عادةً ما تعرف حرب أكتوبر بالقادة العسكريين وأبطال الحرب، ولكن هُناك مدنيين ساهموا في الحرب، رغم أنّ الخطة قامت على إدراك حقيقي لواقع أن القوات الجوية الإسرائيلية تتفوق على القوات الجوية المصرية، أي أن المصريين كانوا سيهاجمون إسرائيل بأسلحة دفاعية، تحقق لهُم خسائر عالية لعدم وجود سلاح هجومي لدينا في ذلك الوقت، ليحقق نفس الخسائر.
ومع وجود فرضية أن خلال الحرب أو قبل الحرب حتى، لن يكون هناك وقود للصواريخ المصرية، فكان ذلك يعني بكل بساطه عدم وجود حرب من الأساس، ولإيجاد الوقود يجب تقديم تنازلات للاتحاد السوفيتي كان دائما ما يطالب بها، مثل تواجد بحري وجوي ثابت داخل مصر يتبع الاتحاد السوفيتي فقط، وهو أمر يمس استقلاليه الأرض والقرار المصري بل يمس كرامة الشعب المصري.
تعود القصة إلى أنّ الخبراء السوفييت الذين وصلوا إلى مصر بعد هزيمه يونيو 1967، كانوا على درجة كفاءة عالية من الكفاءة، وتم تغييرهم علي مدار السنين بخبراء ذوي مستوى متدن جدًا، أغاظ الضباط المصريين الذين أصبحوا في مستويات أعلى بكثير من نظرائهم السوفييت.
وتزامن ذلك مع وجود قلق أمني مخابراتي مصري من أهداف هؤلاء الخبراء الذين لا يهمهم سوى كتابه التقارير للرؤساء السوفييت، وبالطبع كانت مصر هي التي تدفع ثمن تواجد هؤلاء الخبراء وبالعملة الصعبة.
وقد كان من الممكن أن يهون كل ما سبق مقابل ما هو مفترض أن يقدمه هؤلاء الخبراء لرفع كفاءة وجاهزيه الجيش المصري استعدادًا لمعركة تحرير الأرض، لكن ما لم يكن هينًا هو نشر روح الهزيمة، وعدم القدرة علي تحقيق النصر علي الجيش الإسرائيلي داخل أروقة الجيش المصري بواسطة هؤلاء الخبراء وقادتهم، لدرجة أن تقديراتهم لخسائر الجيش في الحرب كانت فوق المستوى المتوقع والمقبول عسكريًا.
وتوالت التقارير عن تلك الروح التي بدأت تسري في الجيش المصري، وتوالت الشكاوى، وفي نفس الوقت توالي الرفض السوفيتي في توريد أسلحة هجوميه للجيش المصري، خاصةً بعد تولي الرئيس السادات الحكم، فالسوفييت لديهم طائرات ميج 23 وشاهدها الطيارون المصريون في روسيا ومع ذلك رفضوا الاعتراف بوجودها ولديهم رادارات وصواريخ أكثر حداثة مما لدينا ورفضوا الإفصاح عن وجودها.
وبعدها قرّر السادات عام 1972، طرد الخبراء، عقب تراخي السوفييت وتأخير بعض الصفقات، وتوقف الاتحاد السوفيتي عن إمداد مصر بإطارات الطائرات، ومن المعروف أنّ لكل إطار عدد مرات هبوط يتم بعدها استبداله، وكان توقف توريد الإطارات يعني توقف الطائرات عن العمل ومن ثم انخفاض كفاءه القوات الجوية تدريجيا حتى تصل إلى الصفر.
وحاول الطيارون المصريون إطالة العمر الافتراضي عن طريق تقليل قوة الهبوط على الأرض وجعل الهبوط أكثر هدوءًا لتقليل استهلاك الكاوتش، وكان ذلك حلاً مؤقتًا.
وبعد البحث طويلاً عن حل، جاء الإنقاذ على يد مهندس مدني، وهو المهندس، محمود يوسف سعادة، أستاذ بقسم التجارب نصف الصناعية بالمركز القومى للبحوث، ثم شغلَ منصب نائب رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا ومدير مكتب براءة الاختراع فى التسعينيات، والذي لولاه ما استمرت حرب أكتوبر، حسبما يقول اللواء محمد عكاشة، الأب الروحي للمجموعة «73 مؤرخين»، في كتابه «جُند من السماء».
انكب محمود يوسف على الدراسة والبحث، فنجح خلال شهر واحد في استخلاص 240 لتر وقود جديد صالح من الكمية المنتهية الصلاحية الموجودة بالمخازن.
وكان ما توصل إليه الدكتور محمود هو فك شفرة مكونات الوقود إلى عوامله الأساسية والنسب لكل عامل من هذه المكونات، وتم إجراء تجربة شحن صاروخ بهذا الوقود وإطلاقه ونجحت التجربة تمامًا.
وكان لابد من استثمار هذا النجاح فتم تكليف أجهزة المخابرات العامة بإحضار زجاجة عينة من هذا الوقود من دولة أخرى غير روسيا، وبسرعة يتم إحضار العينة، كما تم استيراد المكونات كمواد كيماوية، وانقلب المركز القومي للبحوث بالتعاون مع القوات المسلحة إلى خلية نحل كانت تعمل 18 ساعة يوميًا.
ونجح أبناء مصر مدنيين وعسكريين الذين اشتركوا في هذا الجهد العظيم في إنتاج كمية كبيرة (45 طنًا) من وقود الصواريخ، وبهذا أصبح الدفاع الجوى المصري على أهبة الاستعداد لإنتاج المزيد، وتنفيذ دوره المخطط له في عملية الهجوم.
وقد كانت مفاجأة ضخمة للخبراء السوفييت – كان مازال بعضهم موجودا – الذين علموا بما قام به المصريون دون استشارة أو معونة من أي منهم، كما سبّب نجاح الدكتور محمود، في تخليق الوقود المصري للصواريخ، والذي يعد أحد الأسباب وربما يكون أهم أسباب نجاح الدفاع الجوي في تدمير 326 طائرة إسرائيلية خلال حرب أكتوبر.
أخبار متعلقة :