شبكة عيون الإخبارية

رحلة البحث عن سرير لمريض "كورونا".. مشقة قد تنتهي بوفاة (تقرير)

مصراوي Masrawy

كتب- أحمد جمعة:

عانى محمد عبده (60 عامًا) ليومين من ارتفاع طفيف بدرجة حرارته وكحة خفيفة، وظل على حالته اعتقادًا أنها بعض الأعراض التي تأتيه كل عام مع "نزلة البرد"، لكنها ازدادت في اليوم الثالث مصحوبة بضيق في التنفس لفترات، لتساعده أسرته على عجل في التوجه لأحد المراكز الطبية الخاصة في محيط منزله بمنطقة شبرا بالقاهرة.

داخل المركز الطبي أجرى "عبده" الفحوصات الأولية مع أحد الأطباء، والذي اشتبه في إصابته بكورونا، ونصحهم بالتوجه لأحد المستشفيات الحكومية، فانطلقوا إلى مستشفى أحمد ماهر التعليمي، وبعد الانتظار قليلًا ناظره طبيب الاستقبال، ووجَّه بإجراء بعض التحاليل والآشعة المقطعية على الصدر، وما إن خرجت نتائجها حتى استقر رأيه أنه حالة اشتباه كورونا بدرجة كبيرة، وأمر بأخذ "مسحة" للتأكد بشكل يقيني من الإصابة بالفيروس من عدمه.

بالتوازي مع ذلك؛ بدأ طبيب الاستقبال بإعطاءه جلسات "أكسجين" على الفور، إذ كانت نسبته في الدم بدأت في الانخفاض إلى حد مُقلق، مع حجزه لحين استقرار حالته، قبل أن يعود ويبلغهم بعدم توافر سرير في الوقت الراهن.

لم تنتظر أسرة "عبده"، وبدأت رحلتها في البحث عن سرير بأحد المستشفيات الحكومية والخاصة: "كلمنا أكتر من حد يساعدنا بسرعة علشان نلحقه، بس كان فيه صعوبة"، وفق ما يقول شقيقه.

أعلنت وزارة الصحة، تخصيص 376 مستشفى على مستوى الجمهورية، لاستقبال حالات الاشتباه في الإصابة بفيروس كورونا، على أن تكون مهمتها تشخيص المرضى وإجراء الفحوصات والتحاليل والآشعة، وإعطاء العلاج اللازم، لكن الكثير منها لا يُقرر حجز المرضى داخلها، إما لعدم وجود مكان أو لعدم حاجة المريض إلى ذلك.

ورغم أن وزارة الصحة لم تذكر وصول هذه المستشفيات إلى طاقتها الاستيعابية لاستقبال حالات كورونا المتأخرة بأسرة الرعاية وأجهزة التنفس، إلا أن أسرة "عبده" حاولوا التواصل مع رقم الخط الساخن "105" وفشلت محاولات توفير سرير.

تحدثت الأسرة مع عدد من المستشفيات الخاصة وكان الرد بعدم وجود مكان شاغر: "قالولنا مفيش مكان عندنا، فيه حالات كتير موجودة".

ظلت نسبت الأكسجين في الدم في انخفاض حتى فارق "عبده" الحياة بعد منتصف الليل، ودون أن يجد مكانًا يحتجزه وقبل أن تخرج نتيجة تحليل "PCR" للحالة.

حالة "عبده" ليست الوحيدة التي رصدها مصراوي في رحلة البحث عن أحد أسرَّة الرعاية المركزة أو أجهزة التنفس، إذ بات من الصعوبة بمكان توفير سرير رعاية لمريض خاصة في القاهرة الكبرى، وبالتواصل مع ثلاثة من مديري المستشفيات بالقاهرة أكدوا تكدس الحالات وعدم وجود أسرَّة فارغة بأقسام الرعاية.

