلاج، ثم تدهورت على نحو مفاجئ انتهاءً بالوفاة "الطاقم الطبي نفسيته بتتعب، لأنه كان فيه أمل، والعيان في لحظة توفى".

يرى الفارق بين أطباء الرعاية وباقي التخصصات أنهم خط الدفاع الأخير أمام المرضى "زمايلنا حاسين إن فيه حيطة ساندين عليها، وقت ما الحالة تتدهور فيه وراهم حد هيتعامل، إنما إحنا ضهرنا للحيطة"، لذا فهم الخط الفاصل بين المريض وصعود روحه إلى بارئها، ما يضع عليهم مسؤولية مُضاعفة.

يعتبر "أبوحطب" أن الرعاية بالنسبة لمستشفيات الحجر الصحي هيّ "حقل ألغام الكورونا"، ففيه قد يلجأ الطبيب إلى تركيب "أنبوب حنجري" للمريض قبل وضعه على جهاز التنفس الصناعي "بنكون قريبين جدًا منه بما يتسبب في نقل العدوى"، ويستوي في ذلك الجميع داخل هذه "المنطقة الخطرة"، سواءً تمريض أو عمال أو أطباء.

ودائمًا ما يوصي زملائه الجدد عندما يكون في استقبالهم بالتعامل بلطف مع المرضى "أنت داخل تتعامل مع مريض حالته النفسية وحشة، متخافش منه، خد حذرك بواقياتك، لكن لا تُظهر له خوفًا أو تذمرًا"، ففي يقينه أن العدوى قد تُصيّبه داخل عمله أو في الشارع أو من أفراد أسرته، ويحزن عندما يعلم بإصابة بعض العاملين معه في العزل "فيه ناس بتقع من الطاقم الطبي لأنك موجود في منطقة الفيروس حواليك طول الوقت".

ولا يزال في ذاكرته ذلك "يوم الملحمة" الذي اضطر وفريقه لحمل أسطوانات الأكسجين لنقلها على وجه السرعة بعدما انخفضت نسبته بشبكة المستشفى نتيجة لعطل بالمولدات، وحينها كان 15 مريضًا محتجزين بالرعاية وبحاجة لجلسات أكسجين: "شلنا كأطباء وعمال وتمريض الإسطوانات على إيدينا، و نقلناها للرعاية واشتغلنا يدوياً على مدار 7 ساعات"، ومع ذلك كان يجري تبديل الأسطوانات ويتابع الفريق الطبي الوظائف الحيوية للمرضى.

ساهم "أبوطالب" في زيادة عدد أسرة الرعاية منذ تخصيص "أبوتيج" لعزل حالات كورونا، بالتنسيق مع الدكتور مصطفى عبده شتات عميد كلية الطب، ووكيل وزارة الصحة الدكتور محمد زين، بإضافة 10 أسرّة فوق طاقة المستشفى؛ لمواجهة الحالات المتزايدة، لكنه مع ذلك فلا حل إلا بالتزام المواطنين باتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع تفاقم الأوضاع "من أول الأزمة وإحنا بنصرخ إن الناس تلزم.. لا الطاقم الطبي هيستحمل ولا المنظومة الصحية تستحمل لو إحنا دخلنا في أكتر من كده".

مصراوي Masrawy

أخبار متعلقة :