بمجرد أن وطئت قدماه أرض موقعة كبريت، 9 أكتوبر 1973، بادر «بطل ملحمة كبريت»، إبراهيم عبدالتواب، جنوده قائلاً: «إنني سوف أموت هُنا، وأخذ في إملاء وصيته للمحيطين به، وكانت تتلخص في أمنيته أن يلف جسده الطاهر بعلم مصر، ويوارى التراب»، أما الجزء الثاني من الوصية فكان يتمثل في تسليم ابنته الكبرى مصحفه والمسبحة الشخصية لأنهما لا يفارقان سُترته، وكانوا يطلقون عليه في الجبهة لقب «الشيخ».
وبعد استشهاده، ووصول متعلقاته الشخصية إلى أسرته، احتفظت ابنتهُ بالمصحف والمسبحة، ولم يفارقاها حتى تزوجت واحتفظت بهما في منزل الزوجية.
وتقول أرملة الشهيد، إبراهيم عبدالتواب: «منى هي أكبر أبنائي، ثُم طارق وخالد، والثلاثة كُلهم أطباء، لم يكُن والدهم يقضي في البيت سوى فترات راحة نادرة، لا تتعدّى 3 أيام في الشهر، يتذكرونها جيدًا، كعادة أيام الفرح القليلة دائمًا».
أما ابنته «منى» فتتّذكر، قائلة: «إن الحرب اندلعت يوم 6 أكتوبر، وفي الثانية ظهرًا، عندما عدنا من المدرسة أنا وإخوتي، وأخذنا قسطًا من الراحة، وفي الخامسة مساءً، أدرنا مؤشر الإذاعة إلى القرآن الكريم، وفوجئنا بالبيان الثالث أو الرابع، لم أكُن أعرف أن هناك حربًا، ولكني أسمع فقط عن مشكلة الشرق الأوسط».
وأضافت: «فوجئت بدموعي تنهمر بشدة، وانخرطت في البكاء لمدة ساعتين، لم أتناول طعام الإفطار في ذلك اليوم، وشعرت بأنني لن أرى والدي، وبالفعل، لم يأت بابا، أبدًا ولم تطالع عيناي ملامح وجهه منذ آخر إجازة كان معنا فيها، وانتهت 30 سبتمبر، أي قبل الحرب بستة أيام».
وبنفس القدر من الشجن، تذكّرت زوجته، يوم استشهاده، قائلة: «بعد انتهاء الحرب، وتوقف إطلاق النار، كان هُناك بصيص من الأمل، يتسرّب إلى أنفسنا، حيث كان المرحوم المشير، أحمد بدوي، يُحدثنا في التليفون من وقتٍ لآخر، أثناء فترة الحصار في كبريت، ويقول لي: (زوجك بطل، لابُد إنتي كمان تكوني بطلة)».
وخلال أشهر طويلة، تجمّعت الزوجة والأطفال، حول التليفزيون، مُنتظرين أن يذكر اسم والدهم ضمن العائدين، ولكنه لم يأتِ، ظنوا للحظات أنه ربما ذُكر، ولكنهم لم يسمعوه، إلى أن أتاهم خبر استشهاده، يوم الاثنين، 14 يناير 1974، في التاسعة والنِصف صباحًا، على لسان الضابط الذي كان يُرافقه أثناء استشهاده.
وعن حياة البطل، إبراهيم عبدالتوّاب، ولد بإحدى قرى محافظة أسيوط فى العاشر من مايو 1937، وكان والده رجلا متدينا يحفظ القرآن، وبالتالي الصبي الصغير أيضًا، وتلقى تعليمه بمرحلتي، الابتدائية والإعدادية، بمدرسة «الفرير» بأسيوط ثم التحق بمدرسة المنيا الثانوية وكان حلمه الكبير وأمله الذى يضعه نصب عينيه هو التحاقه بالكلية الحربية.
وبدأ رحلته العسكرية مع بدايات 1955، وفى نهاية 1956 تخرج ابراهيم عبدالتوّاب في الكلية الحربية برتبة ملازم ثان وتدرج فى سلك القيادة إلى أن وصل إلى رتبة النقيب وكانت وحدته ضمن القوات المصرية التى ذهبت إلى اليمن لمساندة الثورة.
وخلال 3 سنوات وصل إلى منصب رئيس إحدى مجموعات الصاعقة، وفى هذه الفترة صدرت الأوامر بتشكيل لواء ميكانيكى مستقل خاص، يتبع القوات الخاصة، فكان إبراهيم أول من تقدم للانضمام إلى هذا اللواء إحساسًا منه بأن هذا اللواء هو أول وحدة ستحظى بشرف قتال العدو وتم تعيينه قائدًا لإحدى كتائب هذا اللواء اعتمادا على كفاءته وثقة قيادات الجيش فى شجاعته.
وفي حرب أكتوبر، كانت مهمة الكتيبة التى يقودها إبراهيم عبدالتواب هى القيام بالعمل كمفرزة برمائية تقتحم البحيرات المرة الصغرى وتتحرك شرقا على طريق الطاسة، ثم طريق الممرات لتهاجم وتستولي على المدخل الغربي لمصر وتؤمنه بقوة كتيبة عدا سرية ودفع سرية مدعمة لتأمين درب الحاج.
وفور انطلاق الشرارة الأولى لحرب أكتوبر 1973، اقتحم إبراهيم عبد التواب ورجاله كتيبة البحيرات المرة الصغرى حتى وصل إلى الضفة الشرقية من البحيرات دون اكتشاف العدو له وواصلت الكتيبة تقدمها وهى تقاتل العدو قتالاً ضاريًا، وتمكن من تدمير دبابتين، ثم صدرت الأوامر للمقدم إبراهيم باحتلال رأس الشاطئ وتحقيق الاتصال مع الفرقة السابعة مشاة.
وفيما بعد، صدرت الأوامر للمقدم إبراهيم، لمهاجمة نقطة شرق كبريت، والاستيلاء عليها، واتخذه قراره، باستغلال نيران المدفعية ونيران الدبابات، حيثُ يتم اقتحام نقطة كبريت لتقوم الكتيبة بعزلها وحصارها، لمنع تدخل الاحتياطي للعدو، وبالفعل تم تدمير كل الدبابات عن آخرها وقتل معظم أفرادها وأسر الباقي.
ورغم الهجمات المضادة، أحاط عبد التوّاب جنوده، ورفض تركهم، حتى جاءت إحدى الغارات، وسقطت دانة بالقرب منه، فاستشهد بين رجاله، وهو يُردد: «إياكم والتفريط في الموقع فيه شرف مصر وكرامة جيشها مُعلق بنصركم».
أخبار متعلقة :