وقبل يومين، قال الدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة، إن 30% من إجمالي عدد الوفيات في حينها توفوا قبل الوصول إلى المستشفيات، فضلًا عن أن 20% من الوفيات توفوا خلال 48 ساعة من وصولهم للمستشفيات، نظرًا لتأخر حالاتهم الصحية عند الوصول، لكنه أرجع ذلك لثقافة العلاج منزليًا دون العرض على الطبيب المختص، ما يتسبب في تفاقم الحالة الطبية.

لكن الرجل الأربعيني "محمد حامد" لم يتردد في طلب الرعاية الصحية، فبينما ظهرت الأعراض ذهب إلى مستشفى الصدر بالعباسية، وهناك أجرى التحاليل والآشعة التي أظهرت اشتباها في إصابته بكورونا، ثم أجرى "المسحة" وطلبوا منه العودة إلى منزله لحين ظهور النتائج والحصول على بعض الأدوية. وعقب ساعات شعر حامد بضيق حاد في التنفس.

حاول حامد طلب الإسعاف لنقله إلى أقرب مستشفى للحصول على جلسة أكسجين، لكنه انتظر كثيرًا، حتى وصلت بعد قرابة 5 ساعات من طلبها، ونقلته إلى مستشفى شبرا العام، وحينها كانت وزيرة الصحة هالة زايد في زيارة إلى المستشفى.

أجرى "حامد" عدة تحاليل، وطلب الطبيب حجزه في الرعاية المركزة على الفور، فيما صُدمت أسرته بعدم توافر أي سرير، وتحت ضغط متواصل من اتصالات أهله لمدير المستشفى، قَبِل انتظاره في الاستقبال لحين خروج حالة من الرعاية وإدخاله على الفور. وظلَّ هكذا حتى ظهر اليوم التالي.

في السياق وعقب جولتها بالمستشفى، وجهت وزيرة الصحة بزيادة عدد أسرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس الصناعي بجميع مستشفيات القاهرة، لتقديم أفضل خدمة طبية للحالات الحرجة من المصابين بكورونا.

بحسب بيانات وزارة الصحة، يبلغ عدد الأسرة بجميع المستشفيات التي تستقبل الحالات المشتبه في إصابتها والمصابة بفيروس كورونا بجميع المحافظات: 35152 سريرًا داخلياً، و3539 سرير رعاية مركزة، و2218 جهاز تنفس صناعي.

وفي الأصل تمتلك وزارة الصحة 5368 سرير رعاية مركزة بمستشفيات الوزارة على مستوى الجمهورية، و2670 جهاز تنفس صناعي، وفقًا للدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم الوزارة لمصراوي.

ويتماس مع المواجهة الحكومية لكورونا، إمكانيات المستشفيات الجامعية التي خصصت 6397 سريرًا داخلياً، و907 غرف رعاية مركزة، و712 جهاز تنفس صناعي على مستوى 18 جامعة.

بدوره، قال الدكتور شريف وديع مستشار وزيرة الصحة لشؤون الرعايات، إن 8% فقط من مصابي كورونا هم من يحتاجون إلى الرعايات المركزة وأجهزة التنفس الصناعي، من أصل 30% من الحالات المتوسطة والمتقدمة التي تتلقى الخدمة في المستشفيات، في حين أن 70% من المرضى يمكنهم الاستمرار في العزل المنزلي مع الحصول على بروتوكول العلاج الذي حددته وزارة الصحة.

وأشار إلى أن 56% من مرضى الحالات المتوسطة بكورونا الذين يعالجون في المستشفيات يحتاجون في الكثير من الأوقات إلى دخول الرعاية المركزة، أو الوضع على أجهزة التنفس الصناعي.

وحتى يوم الأربعاء الماضي، قالت وزارة الصحة إن إجمالي الحالات التي نُقلت إلى مستشفيات العزل بلغ 16158، فيما تم تحويل 5894 حالة إلى نُزل الشباب، و5484 حالة تم عزلها منزلياً منذ بداية الأزمة منتصف فبراير الماضي.

https://public.flourish.studio/visualisation/1766210

وفسر "وديع"، عدم توافر أسرّة رعاية للكثير من المرضى بالتأخير في طلب الرعاية الصحية والانتظار لحين تفاقم الأعراض، أو الذهاب لمستشفيات بعينها دون أخرى مما يتسبب في التكدس بداخلها، مضيفًا: "المريض بيروح المستشفى لما يكون خلاص مش عارف ياخد نفسه".

