أول شعبان.. «ليلة زكريا» طقس تراثي يجمع شمل العراقيين بعد ما فرقتهم الحرب
كتب: هشام عواض
خلال السنوات العشر الأخيرة تشهد العراق اقتتال مرير بين ابناءه بسبب احتقانات سياسية ومذهبية ودينية وعِرقية، مما يسبب جرح في الجسد العراقي، لكن كل هذا يذوب في أول شعبان من كل عام، فقد اعتاد العراقيون بكافة انتماءاتهم الدينية والطائفية، منذ قديم الزمن الاحتفال بهذا اليوم من كل عام، قبل أن يحين موعد غروب الشمس، ويسمى هذا اليوم بـ”يوم زكريا” أو “صوم زكريا”، ويرتبط الاحتفال بهذا اليوم بالنبي زكريا “عليه السلام” وطلبه لله برزقه ابنًا له، وإحياءً لطقسه، في شكل احتفالي ديني اجتماعي يشمل كل العراقيون.
الإعداد لليلة زكريا
في يوم صيام زكريا يقوم العراقيون بتقديم النذوروإعداد الموائد المزينة بنباتات الآس والزهور والطعام، بجانب عيدان البخور والاواني الفخارية وأطباق الحلويات والمعجنات العراقية التقليدية، ويطّبل الأطفال على “الدنابك”، وهي طبول صغيرة الحجم، احتفالًا وابتهاجًا بالليلة.
ويرجع سبب الاحتفال بهذا اليوم وصيامه إيفاءً بنذور النساء الراغبات في الإنجاب وخاصة الذكور، لذلك سُميت الليلة بليلة “زكريا”، الذي رجا الله أن ينجب له ولدًا وهو في سن الثانية والتسعين من العمر وزوجته “ايشاع” عاقر، وقد لبى الله ندائه ورزقه بولده يحيى، كما جاء في القرآن الكريم في سورة مريم (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا . قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا . قَالَ كَذَ لِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا).
في ليلة زكريا تعم الاحتفالية في أرجاء المحافظات العراقية من جنوبها لشمالها لشرقها لغربها فرحًا بهذا العيد وتختلف من منطقة إلى أخرى نسبة الإلتزام بهذا الطقس.
أشكال احتفالية مختلفة بالليلة في مناطق العراق
> ففي منطقة الكاظمية الواقعة في العاصمة بغداد على سبيل المثال، تصوم فيها النساء يومًا واحدًا أو يومين في أول يوم أحد من شهر شعبان وتصوم بعضهن عن الكلام كما فعل النبي زكريا “عليه السلام”، أما الإفطار فيتكون من الخبز المُعَد من الشعير وماء من البئر، وعلى الرغم من غياب هذا التقليد حاليًا، إلا أن الإلتزام بالصوم ما زال قائماً.
> والتي تتضمن “صينية زكريا” التي تتزين بالحلوى والزردة والفاكهة المختلفة والأكلات البغدادية التراثية الشهيرة مثل الدولمة والكليجة.
> وترصع هذه الصينية بالشموع الصغيرة والكافور وتوضع وسطها أحيانًا شمعة العروس الذهبية المزخرفة بالورود بعد تثبيت قواعدها على الطين بين أغصان شجرالآس والبرتقال، كما اعتاد الأمهات إعدادها ووضع الأواني الفخارية والتي تكون عبارة عن إبريق لكل ذكر من أولادهن ووعاء لكل بنت قرب الصينية.
ليلة زكريا طقوس تاريخي توجه التحريم
ورغم ما تحمله هذه المناسبة من تقاليد وطقوس موروثة شعبية،إلا أن مع الزمن والتطور أخذت تلك الطقوص وتقاليد ليلة زكريا بالانحسار التدريجي، هذا بجانب رفض البعض طقس الصيام غير المفروض او من النوافل أضافة الى ارتباطها بطقوس وعادات غير إسلامية صحيحة وأنها مرتبطة باحتفالات اليهود.
وكانت العادة في السابق المناطق والأسواق الشعبية خاصة في العاصمة بغداد والمحافظات عامرة بمتطلبات هذه الليلة من لوازم وخاصة طبول الدنابك التي يتهافت عليها الأطفال في ذلك اليوم.
ليلة زكريا بهجة للأطفال
ويغني الأطفال في هذا اليوم أغنية “يا زكريا” احتفالًا بالليلة.
>
ويسير الأطفال في الشوارع يطبلون بدفوفهم، وتتبادل النساء أمنيات تحصيل الرزق من الأولاد في تلك الليلة، التي تُعد فرصة للفرح والتلاقي و تبادل التهاني وتتجمع العراقيين على مائدة واحدة وسط.