الأزمة تطال المستشفيات الخاصة

الأمر لم يتخلف كثيرًا بالنسبة للمستشفيات الخاصة التي اعترضت على الأسعار التي حددتها وزارة الصحة بالنسبة لتكاليف علاج مرضى ، إذ تتفاوت أسعارها بشكل كبير، إلا أن أغلبها يطلب أموالًا "تحت الحساب" قد تصل لـ 100 ألف جنيه لعلاج المرضى.

الشاب خالد أحمد أحد هؤلاء الذين بحث أسرته لساعات عن سرير رعاية له بمستشفى حكومي أو خاص، بعد أن داهمه المرض وتفاقمت أعراضه وشعر بضيق حاد في التنفس، لم يجدوا طلبه في 4 مستشفيات حكومية أو ربما يزيد بالقاهرة والجيزة، ليدخلوا في رحلة جديدة مع المستشفيات الخاصة التي أغلقت أبوابها في وجههم: "دورنا في كل الأماكن اللي قدامنا في العام والخاص.. سألنا في قصر العيني ومعهد ناصر ومعهد الكبد ومستشفى بولاق وأماكن تانية مكنش فيه سرير فاضي"، وفق ما يقول شقيقه مجدي.

بعد عناء وجهه أحد أصدقائه إلى مركز طبي في المهندسين، لكنه لم يجد سريرًا للرعاية بل مجرد وضعه على إسطوانة أكسجين لضبط مستواه في الدم، ووافقوا على نقل على الفور.

يقول شقيقه إن المستشفى طلب منهم وضع 100 ألف جنيه "تحت الحساب" حين وصلوا إلى المستشفى، وبعد أن وجدوا "الفاتورة" مُبالغ فيها بدرجة كبيرة خرجوا بعد ساعات صوب مستشفى أم المصريين الذي بالكاد عثروا داخله على سرير، للتو خرج المريض الذي كان يشغله.

يُضيف "المستشفى رفضت إعطائنا المبلغ كاملًا وحساب تكلفة إسطوانة الأكسجين والأشعة والتحاليل، وبعد ضغط أعادوا لنا 48 ألف جنيه، وأكدوا أن تكاليف إقامة خالد وعلاجه في هذه الساعات 53 ألف جنيه".

من جانبه، أوضح الدكتور أحمد أبوالراس، المتحدث باسم غرفة مقدمي الرعاية الصحية بالقطاع الخاص، لمصراوي أن تكلفة علاج المرضى تختلف من مستشفى إلى آخر في ذات المحافظة نفسها، رافضًا التعليق على الأسعار، مستندًا في ذلك إلى قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.

يرى "أبوالراس" أن أزمة نقص أسرة الرعاية المركزة وأجهزة التنفس تظهر بشكل واضح في القاهرة الكبرى نتيجة لزيادة عدد المصابين بكورونا، وضخامة عدد السكان بوجه عام، ضاربًا المثل بمحافظة الإسكندرية التي تسير الأمور فيها بشكل جيد ولا تظهر تلك الشكاوي كثيرًا داخلها من عدم توفير أسرَّة الرعاية.

وقد يبدو ذلك منطقيًا في الحديث عن أزمة نقص أسرة الرعاية وأجهزة التنفس، فوفق إحصائيات وزارة الصحة، تستحوذ محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقلوبية) على قرابة 50% من عدد المصابين بكورونا على مستوى الجمهورية.

ختامًا؛ يقول مستشار وزيرة الصحة لشؤون الرعايات إن الوزارة لا تزال تستطيع التعامل مع الحالات حالياً، لكن حال زيادتها عن هذا المعدل قد يتسبب ذلك في مشاكل أكبر، مختتمًا: "هيحصل مشاكل وإحنا في غنى عنها".​

مصراوي Masrawy

أخبار متعلقة :